السهرة توافق ليلة 24 من جويلية الجاري والفضاء مسرح قرطاج الأثري أما المناسبة فهي إحياء الذكرى الخمسين لرحيل الفنانة صليحة. فبأي إحساس تراهم جماهير هذه الفنانة يستقبلون هذا العرض؟. بأي إحساس تراهم ينتظرون هذا الموعد الاحتفائي بفنانة قد لا تستطيع كل ألقاب السلطنة في عالم الفن والغناء أن تعطيها وصفا ضافيا وشافيا؟... نخال أن الاحساس يكون مختلطا بين الفرح والشوق والأمل في مشاهدة عرض في مستوى قيمة صليحة. جمهور الفنانة صليحة جمهور كبير ومتنوع ويشمل مختلف الأجيال ومرور خمسين سنة بالكامل على رحيلها لم تحل دون توقد ذكراها لدى جمهورها... وعرض "أم الحسن غنات" الذي يتولى فيه الفنان كمال الفرجاني الإدارة والقيادة الموسيقية ويشرف وناس خليجان على الإدارة الفنية ويخرجه نبيل ميهوب، العرض الذي أعد إحياء ا لذكرى مرور خمسين سنة على رحيل صليحة لا يمكن أن يتعامل معه جمهور صليحة إلا على أنه هدية لهم قبل أن يكون احتفاءا بهذه الفنانة القديرة التي تحولت إلى رمز. فرقة موسيقى البحر المتوسط لكمال الفرجاني ليلة 24 من جويلية الجاري ستكون ليلة صليحة بمهرجان قرطاج الدولي في دورته الرابعة والأربعين. ليلة يأمل الجمهور أن تكون تكريما حقيقيا لهذه المطربة التي بقدر ما تستهلك أغانيها وبقدر ما تكون ملاذا للفنانين عندما يعوزهم رصيدهم الخاص أو عندما يحتاجون للتدليل على امكانياتهم الصوتية أمام الجمهور، أغانيها التي يجد فيها من يتملكهم الحنين لزمن كان فيه فن الغناء بتونس في حال أخرى غير أحوال فن هذه الأيام يجدون فيها شفاء. بقدر ذلك كله لم تحظ صليحة بالتكريم والحفاوة التي تليق بذكرى فنانة في مستوى ما أدته للفن التونسي لذلك تتجه الأنظار للعرض المنتظر بمسرح قرطاج الأثري. مجموعة من الأسئلة قد تساور المهتم بدراسة تاريخ الفنانة صليحة أو الجمهور عموما حول نوعية هذا العرض. هل سيكون كفيلا بتقديم صورة متكاملة عن رصيد صليحة من الأغاني المتنوعة وهل ستكون الأصوات المدعوة للغناء من رصيد صليحة قادرة على كسب التحدي. ذلك أن صليحة كانت تملك قدرات صوتية هائلة وربما استثنائية. حصلنا من جهتنا على بعض الإجابات بهذا الشأن ... العرض يطمح إلى أن يكون حسب معديه إلى تقديم الأعمال المختارة في أسلوب أركسترالي معاصر دون المساس من جوهر هذا الرصيد من الأغاني وكذلك بعيدا عما تم وصفه بالحنين السلبي إلى الماضي. سيقع خلال العرض تناول مختلف الأنماط والأشكال الموسيقية لرسم مشهد حول ما أسمته الجماعة بالمدونة الغنائية للمطربة صليحة التي امتدت على 20 سنة منذ انضمام صليحة سنة 1938 إلى المعهد الرشيدي إلى غاية رحيلها سنة 1958 أي منذ خمسين سنة كاملة.. من بين الأصوات الرئيسية في هذا العرض نجد الفنانة نبيهة كراولي. لا نخال بالطبع نبيهة كراولي مازالت في حاجة للتقديم لكن لا مفر من السؤال عن سبب الاختيار والإجابة كانت بديهية. فنبيهة كراولي تملك ما يؤهلها للآداء من رصيد صليحة بدون عناء كبير. فهي وفق أهل الموسيقى تمتلك الأهم: صوتا يتلاءم مع آساليب الآداء التونسية والقدرة على الغناء بإحساس كبير. تمت كذلك دعوة مجموعة من الفنانات الشابات إلى جانب نبيهة كراولي وهن على التوالي رحاب الصغير وشهرزاد هلال وريم الفهري وسارة النويوي ودرة الفورتي وأغلبهن من أصحاب الأصوات المتميزة ويعتبرن من أصحاب الاختيارات الفنية الجادة. بعيدا عن المسالك الممهدة والجدير بالذكر فإن سهرة "أم الحسن غنات" تندرج في إطار مشروع فني متكامل للفنان كمال الفرجاني. يرتكز هذا المشروع على تقديم التراث الموسيقي التونسي بصفة خاصة والتراث الموسيقي العربي والمتوسطي بصفة عامة. ومن آليات تنفيذ هذا المشروع نجد فرقة موسيقى البحر المتوسط التي أسسها كمال الفرجاني في بداية التسعينات. تتعامل هذه الفرقة مع الأسماء البارزة في تونس سواء من العازفين أو المطربين. وفي رصيدها مجموعة من الانتاجات من بينها " إيقاعات" و" مقامات" بمشاركة لطفي بوشناق و"لوحات متوسطية" بمشاركة نور الدين الباجي ودرصاف الحمداني و"صمت البحار" وهو عرض موسيقي آلي من تأليف وناس خليجان. كما تعاملت الفرقة مع زياد غرسة وسنيا مبارك وذلك في إطار العرض الموسيقي الذي يحمل عنوان" وصلة تونسية". ولكمال الفرجاني تجارب في التعامل مع فرق أجنبية من بينها فرقة الإذاعة والتلفزيون الهولندية. وقد سبق لفرقة البحر المتوسط افتتاح مجموعة من المهرجانات ببلادنا على غرار مهرجان الجم الدولي ومهرجان المدينةبتونس ومهرجان المنستير الدولي وأيام قرطاج المسرحية وغيرها. ويستمد الفنان والعازف المعروف كمال الفرجاني أفكاره من زاده المعرفي وكذلك من جولاته الفنية بعديد الدول العربية والأوروبية. ولم تقف تجاربه عند تأسيس فرقة موسيقى البحر المتوسط فقد بعث أيضا مجموعة التخت الموسيقي التونسي سنة 2003 وهي مجموعة مهتمة باللغة الموسيقية التونسية. وينتظر أن يكون عرض أم الحسن غنات محطة هامة أخرى في رصيد كمال الفرجاني من الانتاجات الموسيقية. أولا لأن العرض يهتم بقيمة فنية تونسية كبيرة جمعت بين الاتقان للأغنية والتمتع بقاعدة جماهيرية واسعة وثانيا لأن هذا العرض يضم أسماء من بين المعروفين بالجدية في العمل والحرص المتواصل على البحث في الحقل الفني وعدم الاقتصار على المسالك الممهدة. وللتذكير فإن عرض أم الحسن غنات يجمع بين كل من كمال الفرجاني ووناس خليجان ونبيل ميهوب إلى جانب نبيهة كراولي ومجموعة هامة من العازفين وطبعا المطربات الشابات اللاتي سبق وذكرناهن. أن عرضا فنيا ينهل من رصيد الفنانة صليحة تلك الفنانة التي تحتل مساحة في قلوب جمهورها المتنوع والمنتمي لشرائح عمرية مختلفة لا يمكن إلا أن تكون واعدة في انتظار الوقوف بطبيعة الحال على الملموس إن صح التعبير بمسرح قرطاج الأثري.