بعد ان خفت الضجيج حول امكانية تشكيل الحكومة القادمة وما رافقها من قصف جبهات من هذا الجانب او ذاك ،انطلق اول امس بشكل رسمي اولى اللقاءات بين رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي ومحمد عبو زعيم التيار الديمقراطي. وياتي لقاء امس كاول خطوة باتجاه اذابة الجليد بين الجانبين واساسا بين انصار الحزبين اللذين فتحا «ساحات للاقتتال الفايسبوكي» مستعملين في ذلك اسلحة الحرب الكلامية من شتم وسب ونشر الإشاعات احيانا. وجسد لقاء الغنوشي بمحمد عبو بداية لتهدئة الأجواء والتفاهم حول ارضية مشتركة تقي الجميع نار القطيعة وهو ما حرص عليه التيار الديمقراطي الذي لبى دعوة حركة النهضة والالتقاء بمكتب الغنوشي بمونليزير وهي خطوة مهمة تؤكد نوايا الرجلين على تجاوز ازمة في الافق. وتدرك حركة النهضة انه لا استقرار دون التيار وحركة الشعب والحليف التقليدي تحيا تونس، وبالرغم من حجم الرفض وارتفاع أمواجه فان النهضة لن تجازف بحرق مراكب العودة وهي التي رفعت شعار السفينة التي تحمل كل التونسيين باستثناء من استثنى نفسه لتفتح بوابات النقاش. كما تعلم حركة النهضة ان هروب التيار الى الامام ستقابله عودة عاجلا ام آجلا ، ولكن ذلك يتطلب في المقابل احترام الحزب ورمزيته بالجلوس والحوار معه الند بالند وفي اعلى مستويات على اعتبار حالة الغرور الظاهرة من خلال التصريحات والتي لامست التيار بعد فوز غير متوقع في الانتخابات الماضية وثانياً للتأكيد على جدية التفاوض مع حركة النهضة. في المقابل يعرف حزب التيار ان النهضة قادرة على تشكيل الحكومة دونه وهو ما يعطي أسبقية لأطراف حزبية اخرى على حساب التيار نفسه والذي تعد مشاركته في اَي حكومة مكسب سياسي وديمقراطي في آن واحد. واذا كانت رمزية التيار ومؤسسه لها التأثير القوي على الحكومة القادمة فان ذلك ينسحب ايضا على حزب تحيا تونس في ظل وجود شخصية محورية سياسيا مثل يوسف الشاهد. فقد نجح الشاهد في الصمود ايّام وثيقة قرطاج 2 وما احيط بها من قوة للإطاحة به وبحكومته ارضاء لنجل الرئيس وحاشيته آنذاك ليقف الجميع وقتها على حجم المحاولات لابعاد رئيس الحكومة بعد تجنب مؤسسة رئاسة الجمهورية وحزب نداء تونس والاتحاد العام التونسي للشغل. ويشكل الشاهد وحزبه امتدادا لتجربة حكم دامت نحو ثلاث سنوات ونصف وهي فترة حكم لم يسبقها اليه احد بما مدته من تجربة ومراكمة للعلاقات مع الخارج واساسا الجهات المانحة. وبالرغم من خسارته في السباق الرئاسي كمترشح عن حزبه تحيا تونس فان الشاهد والحزب استطاعا ان يشكلا كتلة مهمة عدديا وهو ما سيؤهلها للعب ادوار متقدمة في حكومة النهضة. واذ عبر الحزب في اكثر من مرة عن موقفه بالبقاء خارج مربع السلطة والحكم فان ذلك يعد مدخلا لتحسين شروط التفا وض وهو ما تدركه حركة النهضة التي لا يرى قياداتها مانعا في دخول تحيا تونس كشريك في الحكم بل ان الحركة شجعت الحزب على ذلك سيما وان عددا من قياداته كانوا داخل ماكينة «القصبة». وفِي واقع الامر فان لا خلاف اذا ما تم اعتبار تحيا تونس هو حزب حكم خاصة وان ظروف تشكله جاءت ضمن سياقات الحكم اَي في وقت كان فيه الرئيس المؤسس يوسف الشاهد رئيسا للحكومة. واذ يشكل التيار وتحيا تونس اهم المحاور الممكنة في الحكم في الحكومة القادمة فان لحركة الشعب علاماتها الكاملة ايضا، فرغم التمنع الحاصل فان رغبة الشعب في التواصل تبدو ظاهرة للعيان، وحتى إصرارها على حكومة الرئيس سيلين في قادم اللقاءات وهو ما يعني امكانية التوصل الى ارضية جامعة مع حركة النهضة رغم حجم الانفعالات التي أبداها كل من سالم الأبيض وزهير المغزاوي احيانا. وتفهم حركة الشعب ان الرفض المتواصل لاي نقاش او جلوس على طاولات الحوار لن يحولها الى بطل قومي في أنظار التونسيين بقدر ما سيساهم بإحالتها للتقاعد السياسي المبكر في تجربة شبيهة بتجربة الجبهة الشعبية فخدمة المواطن والوطن لا تحكمه ارهاصات الأيديولوجيا بل النجاح في ضمانات الاستقرار السياسي والحكومي. فهل سينجح راشد الغنوشي في اقناع مثلث الحكم الجديد؟ وهل تعدل احزاب التيار والشعب من منسوب الشروط ؟ خليل الحناشي