انطلقت الطائرة في وقتها المحدد دون أي تأخير قائدها قادم من زمن العمالقة الملحن والمؤلف والمطرب لطفي بوشناق لتحط في نفطة ضمن المهرجان الدولي للموسيقى الصوفية روحانيات في دورته الرابعة. انتصب بوشناق في قلب الركح على الكرسي المخصص بجبته البنية وشاشيته الحمراء أغمض عينيه لتبدأ سلطنته تلك السلطنة التي شيدها بحجارة من الطرب وحديد من الأناشيد وصخور من الموشحات واسمنت من الابتهالات، سلطنة قائمة ثابتة لا تلين تزينت بوصلات من الصوت الشجي وآهات وعُرب أجادتها قريحته فتفجرت فنا ملتزما صوفيا. قصائد بكلمات راقية وألحان هادئة وموسيقى الكامنجا والعود بطريقة السرد الإلقائي أو السرد الغنائي في مدح خصال الرسول كأغاني "حبيبي الممجد" " وفي مدح خير البرية" و "مولايا صلي وسلم" و "يا سعدنا يا فوزنا بمحمد" . وببراعة فنان مخضرم انتقل بوشناق بطائرته ودون مطبات هوائية باتقان مع ركابه من الجمهور وفرقته المتكونة من 15 عازفا من الأغاني الدينية الى الأغاني الوطنية فغنى واقفا أغنية "أنا موطن" وبتأثر بالغ في نبرة صوته الذي تغير من السلطنة الى الرجفة أعاد ترديد بيت "لا حروب ولا خراب لا مصايب لا محن خدوا المناصب والمكاسب لكن خلولي الوطن" ومن حب الوطن الى حب الحبيبة وطلب وصالها والتغزل بها في أغنية "سعاد" صاحبها موال أبرز المساحات الصوتية لبوشناق وقدرات تجلت بين ثنايا كل حرف ينطقه وطيات الانتقالات اللحنية واختلاف المقامات وهو الفنان الذي عشق الطرب حتى الثمالة والصوفية حتى الوله واتخذهما لونا موحدا له لا يفارقه. واختتم بوشناق حفله بوصلة من الأغاني الراقصة وهي مجموعة من أغانيه القديمة والجديدة والتي تختلف عن لونه الطرب الصوفي أرادها أن تكون جزءا من التنوع ودعوة للجمهور للرقص والتمايل والتصفيق بعد وصلة من الابتهالات وصفاء الروح فغنى "نساية" "انت شمسي" "كيف شبحت خيالك" "ريتك ما نعرف وين" "كيف يضيق بيك الدهر يا مزيانة" . تلوّن بوشناق فتلوّن الجمهور تلون بوشناق بألوان متعددة من الغناء ومع كل لون قدمه قدم الجمهور تفاعله الخاص. فمع الأغاني الدينية والصوفية صمت الجمهور وبقي منصتا جيدا تاركا الانطلاقة للقلب والروح ليتنفسوا فنا غير ملوث أعادهم الى ما تحمله الابتهالات من ايمان ووجد وسكينة قريبة من أجواء رمضان خاصة وأن أغاني بوشناق لطالما كانت رفيقة الصائم. ومع الأغاني الراقصة ذات الايقاعات السريعة واللحن الخفيف بدأت انطلاقة الجسد لينفلت ويلبي هتافا داخله للنشاط والانتعاشة. وبدوره لبى بوشناق تفاعل الجمهور فوقف وتمايل مع الأنغام وفي كل وصلة كان يخاطب الجمهور يدعوهم بكلمات مقتضبة وابتسامة اما للصلاة على النبي أو الى حب البلد أو للرقص قائلا "ربي يقدرني وأكون عند حسن ظنكم هذه الليلة". ظن لم يخيبه وتوفق في فقراته المختلف بأن تكون رحلة طائرته ممتعة وسهرة بلا شوائب.