افتتح وزير الشؤون الدينية السيد احمد عظوم صباح امس الخميس 21 نوفمبر 2019 بمدينة الثقافة ندوة الاجتهاد في العالم الإسلامي: واجب ديني أم ضرورة حضارية اليوم؟ وقد تم تنظيمها بالتعاون مع وزارة الشؤون الثقافية في اطار تظاهرة تونس عاصمة للثقافة الإسلامية . وحضرها عدد كبير من المثقفين والباحثين والدكاترة المختصين والدكتورة زهية جويرو المديرة العامة للمعهد الوطني للترجمة. وقد خص وزير الشؤون الثقافية السيد احمد عظوم جريدة "الصباح " بتصريح ونزل فيه ندوة الاجتهاد في العالم الإسلامي في اطارها فقال : "نعيش على وقع تظاهرة تونس عاصمة للثقافة الاسلامية ولا يمكن ان تمر هذه المناسبة الكبيرة دون ان نساهم فيها وان نترك في فعالياتها بصمتنا لأنها تهتم فيما ما تهتم بالشأن الديني وقد نظمنا مائدة مستديرة حول شهيرات التونسيات: تراجم وآثار، وندوة فكرية حول تجديد الفكر الديني في تونس: المنطلقات والآفاق، ومعرض للمعالم الدينية الكبرى بتونس بعنوان " تونس عبق الحضارات " في الرواق الشرقي لجامع الزيتونة المعمور وهو مفتوح امام العموم . وما نظمناه من ندوات في هذا الاطار وندوة الاجتهاد نتوجه بها بدرجة اولى الى السادة الوعاظ والائمة الخطباء وتمتد الى العموم ويحضرها اساتذة باحثون ومختصون طلبة وتلاميذ وغايتنا من تنظيمها هي ان نخرج بالجانب الديني عن كل ما هو تقليدي ومتعارف عليه لنقول ان الاسلام واحد وهو الدين الذي جاء به القرآن والحديث والسنة النبوية اما المتغيرات فلا يمكن ان نعيش بنفس اجتهاد القرن الاول للهجرة في القرن الخامس عشر منها ودليلنا على ذلك نستمده من الائمة الاربع الاولين انطلاقا من الامام مالك الذي عاش في المدينة والامام ابو حنيفة الذي عاش في العراق وقد اختلف الاثنان في عديد المسائل الفرعية ذلك ان البيئة غير البيئة (المدينةوالعراق ) والمجتمع غير المجتمع ، وهذا يوجب الاجتهاد ويجعله مفتوحا من خلال المختصين." مقاصد الدين الإسلامي كلها في خدمة الانسان ومصلحته واحترام انسانيته ورأى الوزير ان الفائدة الأهم من التطرق الى مثل هذه المواضيع في الوقت الحالي : " الخروج عما يروّج يمينا وشمالا والتصدي لفتاوى غير المختصين مما اصبحنا نراه على مواقع التواصل الاجتماعي من دعوات للتكفير والقتل وهو ما يدفعنا الى ان نفهم الناس ان مقاصد الدين الإسلامي كلها في خدمة الانسان ومصلحته واحترام انسانيته .. ونحن اليوم نحرص على التطرق لمواضيع تجديد الفكر الديني و الاجتهاد لتحرير الأفكار وتوسيع آفاق الائمة والوعاظ خاصة وانه لنا مختصون وطاقات لا بد ان نستغلها لمصلحة البلاد والعباد." وفي إجابة عن سؤال رجع صدى هذه الندوات والموائد المستديرة والعمل الدؤوب للوزارة في هذا الاتجاه وان كان مشجعا على المواصلة افادنا الاستاذ احمد عظوم بانه يعلم ان اثر هذه الندوات يمكن ان لا نراه على المستوى القريب ولكن الأكيد اننا سنرى له فوايد على المستوى البعيد وقال : " نحن عندما اعددنا ميثاق الامام الخطيب ودليل الامام الخطيب بفضل توثيق عديد الندوات امنّا حيادية تكاد تكون مطلقة في 4800 جامع خطبة والشاذ يحفظ ولا يقاس عليه والوزارة تتصرف كلما بلغ الى علمها أي تجاوز ولكننا على كل حال نرى نتائج إيجابية." وفي خصوص التعاون مع وزارة الشؤون الثقافية والقيام بدور كبير وايجابي في فعاليات تونس عاصمة للثقافة الإسلامية شدد وزير الشؤون الدينية على ان الدين والثقافة متلازمان ولا يتناقضان والمفروض ان تكون الثقافة في خدمة الدين والدين في خدمة الثقافة من اجل مصلحة تونس وقال : نحن نؤمن بأهمية التفاعل مع الثقافة وفي هذا الاطار عملنا مع المسرحي رؤوف بن يغلان فكانت التجربة مهمة جدا حيث عرض مسرحية "إرهابي غير ربع "بحضور الائمة والخطباء في بن قردان وفي غار الدماء وفي الوسلاتية وفي العاصمة ... وتم خلالها التأكيد على الدين الإسلامي لا يدعو الى الإرهاب ولا الى القتل وانما هو دين تسامح ووسطية واعتدال وحب للحياة ويدعو لها." وختم وزير الشؤون الدينية بانه لوزارته من هنا فصاعدا عديد الأنشطة المشتركة مع وزارة الشؤون الثقافية ومع منظمات المجتمع المدني من اجل خدمة تونس. المجتمع المدني شريك في الاجتهاد في فهم الواقع؟ بدأت اشغال الندوة بجلسة علمية أولى ترأسها الدكتور برهان النّفاتي وتولى خلالها الدكتور هادي روشو تقديم محاضرة " لا اجتهاد خارج أسئلة المجتمع " نيابة عن صاحبها الدكتور محمد بوهلال الذي تعذر عليه الحضور وقد حاول فيها الإجابة عن مجموعة من الأسئلة مثل : هل تنتمي ظاهرة الاجتهاد إلى مجال الواجب والأخلاق وما يجب أن يكون عليه السلوك؟ أم هي تعبير عن وضعٍ اجتماعي ومعرفي عمومي يجعل الاجتهاد ممكنا أو متعذّرا. و إذا كان الجواب الأكثر معقوليّة هو الثاني - وهو ما نراه - فما خصائص الاجتهاد الديني الممكن لمجتمعنا وعصرنا؟ ما مجالاته وأدواته ونتائجه المنتظرة؟ وهل هو بصدد التحقّق فعلا، أم لا يزال حلما بعيد المنال؟. وفي محاضرة " أثر الاجتهاد في مواجهة التحدّيات الحضارية في العالم الإسلامي طرح الدكتور نور الدين النناش إشكالية :" الاجتهاد في فهم الواقع وحلّ قضاياه أكبر تحدّ يطرح على الساحة الفكريّة الإسلاميّة، وقال ان هذا التحدّي لا يخصّ العقل الفقهي فحسب بل هو تحدّ يواجه جميع الفاعلين في المجال الإسلامي سواء كانوا فقهاء أو مربين أو دعاة وأئمّة خطابة على المنابر، كل حسب قدرته على الاجتهاد في فهم الواقع والإسهام في إيجاد حلول لمشاغله ومشاكله. وتحدث الدكتور النناش عن نوع أعمّ وأشمل من الاجتهاد يحتاجه المشتغلون في حقل الدّعوة إلى الله والمربّون والأكاديميّون وكلّ المهتمّين بالشّأن الديني لأنه يرى ان الاجتهاد يكون في فهْم مشاغل الواقع والتفاعل معها من أجل الإسهام في إصلاح الأوضاع حسب القدرة والإمكانات المتاحة.وطرح جملة من الإشكاليات رأى أنّها الأنسب بالبحث والدّراسة وهي: * ماذا نعني بالاجتهاد في فهم الواقع ومَن المعنيّ به؟ *ما هي حدود هذا النّوع من الاجتهاد؟ وما هي آليات تفعيله؟ *ما هو دور مؤسّسات المجتمع المدني في التشجيع على هذا النّوع من الاجتهاد؟ * ما هي العراقيل المانعة لبروز هذا الاجتهاد وتأثيره في تغيير الواقع؟ وفي الجلسة العلمية الثانية التي تراسها الدكتور صحبي بن منصور حاضرت الدكتور فاطمة شقوت في موضوع "طرق المفسرين في استنباط هدايات القرآن الكريم " حاولت الإجابة عن أسئلة مثل ما هو الاستنباط في اصطلاح علماء التّفسير وعلوم القرآن؟ ما أهمّية هذا العلم؟ ما شروط صحّة الاستنباط من القرآن الكريم؟ ما هي طُرق المفسّرين في الاستنباط من القرآن الكريم؟ ما هي الهدايات المستنبطة من القرآن الكريم؟ ما هي آثار الاستنباط من القرآن الكريم؟ وعرضت نماذج من استنباطات بعض المفسّرين.. وفي محاضرته عن "محمود الشبعان :فرصة مهدورة لتجديد المذهب المالكي (1928- 1983) قال د. عادل بالكحلة:"ما زال محمود الشِّبْعان فرصة يواصل الفكر الدّيني التّونسي في ههدرها، رغم أنّها جمعت "الضبْط" و"التّحقيق الاجتهادي" "الحسَّاسية". ولقد كانت تجربته التربوية والمدرسية، النّقدية، أفضل ممهّد للفكر الدّيني المتميّز، وللكثير من الجدّة والنّقدية والانفتاح المستقبلي. تعدّد مناويل يعني وجود حراك فكريّ ام صراع على تثبيت الصورة اما الدكتور الياس قويسم فقد لاحظ في محاضرته عن "الاختلاف المسدّد: نحو غدويّة التعدّد بدل ماضي الفِرقة الناجية" ان قضايا التجديد تصدر عن فكر يحاول استعادة تجارب الماضي وفق منظور تشخيصي نقدي يهدف إلى محاولة الوقوف على حدود النجاح والإخفاق لمثل هذه التجارب، ليتسنّى له البناء الغدوي وفق مؤشّرات ورؤى موضوعيّة، قادرة على الارتفاع بالتجربة الفكريّة نحو آفاق أرحب وجرأة أكثر فاعليّة، وعليه فالناظر في تاريخ الفكر الفلسفي الإسلامي، يلْحظ سمة غريبة تدفع إلى معاودة المراجعة والتمحيص قصد الوقوف على أسبابها، وتتمثّل هذه الغرابة في ضمور الأثر الإجرائي لمثل هذه المحاولات الإنسيّة في الوسط الإسلامي الوسيط، فالفكر الغربي في تاريخه سجّل طفرات فكريّة أفرزت آفاقا جديدة، ودشّن طريقة جديدة في التعامل مع تراثه ومع مقوّمات فكره، ممّا مكّنه من الانخراط في مغامرة فكريّة-تاريخيّة جديدة في أسلوبها ومضمونها، لكن على النقيض من ذلك نجد أنّ إرهاصات التجديد ومقدماته النظريّة كانت كامنة في أنفاس منشئيها وتجلّت في جملة كتاباتهم، في حين أنّ الناظر في الممارسات الاجتماعيّة والتقاليد الفكريّة، بمعنى أنّ الممارسة الإنسيّة-التاريخيّة كانت حبيسة حقل فكري نخبويّ، يومئ بطريقة تأويليّة بوجود قطيعة بين المثقّف ومجتمعه، فالمجتمع مائل إلى التقليد وإلى الحلّ و الإلفة بمكتسباته من دون محاولة زحزحزته نحو حقل النظر والمراجعة، إنّه الاطمئنان السلبي بكلّ المكوّنات التي تشكّل وجوده وفق أنموذج (الشيخ والمريد)، حيث تسرّبت منهجيّته نحو كلّ مناحي الحياة: الاجتماعيّة والسياسيّة والثقافيّة والأسريّة... وقال :" ان القضايا الملحّة للشأن الدّيني اليوم تكمن في فوضى المناويل التي تسعى من خلالها الجماعات إلى تأثيث الأنموذج الإنساني في بعده الروحي والفكري والقيمي والواقعي انطلاقا من رؤى تأويليّة للنصّ الديني، لكن هذا التعدّد في المناويل لا يومئ إلى وجود حراك فكريّ، بقدر ما نلحظ صراعا على تثبيت الصورة وفق منظور مذهب أو جماعة، عبر فعل إقصائي أو تبخيسي للآخر المختلف.." علياء بن نحيلة