منّ الله على جهة القصرين بثروة نباتية هامة وهي نبتة الحلفاء التي تغطي حوالي ربع مساحة الأراضي الفلاحية بها(حوالي 180 ألف هكتار)، توجد خاصة جنوب الولاية،أصبحت منذ إنشاء مصنع عجين الحلفاء والورق في بداية الاستقلال مصدر رزق لآلاف العائلات التي تتولى"قلع"هذه النبتة وبيعها إلى المؤسسة،ويمتد موسم جني الحلفاء على 6 أشهر من غرة أوت والى نهاية جانفي من كل سنة و هي فترة تحدد بقرار من وزير الفلاحة . فما هي ظروف هذا "العمل" ومردوديته على الناشطين فيه ؟ مهنة شاقة كل الشيوخ والكهول من نساء ورجال الذين تحدثنا إليهم بمناطق " كدية موسى " و"الوشواشة" على تخوم جبل "خشم الكلب" و"فج بوحسين" بسفح جبل الشعانبي من الذين يشتغلون بهذا العمل او سبق لهم امتهانه لسنوات طويلة ومن بينهم عبد السلام البوعزي وظريفة بوعزي وعبد المولى غرسلي ومفتاح القاهري ورابح المنصري ..اجمعوا على أن جني الحلفاء يعتبر مهنة شاقة جدا بل لا يوجد لها نظير في بقية الأعمال لأنها تقتضي من المشتغل بها " الانحناء " لمدة ساعات طويلة متتالية ل "قلع" النبتة و"افتكاكها" من جذورها دون المس بهذه الأخيرة الضاربة في الأرض ، وهي عملية تتطلب قوة بدنية ومجهودا كبيرا لا يقدر عليه كل شخص،إضافة إلى إتقان عملية "تجميعها" في شكل شبكة وربطها ثم وضعها على ظهور الدواب والتوجه بها على مسافة عدة كيلومترات ل "المنشر" التابع لمصنع الشركة الوطنية لعجين الحلفاء و الورق وتسليمها بعد وزنها لتحديد حجمها والعودة بثمنها او ب "وصل" يسمح لحامله باقتناء ما يريد من مواد غذائية بما دوّن فيه من مبالغ مالية لدى "عطارة" تتعامل معهم الشركة .. ويبدأ من يشتغل بجني الحلفاء يومه خلال فترة ارتفاع الحرارة (أوت وسبتمبر) مع الفجر والى غاية منتصف النهار هربا من الشمس الحارقة،أما في أشهر البرد القارس الذي يميز مناخ القصرين(نوفمبر وديسمبر وجانفي) فان الاشتغال به يكون بداية من شروق الشمس والى غاية العصر لاستغلال فترات الدفء القليلة،ويؤكد كل من تحدثنا إليهم ان جني الحلفاء يخلف لصاحبه أمراضا عدة من أخطرها الروماتيزم و"اعوجاج" العمود الفقري من كثرة الانحناء وحمل الكميات الثقيلة من الحلفاء ولكن الفقر والظروف الاجتماعية الصعبة تفرض على متساكني الأرياف الاشتغال به لأنه مورد الرزق الوحيد المتوفر أمامهم ارتفاع سعر الحلفاء حسب ما أكده لنا المكلف بالإعلام في مصنع الحلفاء صابر الشعباني فان ثمن القنطار من الحلفاء الذي يشتريه المصنع من المواطنين تضاعف ثلاث مرات منذ الثورة وارتفع من 10 دنانير سنة 2008 الى 15 د سنة 2014 ليبلغ 30 د منذ سنة 2017 والى الآن والمؤسسة تحتاج سنويا الى حوالي 30 ألف طن وأثناء مواسم الجفاف عندما لا تتوفر هذه الكميات بالولايات الأربع المنتجة لها (القصرين وسيدي بوزيد وقفصة والقيروان) تضطر الشركة لتوريد بقية حاجياتها من الجزائر، وبهذا السعر يمكن للعائلة الواحدة(يشتغل منها شخصان) ان تجني يوميا اكثر من قنطارين لتكون مداخيلها على الأقل 60 دينارا تراجع مساحات الحلفاء أكد لنا الشعباني ان منابت الحلفاء تقلصت بعد الثورة بسبب استيلاء مواطنين على آلاف الهكتارات من منابتها وحرقها وتحويلها إلى أراضي فلاحية رغم العقوبات الصارمة الموجودة في القانون لكن عدم تطبيقه أدى الى خسارة مساحات هامة وللحد من هذه الظاهرة نظمت الشركة ندوات تحسيسية بالاشتراك مع وزارة الفلاحة وإدارة الغابات للمحافظة على هذه الثروة الهامة التي تستعمل إضافة لصنع الورق وفي ميدان الصناعات التقليدية ،في عدة صناعات أخرى كمكونات الحواسيب والطائرات ومواد التجميل وهناك دراسات تجريها الشركة منذ فترة بالتعاون مع مخابر فرنسية وتونسية لمزيد تثمين الحلفاء واستغلالها في صناعات أخرى. طارق الغرسلي