لا يمكن ألا تكون ليبيا إلا محل أهمية كبرى بالنسبة إلى تونس والتونسيين. ولكن هذا الملف بتطوراته يطرح جملة من التحديات الداخلية والخارجية. أولهما الانقسام الداخلي التونسي على مستوى المواقف من أطراف النزاع في ليبيا والفشل في تمرير الحكومة وهو ما يجعل ملف السياسة الخارجية على كتفي رئيس الجمهورية بالأساس (وهي من مهامه الرئيسية) ولكن وجود حكومة قوية ووزير خارجية على دراية بالملف الليبي كان يمكن أن يكون له دور إيجابي على مستوى الدبلوماسية التونسية تجاه ليبيا، إلا أن تأخر تشكيل الحكومة التونسية يجعل سعيد وحده في الواجهة. أما خارجيا فإن القوى الإقليمية لا تتردد في اتخاذ الخطوة التصعيدية تلو الأخرى على الأرض أو على طاولة المفاوضات من أجل أن يكون لها ما تقول في الشأن الليبي أيام الحرب أو لتقسيم كعكعة إعادة الإعمار. برلين التي تتجهز لاحتضان مؤتمر السلام في ليبيا، تحث الخطى من أجل أن تلعب دورا خاصة على مستوى إعادة الإعمار. وهكذا تدعم المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وقف إطلاق النار في ليبيا في زيارة أجرتها ميركل يوم السبت إلى موسكو. اللاعبان الرئيسيان إلا أن الرجلين الأبرز اليوم في ليبيا اليوم، فهما بوتين وأردوغان وهما الأقدر فعليا على فرض وقف لإطلاق النار وهذا ما دعيا إليه في الثامن من الشهر الحالي. ويشير مقال نشرته مؤسسة «أتلانتيك كاونسيل إلى أنه «من الممكن أن تستخدم روسياوتركيا الديناميكية الجديدة بينهما لتأكيد نفسيهما كوساطتين للسلطة، وتكون ليبيا بالنسبة إليهما مكانا لاستعراض كل منهما للعضلات العسكرية والدبلوماسية.» ويضيف أن هنالك نقطة مهمة لابد من الإشارة إليها تتمثل «في عدم أهمية الاتحاد الأوروبي ومختلف القوى الأوروبية في تحديد نتائج هذا التصعيد، والذي من المرجح أن يظهر في مؤتمر برلين المقبل، إذا تحقق ذلك.» وهذا التراجع الأوروبي في حقيقة الأمر مقارنة بالدور الذي لعبته دول أوروبية في مقدمتها فرنسا وبريطانيا في تدخل حلف الناتو في ليبيا سنة 2011 أو الدور الفرنسي والإيطالي عند انطلاق الأزمة بين الشرق والغرب الليبيين يأتي في ظل عدم اهتمام أمريكي بليبيا وما يحدث فيها واعتبار الأمريكان ليبيا شأنا أوروبيا. هذا التراجع يدفع المراقبين إلى عدم المراهنة على مؤتمر برلين بالضرورة بقدر المراهنة على الدور التركي والروسي في ليبيا. وفي خضم كل هذه التطورات مازالت تونس غير قادرة على فرض نفسها كدولة يمكن أن تلعب أدوارا أيام الحرب وأيضا أيام السلم. وفي حقيقة الأمر بالرغم من محدودية الموارد والعمق الاستراتيجي تملك تونس ثلاث أوراق رئيسية يمكنها أن تراهن عليها في الملف الليبي: 1 - ورقة الحياد لا تملك تونس الإمكانيات العسكرية والمالية التي تخول لها أن تكون قوة فاصلة في ليبيا ولكن لديها الكثير لتراهن عليه من أجل أن تلعب دورا ولو رمزيا في الانتقال الليبي. إن أخذ المسافة نفسها من جميع المتصارعين تبقى الأنسب وفيها مصلحة تونس وليبيا وتخول لتونس أن تلعب دورا إذا ما جلست الأطراف المتصارعة على طاولة واحدة لأنها ستكون من دول الإقليم القلائل التي لم تنخرط في الصراع ويمكن أن تحاول تونس أن تراهن على ذلك أيام المفاوضات وإعادة الإعمار. 2- ورقة الوقوف أمام الإرهابيين تمتلك تونس أيضا ورقة هامة جدا تنطلق من الحدود التي تربطها بليبيا والدور الذي يمكن أن تلعبه من أجل عدم تدفق العناصر المتطرفة نحو أوروبا. وهي بحماية حدودها من تسلل الإرهابيين لا تحمي أمنها القومي فقط بل أمن أوروبا القومي وهي ورقة راهن عليها أردوغان في علاقة بتدفق الللاجين السوريين إلى تركيا. 3- ورقة اللاجئين إن تقديم الدعم لمن يمكن أن يلجؤوا إلى تونس من ليبيا بسبب تصاعد العنف هو واجب إنساني ويفرضه القانون الدولي وهو دور لعبته تونس في 2011 وهي مستعدة للعبه مرة أخرى. ولكن مرة أخرى لا تخول الإمكانيات المادية لتونس أن تلعب هذا الدور دون مساعدة من المنظمات الدولية وحتى من الدول التي يمكن أن تدعم تونس حتى تتمكن من مواجهة هذه المعضلة. وعلى تونس أن تستثمر ورقة استقبالها للاجئين اقتصاديا وسياسيا. إن مختلف هذه الأوراق تفرض على تونس تحركا دبلوماسيا أكبر وبغض النظر عن المشاركة في مؤتمر برلين من عدمه من المهم أن يكون رئيس الجهورية في هذه المرحلة رئيسا نشطا وديناميكيا خاصة في ظل غياب وزير خارجية وغياب حكومة جديدة، فهو مطالب بأن يلتقي جميع الأطراف المتداخلة في ليبيا وأن يفتك لتونس هذه الأدوار الثلاثة التي لا يمكن لدولة أخرى أن تلعبها. خاصة أن سعيد هو من قال خلال المناظرة الرئاسية أن «دور تونس هو الأساس. نقول: ارفعوا أيديكم عن الشعب الليبي، وذلك لمصلحة الجميع بما في ذلك الدول المتدخلة» وهو من اعتبر أن «الوضع المتأزم سيعود عليها (الدول المتدخلة) بالوبال»، وهو يقصد هنا ملف الهجرة غير الشرعية أو عدم الاستقرار في شمال أفريقيا. وما عليه إلا أن يراهن على ذلك في محادثاته مع الدول المتدخلة. أروى الكعلي