في بادرة جاءت من أجل منع الركود الاقتصادي ودفع الاستثمار والتصدير وحماية مواطن الشغل، تحرك الاحتياطي الفيديرالي الأمريكي (البنك المركزي الأمريكي) يوم الثلاثاء 3 مارس 2020 في اتجاه التخفيض في نطاق نسبة الفائدة بنصف نقطة ليستقر في حدود 1.5-1.75 بالمائة. وتأتي هذه البادرة من قبل الاحتياطي الأمريكي، المعروف بدفاعه الشرس عن استقلاليته عن السلطة التنفيذية، لحماية الاقتصاد الأمريكي من مخاطر فيروس كورونا، ليكشف للمرة الثانية بعد تحركه في أوت 2019 ، ولأول مرة بعد 11 سنة، في اتجاه التخفيض في نسبة الفائدة استجابة لدعوة الرئيس دونالد ترامب على خلفية حماية مواطن الشغل والمؤسسات الاقتصادية، ليكشف أن لاستقلالية البنك المركزي حدودا ترفع عندما يتعلق الأمر بتهديد الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي وأنه لا معنى لسياسة نقدية تعمل في معزل عن متطلبات المرحلة وتحدياتها. الولاياتالمتحدةالأمريكية، وهي أكبر قوة اقتصادية في العالم ونموذج لليبيرالية الاقتصادية والتجارية، لم تتردد في عهدة دونالد ترامب، في خرق مبادئ وأسس الليبرالية على أكثر من صعيد نذكر من بينها مراجعة اتفاقيات التبادل الحر وإقرار الحماية، وضرب استقلالية البنك المركزي والضغط في اتجاه تخفيض نسبة الفائدة لضمان ديناميكية الاقتصاد الأمريكي وخلق الثروة من خلال مراعاة ثلاث مؤشرات وهي سوق الشغل ونسبة التضخم والنمو الاقتصادي المحلي والعالمي. ورغم اقرارنا بعدم استقامة المقارنة بين الاقتصاد الأمريكي والاقتصاد التونسي، فان منطق السيادة الوطنية الذي يفرض توظيف كل السياسات الاقتصادية والجبائية والمالية والنقدية لحماية الاقتصاديات الوطنية، والذي لا يفرق بين اقتصاد قوي كالاقتصاد الأمريكي واقتصاد بلد في اتجاه النمو كالاقتصاد التونسي، يسمح لنا بالتوقف عند التجربة التونسية في مجال استقلالية البنك المركزي التي جاءت بمقتضى قانون النظام الأساسي الصادر في أفريل 2016 تحت عنوان استقلالية البنك المركزي. فمنذ صدور هذا القانون عرفت نسبة الفائدة المديرية منحى تصاعديا على خلفية احتواء ارتفاع نسبة التضخم لتستقر اليوم في حدود 7.75 بالمائة. ولئن يصر محافظ البنك المركزي على جدوى السياسة النقدية المتشددة في تقليص نسبة تضخم مصدرها غير نقدي بما يفترض تحرك سياسة المالية العمومية، فقد ضربت هذه السياسة محركات النمو الثلاثة الاستهلاك والاستثمار والتصدير ليتعطل النمو ويدخل الاقتصاد التونسي في مرحلة ركود لا توجد مؤشرات حقيقية على امكانية الخروج منها في ظل تعطل العقل الحكومي وإصرار البنك المركزي على التشبث بسياسة كان من المفروض توظيفها لخدمة الاقتصاد الوطني ككل وليس في استهداف تضخم مصدره غير نقدي على غرار ما فعل رئيس الولاياتالمتحدةالأمريكية الذي لا يتردد في خرق كل الأعراف ومبادئ الليبرالية في اطار ممارسة السلطة الفيديرالية لسيادتها، والتصدي لكل مستجد يهدد الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي. وفي تونس لا نرى تهديدا أكبر من تراجع نسبة النمو الى 1 بالمائة على كامل سنة 2019 وتسجيل الثلاثي الثالث من نفس السنة نسبة نمو بصفر بالمائة، باعتبار اختزال هذه النسبة لكل المؤشرات المالية والاقتصادية والاجتماعية، تهديد قوبل بمواصلة البنك المركزي في سياسته النقدية المتشددة من جهة، وبصمت الحكومة وتجاهلها للوضع المتردي لمناخ الاستثمار والأعمال والإنتاج والتشغيل من جهة ثانية. ان تدهور المؤشرات الاقتصادية والمالية والاجتماعية، بالدرجة التي أصبح عليها الوضع في تونس، يفترض التحرك الاستثنائي والعاجل والبحث عن بدائل للخيارات والسياسات التي عمقت الأزمة في البلاد وتبني بوصلة وحيدة وهي بوصلة النمو الاقتصادي والسياسات القادرة على اخراجنا من حالة الركود، الا أن ما نسجله اليوم هو عكس ذلك بل هناك إصرار من قبل البنك المركزي على مواصلة تدمير منظومة الإنتاج والمقدرة الشرائية للمواطن بكل هدوء ونعومة بما يدفعنا للتساؤل عن مصدر القرار في بلادنا هل هي مصادر وطنية أو مرتبطة بإملاءات صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والاتحاد الأوروبي التي تحدد مربع التحرك للسلطات العمومية والبنك المركزي بقطع النظر عن النتائج. جنات بن عبد الله