اثار قرار البنك المركزي الاخير القاضي بالترفيع في نسبة الفائدة المديرية بمائة نقطة لترتفع من 6,75 بالمائة الى 7,75 بالمائة جدلا كبيرا خاصة ان هذه الزيادة هي الثالثة في ظرف اقل من سنة أي تحديدا منذ تولي مروان العباسي زمام مؤسسة الاصدار خلفا للشاذلي العياري كما انها الخامسة في ظرف سنتين لا غير. فسر البنك المركزي قراره ذاك بسعيه الى مواجهة التضخم وهو ما لم يتم اذ شهد هذا «الغول» ارتفاعا متواصلا حيث كان في مفتتح 2016 في حدود 3,5 بالمائة ليصل في نهايتها الى 4,2 بالمائة واستفحل التضخم رغم كل الاجراءات الحمائية ليصل الى 7,1 بالمائة مؤخرا في ما يعتبر تراجعا طفيفا بعد ان كان 7,5 بالمائة في اوت الماضي. اصرار على معالجة الخطإ بالخطإ يصر البنك المركزي على معالجة الخطا بالخطا معتقدا ان التحكم في التضخم لا يتم الا بالترفيع في نسبة الفائدة المديرية وتعتمد هذه الآلية بشكل مبسّط على الترفيع في سعر الفائدة التي تدفعها البنوك التجاريّة للبنك المركزي للحصول على السيولة التّي يتمّ توجيهها لاحقا في شكل قروض استهلاكيّة أو بغرض الاستثمار وفق نسب فائدة لا تقل عن سعر الفائدة المديريّة للبنك المركزي وعلى هذا الاساس فان الترفيع في نسبة الفائدة المديرية يؤدي إلى كبح جماح عمليات الاقتراض وتقليل نسبة السيولة في السوق الماليّة مما سيؤدي إلى خفض نسبة التضخّم لكنّ هذه السياسة الماليّة وإن كانت تفضي إلى تخفيض وتيرة القروض وكنتيجة مباشرة لذلك تخفيض نسق الاستهلاك، إلاّ انّها تنعكس بشكل مباشر على مستوى الاستثمارات مما يحد من النموّ الإقتصاديّ ويرفع كلفة عديد المنتجات خاصة العقارات ان لم نقل كل المنتجات وثبت خلال السنوات الفارطة التي تم فيها الترفيع في نسبة الفائدة المديرية ان نسق الاقتراض لم يتراجع من المواطنين رغم صعوبته لانه لا خيار امامهم لمواجهة تغول الاسعار الا بمزيد الاقتراض خاصة ان التونسي بارع في تبرير الامر تحت شعار «احييني اليوم واقتلني غدوة» كما ثبت ايضا ان المجموعات الاقتصادية الكبرى في تونس التي لا تمثل الا 30 بالمائة من مجمل النسيج الاقتصادي لا يضيرها الترفيع في نسبة الفائدة المديرية رغم انها وفي كل مرة يتم الترفيع فيها ترفع في اسعار منتجاتها بداعي تضررها وفي حقيقة الامر فان تلك المؤسسات لا تعوزها الحيلة في ايجاد خطوط تمويل لمشاريعها كما ان اغلبها مساهم في البنوك وما تربحه من القطاع البنكي الذي هو الوحيد تقريبا في تونس الذي يحقق ارباحا مقارنة بباقي القطاعات تستثمره في تمويل باقي مؤسساتها ليبقى المتضرر الاكبر هي المؤسسات الصغرى والمتوسطة التي تمثل 70 بالمائة من نسيجنا الاقتصادي وتستوعب العدد الاكبر من العاملين لتعاني الامرين لتمويل انشطتها مما حكم على العديد منها بالافلاس او بالبقاء في وضعها «الصغير» دون توسعة ودون تنمية لطاقاتها التشغيلية. الحل ليس بيد البنك المركزي من الغريب ان يتم توجيه اللوم الى البنك المركزي المحمول عليه التحكم في نسب التضخم حسب الفصل 33 من القانون عدد 90 للعام 1958 والذي ينص على أن مهام البنك تتمثل أساسا في السهر على استقرار الأسعار والجهاز المالي وسلامته دون ان يتم توفير الاليات اللازمة له للقيام بمهمته الا الترفيع في نسبة الفائدة المديرية فقانون سنة 1958 تم تجاوزه بالقانون الصادر سنة 2016 وبعد تفعيل القانون الجديد جعل مجابهة التضخم وحماية العملة الوطنية وضمان التوازنات المالية العامة للدولة موزعة بين السلطتين النقدية و المالية وان استقلالية البنك المركزي ما هي الا فخ نصب له لتتفصى الحكومة من مسؤوليتها في كبح جماح ارتفاع الاسعار من خلال تفيعل المراقبة والسهر على سلامة العملية الانتاجية دون تعطيلات تحكم على المعروضات ان تتصاغر امام الطلبات فالتحكم في الاسعار لا يمكن ان يتم فقط بالترفيع في نسبة الفائدة المديرية بل يتم بتوفير المناخ الاستثماري الملائم والعدالة الجبائية الغائبة تماما في تونس خاصة حين يتحدث مستشار رئيس الحكومة فيصل دربال في هذا الجانب على ان حجم التهرب الضريبي وصل الى 15 مليار دينار وان الدولة لا تعرف المتهربين فهل على البنك المركزي ان ينزل الى الشارع للبحث عنهم خاصة ان مثل هذا المبلغ اذا ما تم استثماره على الوجه الاكمل ودخل في الدورة الاقتصادية الرسمية سيوفر عديد الحلول على مستوى الاستثمار والتنمية وتنشيط الاقتصاد ككل فالبنك المركزي صار مستقلا فقط في ما يتعلق بدوره المقتصر فقط على التعديل النسبي والمحدود لميدان المال والاعمال وانجاز المهام الرقابية على صعيد النظام المالي الوطني وهي استقلالية مغشوشة تقيد البنك المركزي بل هي تقييد له وتحميله لتبعات سياسة خاطئة من الحكومة مفروضة عليها من صندوق النقد الدولي لان القانون الذي يعمل وفق بنكنا المركزي لا وجود له الا في دول قليلة هي تلك الخاضعة بالكامل لتوصيات صندوق النقد الدولي.فالحكومة عليها وان ليس من مشمولاتها تحديد السياسة النقدية للبلاد الا ان عليها رفقة البنك المركزي العمل على اتباع سياسة نقدية توسعية من الضروري اتباعها في الحالة التونسية التي تعاني من ركود اقتصادي مستفحل وتقوم على خفض أسعار الفائدة من أجل زيادة الاقتراض والمعروض النقدي في السوق وهو ما سيؤدي الى ارتفاع الطلب على المنتجات مما يغني المؤسسات بصغيرها وكبيرها ومتوسطها عن الاقتراض ويدفعها الى مزيد الاستثمار ويتقلص خطر الديون المتعثرة لعديد المؤسسات لدى البنوك لان تمويل المواطن فيه ضمانات اكبر على السداد من تمويل المؤسسات وارتفاع مستوى معيشته سيدفعه الى الانفاق وطبعا هذه السياسة التوسعية ستعطي اكلها حين يتم القضاء على اسباب تعطل الانتاج وتعثره وايضا من خلال مراقبة مسالك التوزيع والضرب بقوة على ايدي المحتكرين والسماسرة. وللاشارة فان هذه السياسة تم اتباعها من قبل العديد من البنوك المركزية منذ الأزمة المالية عام 2008 حيث كانت معدلات الفائدة منخفضة وفي كثير من الحالات قريبة من الصفر وآتت اكلها بسرعة. عودة الى مربع التوتر تنفس التونسيون الصعداء حين تم تجاوز كل المشاكل بين الحكومة واتحاد الشغل والغي الاصراب العام الذي كان مقررا ليومي 20 و 21 فيفري الجاري اضافة الى حل ازمة التعليم الثانوي ومن المؤكد ان التوتر سيخيم من جديد على الوضع الاجتماعي بتونس لان قرار البنك المركزي هو التفاف على الزيادات في الاجور التي اعتقد معها التونسيون انها ستحسن من شروط اقراضهم من البنوك وهو ما دفع اتحاد الشغل على لسان أمينه العام المساعد بوعلي المباركي الى الاعلان اول امس ان المنظمة النقابية تفجات بقرار الترفيع في نسبة الفائدة المديرية رغم أن هناك اتفاق مع الحكومة في الضغط على الأسعار وسيكون له انعكاس سلبي على الأوضاع الاجتماعية و المقدرة الشرائية وعلى المنتفعين بقروض مؤكدا ان الاتحاد بصدد التحرك لدفع البنك المركزي للتراجع عن الترفيع في نسبة الفائدة المديرية و توضيحها وفق تصريحه ولو انه من الصعب على البنك المركزي التراجع عليها بسرعة فانه من الوارد جدا اعادة النظر فيها في الاجتماع القادم لمجلس ادارة البنك المركزي الذي عليه ان يوضح انه لم يتحرك الا في اطار السلطات المخولة له وان على الحكومة القيام بواجبها في الضغط على الاسعار وتيسير عودة الانتاج الى نسقه العادي لكسر المعادلة المقلوبة القائمة حاليا في بلادنا بطغيان الطلب على العرض وهذا من الصعوبة بمكان لان الحكومة لم تتحرك بايجابية في هذا الاتجاه منذ تنصيبها ورغم تحويرها اكثر من مرة ومن الغريب جدا ان يخرج علينا وزير التجارة المطالب بالسهر على حماية الاسعار من أي مؤثرات خارجية تؤدي الى ارتفاعها بطريقة مجنونة ليقول أن البنك المركزي مستقل عن الحكومة وأن التحكم في نسبة التضخم يكون عبر الترفيع في نسبة الفائدة وكان التونسيون لا يعلمون هذه المعطيات بل ويصدمنا بقوله ان الترفيع في نسبة الفائدة المديرية ليست له انعكاسات على ارتفاع الأسعار .. فهل ان الوزير على دراية بابجديات السياسات النقدية ام انه يقول أي كلام فقط ليفسر الماء بالماء.