تجرى في الرابع عشر من هذا الشهر الجلسة العامة الانتخابية للجامعة التونسية لكرة القدم والتي ستفرز مكتبا جديدا مكشوفة تركيبته باعتبار أن قائمة وحيدة تخوض السباق الإنتخابي ،وهي قائمة الرئيس الحالي وديع الجريء .وليس هذا ذنبها وإنّما القائمتان الأخريان ألغيتا لعدم توفّرهما على المطلوب من شروط الترشّح. وتضم قائمة الجريء اثني عشرة عضوا وهي خليط من القدامى والجدد ومن بينهم امرأة واحدة ستتولى على الأرجح رئاسة اللجنة الطبية . وتقدمت هذه القائمة ببرنامج انتخابي من سبعة محاور عرضته على الإعلام وقدمته للناخبين وهم الجمعيات الرياضية المنضوية تحت لواء جامعة كرة القدم. ويشتمل برنامج القائمة على سبعة محاور تحمل في مجملها مشغل تطوير لعبة كرة القدم في تونس. ولكن هذا السعي الواضح يظل مرتهنا بعنصر مهم لا تملك مفاتيحه جامعة كرة القدم وإنّما هو موكول إلى الحكومة، ويتعلّق بالبنية التحتية. فلا مجال في اعتقادي لأي تطور في ظل ضعف البنية التحتية وحتى انعدامها في بعض الحالات. فكرة القدم تنمو فوق الملاعب، والملاعب في حالة تعيسة وهذا لا ينكره أحد وظهرت تداعياته في مناسبات عديدة. هذا هو المحور الذي أريد إبرازه إضافة إلى مسألة أرى أنّها لا تقلّ أهمية وتتعلّق بالتكوين والذي يبعثرها برنامج قائمة وديع الجريء في محاور عديدة لا ترتبط خصّيصا بالتكوين وكان أفضل لو لو أفردها بمحور خاص بها. محدودية تحرك الجامعة في مجال البنية التحتية. يبدو جليّا أنّ مشغل برنامج قائمة وديع الجريء هو مزيد تطوير رياضة كرة القدم في تونس من جميع النواحي وهي التي تعتبر منذ عقود الرياضة الشعبية الأولى في البلاد ولم تنافسها على العرش رياضة أخرى رغم ما تسجّله كرة اليد من تقدّم في اهتمامات الجمهور. ويزيد اهتمام الشباب والناشئة والعائلة التونسية بلعبة كرة القدم درجات إلى الأعلى لعدة اعتبارات لعلّ أهمها يتعلق بكون هذه اللعبة أصبحت مصدرا للمال الوفير. ولهذا السبب تكاثرت الأكاديميات المتخصصة في التكوين والتي يقبل عليها الأطفال بدفع من عائلاتهم وتشجيع منها حتى أصبحت تطغى عليها الناحية التجارية .وربّما كان ذلك مفروضا عليها وربّما أيضا تلك هي غايتها. ويمكن اعتبار هذه الأكاديميات نسخة متطورة من ملاعب الأحياء الشعبية والتي كانت في زمن بعيد مضى في شكل "البطاحي" والتي تخرّج منها نجوم لامعة في الكرة التونسية مثل نورالدين ديوة والشتالي والطاهر الشايبي وغيرهم وقبلهم وبعدهم كثير في الستينات والسبعينات وحتى الثمانينات. وتركت البطاحي المجال لملاعب الأحياء والتي كانت من اهتمامات الدولة في عهد بورقيبة وخاصة من خلال برنامج حكومة المرحوم محمد مزالي المتعلق بإنشاء ألف ملعب في أحياء الجمهورية ولكنه مشروع لم يتحقق وتبنته الحكومات المتعاقبة من بورقيبة حتى اليوم في اطار آليات متعددة من بينها برنامج تهذيب الأحياء السكنية الذي تشرف عليه وزارة التجهيز والإسكان. اليوم لم تعد البطاحي موجودة وغمرتها البنايات في ارتباط بالتوسع العمراني الذي تشهده البلاد منذ الاستقلال كما أنّ ملاعب الأحياء تتطلب مراجعات حتى لا يكون هدفها مقتصرا على الترفيه بل يجب توظيفها لفائدة تطوير لعبة كرة القدم وذلك خاصة بأن تكون أيضا فضاءات للتدريب ينتفع منها أبناء الحي الموجودة فيه والأحياء المجاورة وليست فقط مجالا لإجراء مباريات بين الأحياء في أغلبها عشوائية . ويمكن أن يوفر ذلك فرص عمل لخرّيجي معاهد الرياضة في تونس. وعلى الحكومة أن تحدد بوضوح مجال الإشراف على هذه الملاعب وتحديد مسؤوليات كل جهة في ادارتها وصيانتها. الحلول ...جذرية وصارمة أو لاتكون وبعد استكمال قراءة برنامج قائمة وديع الجريء يتبيّن وأن مقاصده حسنة وهذا لاشكّ فيه ولا اختلاف ويتجلّى أيضا أن الخبرة التي اكتسبها رئيس الجامعة في التسيير الرياضي وإدارة الجامعة والمسؤوليات التي تولاها في الهياكل الكروية خارج البلاد تجعل منه الرجل المناسب في الموقع المناسب. وقد عمل البرنامج المطروح على الإدلاء بدلوه في مسألة البنية التحتية الخارجة عن دائرة قراره بأن اقترح تخصيص مساعدات للأندية حتى تقوم ببعض الإضافات في الملاعب للتحسين مثل منصّة الصحفيين أو حجرات الملابس أو مقاعد البدلاء .ولكن يدرك الجميع الحالة المزرية للملاعب في تونس وهي تبعث جديا على القلق وتعيق كثيرا ممارسة اللعبة في ظروف مثلى ،وأن "تجميلها" إنّما هو ترقيع لا منفعة ترجى من وراءه، وأن الموضوع يجب النظر إليه بإطلاق صيحة الفزع المدوّية والتي دونها لا يمكن للوضع أن يتحسّن وستظل البنية التحتية مهترئة وسيتكرر مشكل إيجاد الملاعب لإجراء المباريات وكم من فريق ضعفت نتائجه لعدم تدربه فوق ميدانه واجراء المباريات بعيدا عن جماهيره. ويقرّ برنامج قائمة وديع الجريء ضمنيا بمحدودية تعاطي الجامعة مع البنية التحتية ويظهر ذلك في اعتقادي في المحور الرياضي وهو المحورالثاني من البرنامج و مضمونه أن المكتب الجامعي الجديد "يدعومؤسسات الدولة المعنية بالبنية الأساسية لمزيد العناية بالمنشآت الرياضية من خلال إحداث هيكل أو مؤسسة تعنى بصيانتها والاستثمار فيها" . ولكن في البرنامج نقاط مضيئة في مجال البنية التحتية تتعلق بتجهيز عشر قاعات رياضة على الأقل لفائدة الجمعيات الرياضية في السنوات الثلاث المقبلة. وهذا تعبير من الجامعة عن انشغالها بموضوع المنشآت الرياضية وحرصها على تطويرها . ويتجسّد هذا الإنشغال كذلك في تنصيص البرنامج على وضع المرافق الأساسية الجديدة للجامعة على ذمة العديد من الجامعات و رياضيي النخبة لمساعدتهم على حسن الإعداد للتظاهرات الرياضية الهامة. غير أن ما يسعى إلى تحقيقه المكتب الجامعي الجديد لن يقضي على المشكل العويص التي تعاني منه البنية التحتية للعبة كرة القدم في تونس والذي يجب طرحه بالحزم اللازم وهذا يتطلب دون شك وضع الحكومة أمام مسؤولياتها في هذا الخصوص بعيدا عن الشعارات السياسية. التكوين منثور في محاور مبعثرة من البرنامج. الموضوع الثاني الذي يثير الإهتمام في برنامج المكتب الجامعي الجديد يتعلّق بالتكوين في لعبة كرة القدم، وهي مسألة على غاية من الأهمّية وتعتبر عنصرا محدّدا في تطوير اللعبة في تونس والتقدّم بموقعها إقليميا وعالميا. و لم ينظر البرنامج المقترح إلى التكوين بالكيفية التي ترتقي إلى أهمّيته ولم يتعمّق فيه أو لم يطوّره بالشكل المقنع. ويبرز طرح المكتب الجامعي المرتقب لموضوع التكوين في المحور المتعلّق بالجانب المالي والإداري من البرنامج وذلك من خلال" تفعيل دور هيئة الرقابة في حسن التصرف المالي للجمعيات" ولكنّه اقترح أمرا مشدّدا يتعلّق "بحرمان الجمعيات من منحة الجامعة في صورة تبيّن أنها لم تلتزم بتخصيص ميزانية للشبّان". وفي اعتقادي يمكن للجامعة أن تجنّب نفسها هذا العناء وألاّ تحرم الجمعيات المخالفة من المنحة وذلك بالتكفّل بالتعاقد مع مدربين لفائدة أقسام الشبّان في الفرق وتمكينهم من آليات التصرّف في المساعدات التي تقدّمها لهذه الفرق على أن تكون مساعدات عينية وليس مالية. والأمر ذاته ينسحب على المساعدات التي تخصصها الوزارة للجمعيات بعنوان تكوين الشبّان. فبدل أن تكون هذه المساعدات مالية قد تصرف في غير محلّها أو لغير أقسام الشبّان تكون مساعدات عينية وتنتدب الوزارة مدربين لهذه الأقسام في اطار الميزانية المخصصة لمساعدة الجمعيات على التكوين. . و لا يفوت الإشارة إلى كون هذه الطريقة في المساعدات تضرب عصفورين بحجر واحدة حيث هي ستشجّع الفرق على تطوير أقسام الشبّان وستساهم كذلك في الحدّ من بطالة خرّيجي معاهد الرياضة في تونس. ويمكن النظر الى موضوع التكوين في برنامج قائمة الجريء في المحور السابع المتعلق بعلاقة الجامعة مع محيطها الوطني والدولي في النقطة الثانية والذي ورد فيها " عقد شراكات مع هياكل رياضية وطنية على غرار جامعة الرياضة المدرسية وغيرها من الجامعات و الهياكل الرياضية" أتطلّع إلى أن يكون المقصد من الشراكة مع جامعة الرياضة المدرسية مرتبطا بمسألة التكوين وهذا سيكون مهمّا جدّا حيث لا أرى غير ذلك من الشراكة بين الجامعة والرياضة المدرسية. ولطالما كانت الرياضة المدرسية منبعا لرياضيين متألقين. وأجد دلالة لموضوع التكوين مبعثرة في محور آخر هو المحور الإجتماعي وهو السادس في البرنامج وقد ورد فيه "المساهمة في توفير بعض الفضاءات الرياضية التي تساعد على ممارسة كرة القدم ونشرها في الأوساط الشعبية والمساهمة في الإحاطة بالشبان المقيمين ببعض الأحياء الشعبية التي تفتقر للمرافق الرياضية" هذه النقطة اعتبرها البرنامج اجتماعية وهي مصطبغة بذلك فعلا ، ولكن يمكن أن تشكل مجالا للتكوين في صورة ما إذا تولّت الجامعة النظر إلى المسألة من زاوية شمولية حيث تقوم الجامعة بتوفير الفضاءات الرياضية في الأحياء الشعبية وتكلّف فريقا إداريا وفنيا بالإشراف عليها ويمكن أن يكون الفريق من أهل الحي الذي يقام فيه الفضاء الرياضي مع تمكينه من منحة ولو رمزية مع إلزام الفريق الإداري والفني برفع تقارير سنوية إلى الجامعة يشار فيها وجوبا إلى المواهب الكروية التي قد تكون موجودة فيها أو الأطفال أوالشبّان القابلين للإنضمام للجمعيات. ويمكن للجامعة أن تشجّع على تكوين جمعيات ملاعب الأحياء تمكّنها من المشاركة في دورة الأكاديميات. وستنطلق الجامعة في برنامجها بملعب في حي هلال لعلّه يستجيب إلى ما ذكرت. ويتراءى لي موضوع التكوين في برنامج الجامعة أيضا في المحور الخامس المتعلق بالبنية الأساسية والذي ينص في نقطته العاشرة على "تشييد إعدادية ومعهد رياضة خاصويتطلب هذا المشروع موافقة وزارة التربية" .اعتقادي أن المشروع مهم ولكن يكون أفضل لو تخصص الجامعة إعتمادات المشروع لو كانت متوفّرة للبحث عن صيغ جديدة ومتطوّرة في مجال تكوين الناشئة في لعبة كرة القدم من خلال بعث أكاديميات تابعة إلى الإدارة الفنية في الولايات الأقل حظّا على أن تتوسّع إلى كامل الولايات تدريجيا . وبذلك أيضا تساهم الجامعة في تقليص بطالة خريجي معاهد الرياضة على وجه الخصوص وتوفر مواطن شغل ولو محدودة ،بالتوازي مع تطوير مجالات التكوين وتوسيعها من منطلق رياضي صرف يبتعد عن المنطق التجاري الذي يسيطر حاليا على عمل أكاديميات التكوين الخاصة. أما المعهد الرياضي فحتى الموجود منه والتابع للمرفق العام مدعاة للتقييم. إلغاء "محلّية" لاعبي شمال إفريقيا المنتدبين ولسائل أن يتساءل لو تطوّر التكوين وأصبح يوفّر أجيالا كروية ممتازة فماذا سيكون حظّها والفرق من الرابطتين الأولى والثانية تسعى إلى الإنتدابات الخارجية لتحقيق النتائج الإيجابية تتويجا أو ضمانا للبقاء في النخبة. وهذا من حقّها مبدئيا. ويبدو مستوجبا وحتى مفروضا على الجامعة أن تضمن لهذه الناشئة المتكوّنة والصاعدة إلى أقسام الأكابر في فرقها مكانا في اللعبة تحت الشمس وألاّ تقصيها "الإنتدابات" خصوصا وأن الجامعة وفّرت للفرق منفذا آخر للإنتداب الخارجي بعدم اعتبار لاعبي شمال إفريقيا المنتدبين لاعبين أجانب وإنّما محليين وهذا في إعتقادي يمثل ضررا لهذه الناشئة الصاعدة والتي ستصبح ضائعة ومشرّدة بين هذا الفريق وذاك بمنطق الإعارة المستمرة حيث فرقها الأصلية لن تحتاجها أمام الكمّ الهائل من الانتدابات. والحقيقة فقد طرح برنامج قائمة الجريء هذه المسألة بجدية دون التنصيص صراحة على مكانة اللاعبين الصاعدين وذلك من خلال ما أقرّه المحور الثاني من "تقييم تجربة اعتبار اللاعب المغاربي لاعبا محليا واتخاذ القرارات المناسبة على ضوء نتائج التقييم وتوصياته" والرأي عندي أن تتراجع الجامعة في قرارها وتعتبر اللاعبين من شمال إفريقيا لاعبين أجانب حتى لا نصل في يوم ما إلى فرق كاملة من النخبة مكوّنة من اللاعبين القادمين من وراء الحدود فتنهار بالتالي منظومة التكوين وتصبح عديمة الجدوى. هل سيستمر الحديث عن البنية التحتية والتكوين بعد الانتخابات؟ ركّزت على ناحيتين من برنامج قائمة وديع الجريء أعتبرهما مفصليتين في تطور كرة القدم التونسية تتعلقان بالبنية التحتية والتكوين . ويبقى اعتقادي راسخا أن الناحية الأولى المتّصلة بالبنية التحتية تظلّ حجر الزاوية في كل تطوّر منشود للعبة في تونس .ففي انعدام بنية تحتية متطورة تفشل كل البرامج والمخططات. والمؤسف أن الجامعة رغم جهودها وحسن نواياها من خلال البرنامج لن يكون لها أي قرار في هذا المجال وستظل مرتهنة للجهة الحكومية. وهذا ما يدعو الحكومة إلى وضع استراتيجية واضحة للرياضة عموما وكرة القدم خصوصا تغوص في عمق المسألة بعيدا عن الشعارات السياسية والبرامج الترقيعية والتجميلية وخاصة تلك المرتبطة بالبرامج الإنتخابية. أتمنى لقائمة وديع الجريء التوفيق ولو أنّني على اقتناع تام بأن اهتمام الجميع في السنوات الاربع المقبلة من ولاية المكتب الجامعي المرتقب سيركّز كما المعتاد على الورقات الصفراء والحمراء وضربات الجزاء والتسللات والحكّام والشماريخ ومعاقبة الجمهور والمدرب والمسؤول. مسائل ستسيطر على التكوين والبنية التحتية .فالمهم هو النتائج على الميدان وليس تحقيق أهداف البرنامج. وهذا ليس ذنب الجامعة فالجمهور يريد هكذا والإعلام في أغلبه ينحو حذوه. أتمنى التوفيق لوديع الجريء والمكتب الجامعي الجديد الذي سيزكّى في شكل انتخابات .فقط أطلب من رئيس الجامعة وهو المتفتح على النقاش والرأي المخالف الرصين أن يعين لجنة في التركيبة الجامعية تتابع تنفيذ البرنامج وخاصة في نقاطه المتعلقة بالبنية التحتية والتكوين لعل ذلك يكون دافعا إلى مزيد الإهتمام بالمحورين فبالتغاضي عنهما لا يمكن ترقّب تطوّر للكرة التونسية.