لئن اتجهت أنظار الجميع في العالم أفرادا ومؤسسات وأنظمة إلى التداعيات السلبية ل"كوفيد 19" على حياة الإنسان خاصة أمام عجز الخبراء والباحثين في علم الطب البيولوجيا والجراثيم على ايجاد دواء قادر على القضاء على هذا الفيروس الفتاك، فإن فئة أخرى من الخبراء والمختصين في مجال البيئة والمناخ عبروا عن استحسانهم للتداعيات الإيجابية لهذا الوباء. إذ نجحت الكورونا في تحقيق الهدف الذي تسعى الحركة البيئية لتحقيقه والمتمثل في الانخفاض المسجل في تلوث ثاني أوكسيد النيتروجين في الصين باعتباره أهم ملوثات الهواء وأكثرها شيوعا وفق تأكيد المؤسسات والمنظمات العالمية الرائدة في المجال، ليتحقق تحسنا في الهواء خلال الأشهر الثلاثة الماضية التي توقفت فيها الحركة والأنشطة الاقتصادية في البلاد بسبب قرار الحجر الصحي المتبع للتوقي من هذا الفيروس. وسجلت نفس الجهات نقصا كبيرا في الروائح التقليدية والكريهة في الهواء بإيطاليا وعدة بلدان أوروبية والولايات المتحدةالأمريكية لنفس السبب. وفق تقديرات خبراء ومختصين ومؤسسات ومنظمات وجمعيات عالمية رائدة في مجال المناخ والاوبئة. إيجابيات تعطل الأنشطة أكد زهير الحلاوي الأكاديمي المختص في المناخ وكاتب عام جمعية التغيرات المناخية المستديمة بتونس، ان من إيجابيات "كوفيد19" هو تداعيات تعطل الأنشطة الاقتصادية على المناخ أساسا منها تلك الأنشطة الملوثة الهواء والجو والتي تتمثل في الصناعات التي تعتمد على الغازات واالاكسدة والنقل وتحديدا الطيران. وأوضح أن هذه النتائج بدأت واضحة في البلدان التي عرفت موجة انتشار الفيروس على امتداد أشهر وقد رافق ذلك قرارات إيقاف كل الأنشطة تقريبا. وبين الحلاوي ان ذلك انعكس إيجابيا بتراجع نسبة التلوث في الجو في مستوى غازات ثاني أوكسيد الكربون خلال شهري فيفري ومارس مقارنة ببقية الأشهر وفق ما أعلنت عنه المنظمات الدولية المختصة في المجال. وأفاد المختص في المناخ ان هذا التراجع المسجل في الصين وإيطاليا وغيرها من البلدان الاوروبية وأمريكا بصفة خاصة كان له انعكاسا جيدا على جودة الهواء. في سياق متصل أفاد منجي بورقو الأكاديمي والمختص في علاقة الإنسان بالمحيط الساحلي ان انعكاسات الإجراءات التي تم اتخاذها للتوقي من الكورونا في مستوى البحر تعد إيجابية خاصة بعد قرار إيقاف الصيد البحري من شأنه أن يعود بالفائدة على الثروة السمكية والبحرية. وأوضح بورقو في نفس السياق أن إيقاف صيد "الكركارة" التي تجرف قاع البحر في هذه المرحلة لمدة مطولة من شأنه أن يمنح راحة للطحالب العشبية التي تسمى "الضريع لتجدد نفسها نظرا لأهمية هذه الطحالب ودورها كمخمدات طبيعية للامواج. نتائج مؤقتة لكن! فيما لم يعتبر زهير الحلاوي إيجابيات "كوفيد 19" هذه انتصارا للبيئة لأنها مؤقتة وفجئية املتها الظرورة وليست هيكلية. لأنه يعتبر أنه وبعد هذه الأزمة ينتظر ان تستأنف الأنشطة الاقتصادية بشكل مكثف ومضاعف في محاولة لتدارك الخسائر الاقتصادية الناجمة عن هذا التوقف على نحو يكون التلوث بأكثر حدة قد يصل إلى حد التضاعف من ناحية، ومن ناحية أخرى يكون لمخلفات وأضرار الحاجيات والمواد الطبية التي تم استعمالها في هذه الفترة تأثيرات سلبية على البيئة بشكل خاص وذلك اذا ما لم يتم التصرف فيه بشكل ناجع. مناسبة لمراجعة الخيارات البيئية من جانب آخر اعتبر الحلاوي ان هذه الظاهرة ليست هيكلية ولكن ذلك يجب أن يكون عاملا يتوجب الاتعاض منه ومراعاة هذه الجوانب الإيجابية في البيئة والمناخ على نحو يلزم أصحاب القرار في العالم باعتماد هذه المرحلة مناسبة المراهنة على البيئة في مختلف البرامج المستقبلية . ورغم تأكيد مطالبها في المناخ على التداعيات السلبية التوقف الانشطة الاقتصادية ليس في تونس فحسب وإنما في العالم أجمع على المجتمع والمؤسسات فإنه يعتبر ضرورة مراعاة المسائل البيئية والعمل على عدم تلوث الماء والهواء من أجل تحقيق مصالحة شاملة مع البيئة لضمان عيش افضل للإنسان في المرحلة القادمة. الخصوصية التونسية وفيما يتعلق بتداعيات كوفيد 19" بيئيا على مستوى وطني أكد زهير الحلاوي ان الإجراءات التي تم اتخاذها في تونس للتوقي من انتشار هذا الفيروس كان خلال أسابيع قليلة لا يمكن مقارنتها بالوضع في الصين او البلدان الأوروبية وامريكا. موضحا أنه في سير الأنشطة والوضع العادي تشكل مساهمة الصناعات والأنشطة التونسية في التلوث البيئي بنسبة ضئيلة جدا. ولكنه لم يخف تغييب المختصين في هذا المجال عن برنامج الحكومة في وضع استراتيجياتها الوضع العام في تونس ما بعد الكورونا. لأنه يعتبر البيئة والمناخ والمحيط الساحلي يجب ان تكون ضمن الخطوط العريضة لبرنامج تونس المستقبل لا سيما في ظل التغيرات المناخية التي من المنتظر أن يشهدها العالم وتساهم في تغيير خارطة الاهتمامات والتوجهات الاقتصادية والتنموية في تونس بشكل خاص. واستشهد زهير الحلاوي في هذا السياق بقوله: "يكفي أن يعلم الجميع ان تونس مهددة لبلوغ مرحلة الفقر المائي في حدود 2050 وفق توصيات المنظمات العالمية وهذا من شأنه أن يدفع إلى تغيير التوجهات التنموية وأخذ ذلك بعين الاعتبار مستقبلا". وفيما يتعلق براهن هذه الأزمة دعا الحلاوي سلطة الإشراف والمواطنين إلى مراعاة الخصوصية الكيميائية للمواد المستعملة للحماية والتوقيت من الإصابة بفيروس كورونا وضرورة العمل على التخلص منها بعد الاستعمال بشكل لا الحق أضرارا بالبيئة والمحيط.