عادت قضية لوكربي لتطفو على السطح بعد ان اعيد فتح ملفات احدى اشهر واعقد محاكمات القرن واكثرها تكلفة والتي يكتشف على وقعها العالم ما يمكن ان تصنعه المصالح السياسية للدول الكبرى واستخباراتها بعد ان ساد اعتقاد خاطئ لدى الكثيرين بان عهد المؤامرات والدسائس قد ولى وانتهى. والحقيقة انه لا احد يدري ان كان قرار المحكمة العليا في اسكتلندا قبول طلب الاستئناف الذي تقدم به ضابط الاستخبارات الليبي المقراحي الذي صدر بشانه حكم بالسجن المؤبد في القضية التي كانت ولا تزال محل جدل سياسي وقانوني وانساني مثير من شانه ان يدعو للارتياح ويبشر بانتصار العدالة الدولية اوما اذا من شانه ان يثير المزيد من الشكوك والمخاوف بشان ما يحدث من صفقات واتفاقات لتبرئة اطراف او اتهام اطراف اخرى والبحث عن كبش فداء يتحمل وزر ازمة دولية جديدة فيما تبقى الحقيقة المغيبة الضحية في كل مرة لا سيما ازاء ما نشرته الصحف البريطانية من انباء حول دور المخابرات الامريكية والبريطانية معا في توريط ليبيا وفرض حصار طويل ظالم من حولها قبل ان تستنزف مصارفها ويستفيد المستفيدون وتدفع ليبيا الى تقديم مليارات من التعويضات لاهالي ضحايا الطائرة المنكوبة فيما لا يزال اخرون ينتظرون نصيبهم من ذلك .و لعل في تصريحات والد احد ضحايا مجزرة لوكربي الذي تحول الى ناطق باسم اهالي الضحايا واعترافاته بان المحاكمة كانت لعبة دولية اريد من خلالها ان يكون المتهمين الليبيين كبش فداء خلال حرب الخليج الثانية ما يستشف منه الكثير من التملق والرياء ايضا وبعد ان ظل اهالي ضحايا الطائرة المنكوبة وعلى مدى سنوات يوجهون الاتهامات نفسها الى الاطراف الليبية ويطالبون بارقام خيالية من التعويضات بات لديهم اليوم اعتقاد مشترك بان في الامر سرا دفينا وان الحقيقة ليست ما تم الاعلان عنه... هكذا اذن وبعد اكثر من ست سنوات على ادانة الليبي عبدالباسط المقراحي في تفجير طائرة ركاب بان الامريكية سنة 1988 فوق بلدة لوكربي الاسكتلندية التي انتهت بمقتل مائتين وسبعين من ركاب الطائرة اضافة الى نحو احد عشر اخرين على الارض يبدو ان ضمير القضاء الاسكتلندي استفاق فجاة بعد قرار لجنة مستقلة لمراجعة القضايا اعادة النظر في ست من الادلة المثيرة للشكوك التي ارتبطت بالمحاكمة والتي قد يكون تم التلاعب بها وتطويعها لسبب او لاخر... لقد كان هذا الاسبوع اسبوع التقارير الخاصة بكشف المستور فبعد قرار الاستخبارات الامريكية رفع الستار عن سبعمائة صفحة من عملياتها السرية على مدى ربع قرن من العمليات الاستخبارية ومحاولات اغتيال شخصيات دولية واختطافات وغيرها كان صدور تقرير لجنة مراجعة القضايا في اسكتلندا الذي اشتمل بدوره على نحو ثمانمائة صفحة هي حصيلة ثلاث سنوات من التحقيقات... وفي انتظار ما يمكن ان تكشفه الايام القادمة من اسرار او معلومات قد تؤدي الى تبرئة المقراحي او توجيه اصابع الاتهام الى غيره يبقى الواضح ان زيارة ر ئيس الوزراء البريطاني المستقيل توني بلير الى ليبيا وعناقه الحار بالعقيد الليبي على وقع انباء الصفقات الثقيلة للتنقيب عن النفط قد بدات تقطف اول ثمارها الا انه وبعيدا عن استباق الاحداث فان الاكيد ان التوصل الى هذه نتيجة لم يكن بالامر المجاني فقد قدمت ليبيا من التنازلات والتعويضات بعد الاتفاقات الحاصلة بشان ما سمي ببرنامج السلاح النووي الليبي ما اعتبر اكثر من دليل على النوايا الليبية والرغبة في وضع حد لحالة العزلة التي فرضت عليها من الدول العربية قبل الغربية. والشيء الوحيد الثابت في قضية لوكربي ان ليبيا لم تعترف مطلقا بتورطها في العملية وحتى عندما اجبرت على دفع التعويضات لتفادي استمرار العقوبات فانها لم تتخل عن التمسك ببراءتها الا ان كل ذلك لا يعني باي حال من الاحوال انه سيكون بامكان ليبيا في حال تغيرالحكم القضائي في قضية لوكربي المطالبة بتعويضات عن الاضرار التي لحقتها طوال سنوات الحصار او باستعادة ما انفقته حتى الان من تعويضات او تكاليف... و من يدري في محاكمة لوكربي ما يمكن ان يشكل سابقة في القضاء الدولي ولعل العالم يشهد مستقبلا فصلا جديدا من فصول اعادة محاكمات كثيرة منذ محاكمة نورمبورغ الشهيرة وحتى محاكمة بينوشيه وصولا الى محاكمة ميلوسيفيتش واو جي سيمسون ومنه الى محاكمة الرئيس العراقي الراحل ورفاقه بعد ان يكون المجتمع الدولي ادرك ان تلك المحاكمات شهدت اخطاء فادحة واعتمدت على ادلة مشبوهة وشهود مزيفين... والان وبعد ان زالت الاسباب والدوافع التي كانت تجعل من ليبيا خطرا على الغرب فانه يبدو ان المجال سيكون مفتوحا لاعادة النبش في ثنايا قضية لوكربي واستحداث المزيد من الادلة والاتهامات لاحياء شكوك سبق ان اثيرت بشان تورط ايراني في قضية لوكربي انتقاما لاسقاط الولاياتالمتحدة طائرة ركاب ايرانية في الخليج قبل خمسة اشهر على تلك الحادثة فالارضية متوفرة لاعادة تفعيل السيناريو بنفس الطريقة تمهيدا لاستهداف ايران لتبقى نفس الاتهامات والادلة قابلة لاستعمال في كل مرة لتشكل قاعدة لمحاكمة جديدة في أي مكان اخر اما الحقيقة بشان الطرف او الاطراف المتورطة وراء حادثة لوكربي فقد لا تتضح في وقت قريب وربما لا تتضح ابدا شانها في ذلك شان جريمة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري ورفاقه على انه في كل الاحوال بامكان العالم ان يصفق لانتصار عدالة الغرب في قضايا العرب...