«الحارقون» أبحروا من سواحل الوطن القبلي وتعّطب زورقهم على مشارف جزيرة بانتلاريا الايطالية ماذا قال أحد الناجين عن 11 يوما من الصراع مع البحر؟ أحد الضحيّتين دفن يوم عيد ميلاده ال25 تونس - الاسبوعي- القسم القضائي: المكان غابة الدويرة بالأحواز الشمالية الشرقية لمدينة الشابة من ولاية المهدية المطلّة على البحر الابيض المتوسط ..الزمان الثالثة من بعد زوال أحد أيام الاسبوع الفارط.. بعض المصطافين تفطنوا لوجود زورق تتقاذفه الأمواج على بعد عشرات الأمتار من اليابسة وعلى متنه خمسة أشخاص بينهم ثلاثة في حالة صحّية حرجة والآخران جثتان. سارع أعوان الحماية المدنية بالتوجه الى المكان والتحق بهم أعوان الحرس البحري والوطني والاسعاف ونقل الاحياء الثلاثة على جناح السرعة الى المستشفى الجامعي الطاهر صفر بالمهدية حيث احتفظ باثنين منهم تحت العناية المركزة فيما تلقى ثالثهم الاسعافات اللازمة ليحال لاحقا على فرقة الابحاث والتفتيش بالمنطقة الجهوية للحرس الوطني بالمهدية قصد سماع أقواله قبل أن يحال على أنظار السلط القضائية بالمهدية والتي بعد مواصلة التحقيقات أطلقت سراحه. الزورق على كف البحر وقد أفاد الشاب المذكور أثناء التحري معه أنه شارك رفقة عشرة أشخاص آخرين في عملية إبحار خلسة انطلاقا من سواحل الوطن القبلي باتجاه جزيرة بانتلاريا الايطالية غير أنهم فوجئوا بتعطب الزورق بعد إصابة محرّكه بخلل فني لم يقدروا على إصلاحه على بعد أميال قليلة من وجهتهم وصار الزورق على كفّ البحر تتقاذفه الامواج يمينا وشمالا وعجز الجميع عن إيجاد حلّ وأصبح مصيرهم غامضا ومجهولا وأضاف المشارك المذكور في «الحرقة» أن عدة سيناريوهات تبادرت الى أذهانهم حينها خاصة أن الجوع والعطش أخذا منهم مأخذهما بما أنهم لم يتزودوا لا بالماء ولا بالمواد الغذائية بعد أن طمأنهم «الرايس» (أصيل الوطن القبلي) بقرب المسافة وسرعة الوصول. 3 ارتموا في الماء وكشفت المعطيات التي تحصلنا عليها من مصادر مختلفة أن ثلاثة من المشاركين في عملية الابحار خلسة قرروا الارتماء في الماء بعد يومين من العطب وأفاد الناجي الذي كان أول من أدلى بأقواله من بين الناجين في هذه الفاجعة البحرية الجديدة أنّ رفاقه الثلاثة ظنوا أن اليابسة قريبة بعد أن رأوا الاضواء فارتموا في الماء وظلّوا يسبحون دون أن يعلموا شيئا عن مصيرهم. وفاة اثنين وأضاف أن اثنين آخرين شاهدا بعد خمسة أيام من العطب مركبا فارتميا في الماء قصد الالتحاق به ولا يعرف ان كانا نجحا في استمالة طاقمه أولا كما أكد عدم معرفته بمصيرهما وكذلك مصير مشارك آخر ارتمى في الماء بعد ثمانية أيام من حادثة العطب وأشار الشخص ذاته الى أن خمسة فقط من بين المشاركين في «الحرقة» ظلوا جاثمين في مكانهم ..ينتظرون مصيرهم بأمل وألم.. «الجوع نال منا والعطش كذلك.. لم نجد شيئا نأكله فمات أحمد العكروتي وأحمد بنور جوعا وعطشا وتدهورت الحالة الصحية للبقية حتى وجدنا أنفسنا في المستشفى». يتابع أحد الناجين -«كانت غلطة أن شاركنا في هذه الحرقة.. شفنا الموت بعينينا». 11 يوما من الجوع والعطش وفي ذات السياق أثبتت التحريات المجراة في الحادثة أن المجموعة المتكونة من 11 شخصا (أحدهم من الوطن القبلي وهو الرايس) انطلقت يوم 9 جويلية الجاري من أحد شواطئ ولاية نابل وتحديدا بين منزل تميم وقليبية باتجاه جزيرة بانتلاريا ولكن الرحلة غير الشرعية توقفت على بعد أميال قليلة من الجزيرة الايطالية بسبب خلل في المحرك يرجح أنه ناجم عن نفاد البنزين وبعد 11 يوما بالتمام والكمال أرسى الزورق بشاطئ الدويرة بالشابة وعلى متنه ميتين وثلاثة أحياء. في بيت الضحية أحمد العكروتي ولمتابعة ملابسات وتطورات الفاجعة ميدانيا زارت «الاسبوعي» عائلات عدد من المشاركين في العملية وكانت البداية من منزل عائلة الضحية أحمد سمير العكروتي (من مواليد 22 جويلية 1987) الذي دفن يوم الثلاثاء 22 جويلية الجاري أي أنّ أهله واروه الثرى يوم ذكرى ميلاده الخامسة والعشرين ففي منزل والديه كانت جحافل المعّزين تتدفق.. وكان الألم يسيطر على الجميع والحيرة تعصف بالكل..«لماذا حرق أحمد سمير؟» هذا السؤال الذي طرحه الجميع ولم يعثروا له عن إجابة فالشاب كان يعمل في محل لتركيب بلور السيارات والوضعية الاجتماعية لعائلته مستورة ولكنه غامر فلقي حتفه. وقد أفادنا أقارب أحمد سمير أنه أخفى عنهم أمر «الحرقة» وأعلمهم في المقابل بأن «عرفه» سلّمه مبلغا ماليا قدره 500 دينار لإجراء التمارين والاختبارات اللازمة للحصول على رخصة سياقة وبذلك فإنه سيتوجه برفقته الى مدينة صفاقس حيث سيقضي يومين أو ثلاثة ولكن.. طال انتظار العائلة وترددت أخبار عن وصول «حراقة» من الحي الى إيطاليا دون أن يعلم أفرادها ان كان أحمد سمير من بين هؤلاء أولا الى أن جاءهم خبر وفاته بعد 11 يوما من الغياب. في بيت الضحية أحمد بنّور وجهتنا الثانية كانت بيت عائلة الضحية أحمد بن مفتاح بنور (من مواليد 7 ديسمبر 1984) الذي دفن مساء يوم الثلاثاء بمسقط رأسه .. هناك تحدث الينا شقيقه فقال: «لسنا ندري من غرّر به فهو يملك محلين تجاريين بالحي ووضعيته المادية ممتازة وعائلتنا بصفة عامة تعيش «مستورة» وفي آخر يوم له معنا سلّم لوالدتي مبلغ 150 دينارا ولوالدي 30 دينارا وأعلمهما بأنه سيتوجه رفقة صديق له الى مدينة جندوبة لحضور حفل زفاف أحد أصدقائه وأنه سيعود بعد ثلاثة أيام ولكنه لم يعد وظل هاتفه مغلقا الى حين إبلاغ عائلته بوفاته أثناء «حرقة» الى إيطاليا. تحسن حالة الناجيَيْن الى جانب الناجي الذي تم سماع أقواله علمنا من مصادر عائلية أن لطفي بن عبد الحميد النموشي (من مواليد ديسمبر 1963 متزوج وله طفلان) ومحرز بن يونس المدفعي (من مواليد 17 جانفي 1985) أنقذا من موت محقق بسبب الجوع والعطش وتطورت حالتهما الصحية نحو الافضل. كما أفادنا أقاربهما بأن الاول يملك محلا لاصلاح بلور السيارات أما الثاني فيعمل بمحل لبيع الدجاج وقد غادرا منزليهما دون إشعار أي من أقاربهما عن وجهتهما. مصير غامض للمفقودين؟ كما توجهنا الى منازل عدد من المفقودين وقد أفادنا أقاربهم بأنهم لم يعلموا بمشاركة ابنائهم في هذه الرحلة السرية. اذ أعلمنا السيد حبيب الفقراوي والد المفقود أسامة والذي كان في حالة نفسية متدهورة للغاية أنّ إبنه كان يعمل في الخطوط الجوية التونسية وأن حالته المادية مستورة وأضاف أن فلذة كبده غرّر به إذ لم يسبق أن طرح مسألة «الحرقان» وفي آخر يوم له ترك جهاز هاتفه المحمول في البيت وغادر دون أن يرجع الى اليوم لتظل عائلته تتمزق من شدة الألم. ذات الألم والحزن مازال يخيّم على عائلة المرواني التي فقدت الى حد كتابة هذه الاسطر ابنها سليم (من مواليد 1987) ولا تعلم إن كتبت له النجاة أو لا في غياب اليقين والمعلومة الدقيقة. وقد أفادنا شقيقه بأن سليم أعلم والديه بأنه سيتوجه الى طبربة لحضور حفل زفاف صديقه طيلة ثلاثة أيام وعندما اتصلت به ليلا لم أسمع أية نغمات أو موسيقى فاستفسرته ولكنه أعلمني بأنه بعيد- حينها - نسبيا عن العرس بصدد الحديث مع صديق له وزوجته وعندما حاولت الاتصال به مجددا فوجئت بهاتفه مغلقا» - يتابع الأخ - «كان سليم يعمل بمحل لتركيب بلور السيارات ومستقر اجتماعيا ولكن «أولاد الحلال» غسلوا مخّه وغرّروا به». كما تحولنا لاحقا الى منزلي المفقودين زياد الجلاصي (في العقد الثالث من عمره) وكريم الماجري (حوالي 22 سنة) ولكن أقاربهما رفضوا الحديث عن الحادثة غير أن بعض الاجوار أعلمونا بأنهما توجها الى الوطن القبلي بمعية مجموعة أخرى من الشبان في شاحنة ولم يتسن لنا التأكد من صحّة هذه المعلومة.من جانب آخر علمنا أن المفقودين الستة ارتدوا جميعا «ملابس النجاة» (سوفتاج) قبل الارتماء في البحر ولا يعرف مصيرهم فهل نجحوا في الوصول الى الاراضي الايطالية أم...؟ صابر المكشر أيمن. م ------------------- قائمة المشاركين الاسم واللقب أحمد سمير العكروتي أحمد بن مفتاح بنّور سليم بن أحمد المرواني أسامة بن حبيب الفقراوي زياد الجلاصي العربي الباجي كريم الماجري الحبيب (الرايس) لسعد (لقبه مجهول) لطفي بن عبد الحميد النموشي محرز بن يونس المدفعي للتعليق على هذا الموضوع: