كان من الممكن أن ينطبق على سهرة الثلاثاء بمهرجان قرطاج الدولي شعار النار والماء لولا أن النار انتهت بالاتيان على كل شيء فجعلت المسرح الاثري بقرطاج يعيش ليلة أخرى من الجحيم تماما على طريقة العلب الليلية. الشرارة الاولى أطلقت مع "لوتشنزو" الذي بدأ مهرجان قرطاج الدولي يتعود عليه لتعدد زياراته له ثم تواصلت مع مجموعات الديجي. لتحل في الجزء الثاني من السهرة المطربة الفرنسية من أصل مغاربي آمال بانت على المسرح لتنساب أغانيها كالماء لولا أن الجمهور أراد أن تكون السهرة على إيقاع واحد، إيقاع الرقص المعاصر وخاصة الموضة الجديدة هذه الايام أي "الالكترودانس" أو "التيكتونيك"، وهي موضة تتقنها آمال بانت جيدا. تحت مظلة موضة "التيكتونيك" يتوحد جمهور المراهقين بالعالم وعموما إن كان هنالك من وسيلة تقي المراهقين هذه الايام من الكيلوغرامات الزائدة التي يخشونها أكثر من كل شيء فإنها ستكون دون شك "الالكترودانس" أو "التيكتونيك". تكتسح هذه الموضة المساحات وتحت مظلتها يكاد يتوحد المراهقون في العالم. وقد أهدى مهرجان قرطاج الدولي لجمهوره خاصة من اليافعين والمراهقين سهرة من هذا الطراز ليلة الثلاثاء شعارها على ما يبدو استنزاف الجسد حتى زوال آخر ذرة من الشحوم. كانت السهرة حكرا على هؤلاء ومن حضر من الكبار فكان لمرافقة الصغار أو للفضول لا غير رغم أن الفنانة الشابة آمال بانت لديها في فنها ما يشد حتى من هم من جيل آخر غير جيل العشرينات. وقد أوفت السهرة الجمهور حقه. ذلك أن الجميع رقصوا وهتفوا وأطلقوا الصيحات وعاشوا حالات من الجنون جعلتهم وهم على تلك الحالة من الهستيريا يحولون دون المطربة آمال بانت واداء أغنية «سواح» لعبد الحليم حافظ التي أرادت إهداءها لوالدتها التي كانت من بين الحضور بالحفل. الاذهان لم تكن لتسمح بهذا الاختيار غير المعقول لجمهور كانت فيه كل حواسه متحفزة للرقص والسباحة في عالم من الجنون بعيدا عن الواقع. بعد تقديم "لوتشنزو" الفرنسي/ البرتغالي مجموعة من أغاني "الارآن بي" التي تنحدر كالراب من موسيقى الهيب هوب وهي تمزج بين الراب من حيث المطالبة والثورة على الامر الواقع والفانك والسول وغيرها ولها رواج كبير بين مختلف الاجيال في السنوات الاخيرة. بعد هذه الفقرة التي فيها ثورة أكثر من الغناء اجتمع على الركح ستة من الراقصين. ثلاثة من الفتيات وثلاثة فتيان... طبعا على إيقاع موسيقى الديجي حيث انتصب الجهاز الضخم أو الدماغ المسجل لمختلف القطع والالحان وسط الركح ووراءه من أطلقت عليه منشطة الفقرة الثانية من السهرة "باعث الاجواء" أي المتصرف في الجهاز إن شئنا ليبعث وفق إشارة المطرب أو الراقص اللحن المطلوب والقطعة الموسيقية اللازمة. وسرعان ما التهبت حواس الجماهير ووقف آخر من كان بينهم جالسا لا يدرون إن كانوا يرقصون أو يشاهدون الاجواء على الركح حيث كان الراقصون والراقصات يستعرضون مهاراتهم ويختالون على الركح بأجسادهم المطواعة ويتفننون في إثارة الجماهير وكأنهم يلقون أمامهم طلاسم السحر بحركات رؤوسهم وأيديهم الغريبة وبتحريك كل قطعة من جسدهم حتى لنخالهم أحيانا من الكائنات الالية التي تختلف عن بقية الكائنات البشرية. حافية القدمين بعد استنزاف الجماهير التي مضت أشواطا في الرقص وحاول البعض منها منافسة نجوم السهرة أقبلت آمال بانت حافية القدمين. قدمت باقة من أغانيها التي رددها معها الجمهور كلمة كلمة. أغان من ألبومها الاول "ذات يوم صيف" الذي يضم أغنية "فلسفتي" ذات المفعول السحري على الجمهور. تقدم آمال بانت الاغنية الفرنسية المعروفة بالاغنية المنوعة الخفيفة التي تعتمد على الكلمة المختارة وعلى اللحن الشجي وهي الاغنية التي صنعت مجد الغناء الفرنسي خاصة زمن الستينات والسبعينات. الامر الذي جعل شارل آزنافور مثلا لا يتردد في وضع بصماته في الالبوم الثاني لهذه المطربة الشابة التي لا تتجاوز العشرين من عمرها. الالبوم يحمل عنوان "في العشرين من العمر" بعد سلسلة من الاغاني من الالبومين على غرار "الحق في الخطإ" و"أنت لست هنا" كما أدت من أحدث أغانيها "آسفة" لتنتهي بتلك الاغنية التي طالما انتظرها الجمهور "فلسفتي" والتي اشتهرت بالخصوص من خلال الفقرة التي تتحدث فيها عن صلتها بالقمر، وأغنية فلسفتي تطالب بقوة بالاعتراف بالاخر دون محاسبة الاعتراف به مهما كان لون بشرته ومهما كان مختلفا لان الاختلاف حسب نص الاغنية لا يجعل من صاحبه ضحية. وللعلم فقد حقق الالبوم الاول الذي يظم هذه الاغنية نجاحا كبيرا أهل صاحبته للفوز بجوائز هامة من أبرزها أفضل اكتشاف بالنسبة للجمهور الفرنسي سنة 2006. لم تكن آمال بانت مرفوقة بأكثر من عازف على آلة البيانو. أما كامل الالحان فقد كانت جاهزة ومسجلة. وهذه موضة أخرى في الموسيقى هذه الايام وتتمثل في التعويل على الديجي. في الجزء الثاني من عرضها اكتشفنا مهارات هذه الفنانة الشابة في الرقص واتقانها "للالكترودانس". كانت ترقص وتكاد تطير ساعدها في ذلك تخلصها من الكيلوغرامات الزائدة مما جعلها تبدو على الركح كالفراشة. قامت آمال بانت خلال العرض ببعض الاستعدادات لاغان فنانات عالميات لكن كان تأثرها واضحا بالفنانة ماريا كاري. يتجسم الامر بالخصوص في طريقة وقوفها على الركح والاهات التي تطلقها من الاعماق لكن هذه المطربة الشابة تتمتع دون شك بحنجرة قوية وبصوت متميز يمكنها من آداء الاغنية الخفيفة والاغاني التي فيها مناجاة وشكوى إضافة إلى ما تتمتع به من طاقة وحيوية متدفقة وحماس ونشوة بادية عليها. نشوة نلاحظها في كل مرة لدى الفنانين الذين تكون الموسيقى بالنسبة لهم متعة حقيقية. قبل أن تنهي عرضها بقرطاج على إيقاع أغنية فلسفتي التي اهتز لها مسرح قرطاج تواعدت هذه الفنانة الشابة مع الجمهور في الجزائر حيث تواصل الجولة في أرض الجدود فهي تنحدر من والدين من أصل مغاربي (الاب جزائري والام مغربية). للعلم كان انسحاب آمال بانت من منوعة "النجم الجديد" واكتفائها بالمركز الثالث في هذه المسابقة فأل خير عليها ذلك أنها تمكنت من الانتشار بشكل تفوق على خريجي هذه المسابقات الموسيقية المنتشرة في فرنسا.