لجماهير مهرجان سوسة الدولي طريقتها المميزة في الحفاوة بنجوم المهرجان. فقد خصت الفنانة اللبنانية كارول سماحة باستقبال حار وحماسي ليلة الأحد بمسرح سيدي الظاهر بسوسة وكأن غيابها قد طال في حين أنها كانت من بين نجوم الدورة الفارطة للمهرجان. كان الشوق إذن لهذه المطربة على ما شاهدناه من ردود أفعال الجمهور، كان على أشده. وهي بنفسها لم تتوقع أن تكون حرارة اللقاء بهذه الدرجة وقد أعلنت ذلك في تأثر واضح خلال السهرة. الإقبال كان كبيرا ليلتها ولكن تبقى النسبة التي تمكنت من حضور العرض ضئيلة بالمقارنة مع الجماهير التي بقيت خارج المسرح أو التي عجزت عن اقتناء التذاكر لطاقة استيعاب المسرح الصغيرة جدا. وهو ما يدفعنا للتساؤل حول مدى استجابة مسرح الهواء الطلق بسيدي الظاهر لتطلعات الجماهير وعن حاجة مهرجان سوسة الدولي بعد بلوغه الخمسين من العمر لفضاء أرحب. مهرجان سوسة الدولي الذي يعتبر من بين أعرق المهرجانات في البلاد لازال محكوما بمساحة المسرح وطاقة الإستيعاب التي تجعل الطموحات محدودة والآفاق ربما غير واسعة. الجمع بين طرفي الشيء: الطرب والحضور الركحي وقد كانت سهرة الأحد وفق ما أكده لنا عدد من رواد المهرجان من بين أنجح السهرات جماهيريا وهو ما يعطي فكرة عن توجهات الجمهور بسوسة. كارول سماحة وهي من بين الوجوه اللبنانية الشابة تجمع بين شيئين اثنين عادة ما لا نجدهما يجتمعان عند نجوم لبنان الصاعدة. فهي تملك صوتا جميلا وهي مؤدية جيدة وتتمتع أيضا بحضور ركحي خفيف .وهو ما يجعلها تحتل مكانة خاصة لدى الجماهير العربية التي تستهلك الإنتاج الموسيقي اللبناني بكثافة وتملك فكرة شاملة عن فن الغناء في لبنان. لسنا في حاجة للتذكير أن النسبة الكبيرة من الفنانين والفنانات من الشباب اللبناني يركزون على الجانب الفرجوي والحضور المثير أكثر منه على الفن والغناء. وهو ما نجحت كارول سماحة في تجنبه... انطلاقة كارول سماحة كانت كلاسيكية وكان المختصون قد تنبأوا لها بتجربة هامة في مجال الأغنية الطربية الشيء الذي جعل بعض النقاد لا يستقبلون بحفاوة ما أسموه بحياد المطربة عن طريق الفن الأصيل خاصة بعد الإستقلال الذي أظهرته عن الرحابنة وميلها إلى الأغنية الشبابية والخفيفة سهلة الرواج بين الجماهير.. البعض الآخر تناول بالنقد بعض الأغاني خاصة منها الستارة التي تضمنها ألبومها الثالث واعتبروا كارول سماحة قد تأثرت بموجة فناني الإثارة. لكن الإتفاق يكاد يكون حاصلا حول جودة صوت المطربة وامكانياته الكبيرة. وقد كانت الحفاوة التي خصها بها جمهور مهرجان سوسة الدولي كما سبق وأشرنا لها علاقة باستحسانه لهذا الصوت الجميل بعد أن وقف على ذلك في السنة الفارطة. السهرات بسوسة تنطلق متأخرا نسبيا. ليس قبل العاشرة ليلا ونصف حسب ما أكده المشرفون على المهرجان. ولم تنطلق سهرة الأحد إلا حوالي الحادية عشرة ليلا إلا ربعا بعد أن تم فسح المجال لألعاب الحظ والومضات الإشهارية وبعد أن بدأ الجمهور يفقد صبره. أخيرا واثر مقدمة موسيقية بقيادة الفنان جان حداد أطلت كارول سماحة بثوبها الأخضر الأنيق وشعرها الأحمر المنسدل على الكتفين وسط موجة من التصفيق وهتافات الجماهير. لم تكن لتملك نفسها دون التفاعل مع هذا الجمهور المتحمس الذي كان يردد اسمها ويشجعها بدون حساب. انطلقت سلسلة الأغاني بواحدة من ألبومها الثاني " كيف بدي عيش " ورغم الأجواء الصاخبة والآلات الموسيقية المرافقة لها التي كانت كلها آلات ايقاع فإن صوتها برز للجمهور بكامل حلاوته. الأغنية الثانية من ألبومها الأول وهي تحمل عنوان "حبيب قلبي" ثم ترواحت الأغاني تارة من الألبوم الأول وتارة من الألبوم الثاني وتارة أخرى من الألبوم الثالث (لكارول سماحة ثلاثة ألبومات تحمل العناوين التالية : أضواء الشهرة وحلم وملوك الطوائف). ومن بين عناوين الأغاني نذكر "حب الروح" و"أنا ليه قلبي حاسس" و"مجنونة" وتلقت الجماهير كما كان منتظرا أغانيها الأكثر تداولا بحماس أشد ورددوا معها كلمات الأغاني وتراهم أحيانا يستبقون الأمر ويرددون الكلمات بمجرد أن تنطلق الموسيقى. ومن بين هذه الأغاني المتداولة نذكر بالخصوص " اطلع في" وأضواء الشهرة وأغنيتها المعروفة التي تؤديها مع الفنان مروان خوري "انت حلوة وبعدك". بين الهادي الجويني وفيروز من العادات التي بدأت تنتشر بين الفنانين العرب الذين يقدمون عروضهم بمهرجاناتنا آداء أغنية تونسية خلال العرض. استمعنا مثلا لماجدة الرومي تغني أغنيتين للمطربة صليحة خلال عرضها الأخير بقرطاج وقدم نور مهنا أغنية تونسية من التراث " ياما يا غاليا " في مختلف عروضه لهذا العام بتونس وقدمت كارول سماحة أغنية للهادي الجويني وصفتها بالمفاجأة وقالت أنها تؤديها لأول مرة أمام الجمهور التونسي. الأغنية تحمل عنوان " حبي يتبدل يتجدد" وهي منتشرة ومحبوبة في تونس وقد استقبلها الجمهور بفرح كبير وشارك المطربة في آدائها.. وطعمت المطربة كارول سماحة عرضها ببعض المقاطع من أغاني المطربة الكبيرة فيروز وقد استحسن الجمهور آداءها لموال "لو كان قلبي معي" وأغنية "سألوني الناس" بالخصوص. لا تكتفي كارول سماحة خلال عرضها بآداء الأغاني وقد برهنت عن قدرة في التنشيط على المسرح ويعود الأمر لتجربتها في المسرح الغنائي مع الرحابنة وخاصة منصور الرحباني الذي منحها مجموعة من الألحان قبل أن تنتشر على الساحة العربية وقدم لها أدوارالبطولة في عدد من المسرحيات الغنائية من أبرزها "زنوبيا". كما أن كارول سماحة خريجة مسرح قبل أن تحترف الغناء وهو ما يفسرحضورها الركحي المميز. فهي تضفي على السهرة أجواء حماسية بخفة حركتها وأجواء المرح التي تبثها من حولها. دون أن تفقد السهرة قيمتها من حيث الفن والطرب إذ أن كارول سماحة تبقى مطربة رقيقة وذات صوت طروب يمكنها من آداء الأغنية الرومانسية بحرفية وإقناع مع العلم أن الجمهور يحبذ هذه النوعية عندها من الأغاني إذ أن مجموع الألحان التي قدمها لها الفنان الرقيق مروان الخوري سرعان ما لاقت رواجا بين الجمهور ترقص كارول سماحة جيدا وتبذل طاقة واضحة في الحركة على المسرح كما لا تنفك كامل العرض تعمل على تحفيز "همة" العازفين المرافقين لها. ولم يبد جمهور سوسة الدولي تململا إثر نهاية العرض الذي كان خفيفا ومتنوعا ولم يبادر لدعوة الفنانة للعودة إلى الركح بعد مغادرتها له رغم أن العرض دام أقل من ساعتين. فهو لا يطالب بأكثر ما تستطيع هذه المطربة تقديمه له. وقد كانت الأصداء التي تلقيناها ليلتها من الجماهير وهي تغادر المسرح في أغلبها ايجابية. يعتبر مسرح سيدي الظاهر من المعالم الهامة بمدينة سوسة وتحتفظ السهرات التي تقام به برونق خاص لكننا نفهم تطلعات الجماهير لفضاء مواز يواكب تطور المهرجان الذي يدخل مرحلة هامة من عمره بعد أن طوى خمسين سنة كاملة من الزمن.