لا ينقطع الحديث في السنوات الأخيرة عن ظاهرة أفرزها الجيل الثاني للشبكة العنكبوتية (ويب 2.0) وهو ما بات يعرف بالحياة الثانية (Second life). و هنالك من يعتبرها من الزاوية الدينية أنها ليست سوى «الآخرة» حيث هناك الجزاء والعقاب الأبدي و هنالك من يبالغ في الجلوس أمام الشاشة ويزور القصور والجزر والفضاءات التجارية الافتراضية ويبحث عن صديق يتبادل معه الآراء، حتى يصبح من المدمنين على الشبكة. و بعيدا عن التطرف و الانحياز إلى هذا الشق أو ذاك، فإن الحياة الثانية هي حقيقة حيث من خلال شاشة الحاسوب و عبر شبكة الإنترنت يمكن لأي شخص أن يصنع شخصية افتراضية، وفق تصوراته الذاتية وليس وفق الحقيقة. وبواسطة هذه الشخصية الافتراضية يستطيع الإنسان أن ينخرط في عالم افتراضي يوفر له بالإضافة إلى إمكانية اللعب و التسلية إمكانية الخلق و الإبداع و القيام بأنشطة افتراضية في شتى المجالات الثقافية و الاجتماعية و الاقتصادية و الكسب الحقيقي. و يمكن القول أن هذه الظاهرة تتيح للإنسان حياة ثانية إلى جانب حياته الحقيقية.
الانطلاقة انطلقت فكرة إنشاء علم افتراضي بداية من سنة 2003 بواسطة منظومة ألعاب ثلاثية الأبعاد (3D) تستخدم على شبكة الإنترنت، أنجزتها شركة ناشئة (Start up) و اسمها لندين لاب (Linden lab) نسبة لصاحبها فيليب ليندن، في مدينة سان فرانسيكسو بالولايات المتحدةالأمريكية. تقوم اللعبة على أن دخول أي شخص إلى هذا العالم الافتراضي والتعامل معه يتم عبر صنع شخصية كرتونية، تسمى «رمز التجسد» (Avatar) ، يختار لها شكلا و إسما و عمرا و طولا و غيرها من الخاصيات الذاتية غير المرتبطة بالواقع إذ يمكن أن تجسد الشخصية في شكل طائر أو في شكل إنسان له أجنحة، أو أن يسند لها عمرا و طولا مغايرا للحقيقة. حياة كاملة و ليست مجرد لعبة عندما يسجل الوافد الجديد للحياة الثانية بواسطة شخصيته الكرتونية سوف يكتشف أن هنالك العديد ممن سبقوه وأسسوا شركات ومؤسسات ومتاحف وقصور وجزر ودور سينما وملاه وغيرها من الفضاءات المماثلة لعالمنا الحقيقي. وكل شخصية تسير في شارع أو فضاء من فضاءات العالم الافتراضي فهي تمثل شخصية إنسان حقيقي يحركها. وكل المعارض التي تنظم والبضائع و العقارات التي تباع و تشترى هي ملك أشخاص وشركات حقيقيين بمظهر افتراضي. وكل مبلغ يتم إنفاقه يمثل أموالا حقيقية ينفقها شخص حقيقي. واستقطبت الحياة الثانية ملايين البشر إذ هي تعد اليوم أكثر من سبعة ملايين منخرط و يزورها أسبوعيا حوالي 500 ألف شخص. كما استقطبت مؤسسات جادة و شركات عريقة، فاشترت السويد مثلا قطعة أرض افتراضية بأموال حقيقية وأنشأت عليها سفارة، وهي أول دولة في العالم تقيم نشاطا ديبلوماسيا في هذا العالم الافتراضي. كما أن وكالة رويترز العالمية كانت سباقة في مجالها لإقامة مكتب لها و تكون أول وكالة إعلامية في العالم تدخل الى الحياة الثانية. عملة افتراضية خاصة و حركة اقتصادية هامة لقد أحاطت الشركة المنتجة لمنظومة الحياة الثانية بكل الضمانات لتمكين الأشخاص المشاركين في اللعبة من حقوق الملكية لممتلكاتهم و بيعها و شراء ما يطيب لهم في هذا العالم الجديد. و أحدثت عملة خاصة بهذه اللعبة تستخدم لإتمام العمليات التجارية، تسمى الدولار اللنديني (Linden dollar) ، يمكن تحويلها إلى الدولار الأمريكي، أو العكس، بواسطة البورصة الافتراضية لندكس (Lindex) التي أحدثت للغرض. والدولار الأمريكي يساوي 265 دولار لندينيا. و بدأت الحياة الثانية تفرز أثرياء جدد على غرار الشخصية الكرتونية أو رمز التجسد للألمانية من أصل صيني أنشي شانق (Anshe chung) التي أعلنت أنها أول منخرط في الحياة الثانية تفوق قيمة ممتلكاتها في هذا العالم الافتراضي المليون دولار أمريكي. وهي مختصة في بيع و كراء العقارات الافتراضية، و تشغل 25 شخصا حقيقيا لإدارة ممتلكاتها الافتراضية التي تتكون أساسا من القصور الرومنسية. وتوصلت ظاهرة الحياة الثانية إلى جلب شركات عالمية كبرى لعرض سلعها و خدماتها لرواد هذا العالم الافتراضي. ففتحت شركة أديداس (Adidas) ، المتخصصة في تسويق اللوازم الرياضية، مغازة تعرض فيها تجهيزات وملابس رياضية تتماشى مع رموز التجسد أو الشخصيات الكرتونية. و فتحت شركة السيارات اليابانية تويوتا فرعا تعرض فيه أنواع و موديلات سياراتها. كما أن هنالك العديد من الشركات المتخصصة في بيع العطورات و مواد التجميل مثل لوريال و كلفن كلاين و قوتيي و غيرها فتحت محلات لعرض آخر منتجاتها. بل و نظمت شركة لوريال، في شهر مارس الفارط، مسابقة لاختيار ملكة جمال الشخصيات الكرتونية النسائية، وأسندت جائزة قيمة للفائزة بهذا اللقب. فضاء للنشاط السياسي استقطب هذا العالم الافتراضي الجديد كذلك رجال السياسة للتعريف ببرامجهم و الدفاع عن أفكارهم و اختياراتهم. و كان النائب الديمقراطي الأمريكي والوالي القديم لولاية فرجينيا مارك ورنر ( Mark warner) هو أول رجل سياسة يأخذ مكانه في الحياة الثانية، في شهر أوت 2006، و التقى بالمتساكنين بواسطة شخصيته الكرتونية وأجاب عن تساؤلاتهم و قام بكل ما يمكن أن يقوم به رجل سياسة في العالم الحقيقي. كما توافد المترشحون للرئاسة الفرنسية منذ بداية السنة أي قبل عدة شهور من يوم إجراء العملية الانتخابية على عالم الحياة الثانية و حجزوا فضاءات للقيام بحملتهم الانتخابية. وكان المترشح لوبان أول من حجز في شهر ديسمبر 2006، ثم المترشحة روايال في شهر جانفي 2007، ثم المترشح و الرئيس الحالي ساركوزي في فيفري 2007 والمترشح بايرو في مارس 2007. وكان المرشح ساركوزي قد حجز جزيرة كاملة في هذا الفضاء الافتراضي و جعل منها موقعا للقيام بحملته الانتخابية. كيفية الاشتراك في الحياة الثانية؟ يستطيع كل شخص زيارة هذا العالم الافتراضي مجانا بحيث يستطيع أن يسير في الشوارع ويدخل إلى المعارض والفضاءات التجارية ويشاهد الجزر والشواطئ والمباني وغيرها ولكن لا يستطيع هذا الزائر القيام بعمليات البيع والشراء، و يصبح مثلا مستأجرا لأرض أو مالكا لجزيرة أو قصر إلا بعد دفع مبلغ شهري لا يقل عن 10 دولارات. ويتم الدخول إلى الحياة الثانية وفق المتطلبات التالية: 1 الدخول إلى الموقع الخاص بالحياة الثانية باعتماد الرابط: www.secondlife.com 2 التسجيل طبقا لاستمارة معدة للغرض على الموقع 3 تنزيل البرنامج الخاص بالضغط على الرابط downloads في الموقع. أما متطلبات التشغيل الأساسية فهي تتمثل في حاسوب شخصي أو من نوع ماكنتوش متصل بشبكة الإنترنت. ويستحسن أن تكون سعة الشبكة واسعة من نوع (ADSL) مثلا، ويجب أن يتمتع الحاسوب بالمواصفات التالية: بالنسبة للحواسيب الشخصية (PC) 1 معالج سرعته 800 ميغاهيرتز فما فوق 2 ذاكرة مركزية سعتها 256 ميغابايت فما فوق 3 بطاقة رسومية 4 نظام تشغيل ويندوز إكس بي أو ويندوز 2000. بالنسبة للحواسيب من نوع ماكنتوش 1 معالج G4 سرعته 1 جيغاهيرتز فما فوق 2 ذاكرة مركزية سعتها 256 ميغابايت فما فوق 3 بطاقة رسومية 4 نظام التشغيل Mac os x 10.3.9 أو إصدار أحدث