صفاقس الصباح: كانت الساعة تشير الى العاشرة والربع ليلا في سهرة امس الاول الاثنين بمسرح الهواء الطلق بسيدي منصور عندما انطلقت شركتان من فوق الركح وهو فضاء للابداع في سحب عمليات الخط لتوزيع الجوائز باسلوب فظ،، ممجوج، مقلق، خال من الروح المرحة، ودامت العملية اكثر من نصف ساعة في حضرة جمهور جاء ينشد الابداع ويبحث عن الامتاع من قبل فنان كبير وقدير مثل نور مهنى.. زيف الكلام والمبالغة في المجاملة واستجداء التصفيق عوامل عديدة ازعجت كثيرا اصحاب الذوق الرفيع والحس المرهف الى حد الضجر فكانت تلك النقطة السوداء التي لن يستسغها كل ذي باحث عن الفن الطربي الرفيع الذي يرفع الجميع الى عوالم تسمو بهم الى فضاءات تنزى بهم عن المادة وتحلق بهم في سماء المثل حيث النقاء والصفاء والوفاء وعشق الروح في «غابات» من المشاعر النبيلة السامية بعيدا عن النفاق والخداع والمخاتلة والزيف والبهتان. عوالم مثلى انطلق الحفل بصفة فعلية في الحادية عشرة الا دقيقتين باداء اغنية «آه يا زين» ادتها الفرقة بحرفية كبيرة بقيادة المايسترو وعارف الكمنجة نظير نواس، هو «شيطان» هذه الآلة بما قدمه من عزف رائع تفاعل معه الجمهور تفاعلا كبيرا، لقد ابدى قدرة عجيبة على العزف فبامكانه أن يؤثث سهرة كاملة بمفرده، فالكمنجة بين يديه تكاد تنطق، بعدها ادى الفنان نور مهنّى خمس عشرة اغنية من الطرب الجميل فكانت على التوالي: «مين علمك يا قمر، مر الفراق، يا سيدي الناس، وحشتني، صبحته عند المساء، ابعثلي جواب وطمنّي، فاكر نفسك، انا حبك كواني، لعل وعسى، رقّ الزمان، انا عيني ليك، ان كنت ناسي افكرك، يامّه يا غالي، يا ربة الوجه الصبوح وكوكتال من روائع سيدة الغناء العربي أم كلثوم، اداها جميعها في ساعتين وربع الساعة دون توقف فاستمتع خلالها الجمهور الذي ناهز سبعة آلاف متفرج جاؤوا بحثا عن المتعة فلن يخيب نور مهنى آمالهم بل اكثر من ذلك لقد نجح في فرض ما قدمه عليهم وارغمهم على الانصات اليه في زمن طغى عليه هز الارداف على تذوق الفن الرفيع مع الاسف الشديد وظهور موجات من الهستيريا، ولكن هذا الحفل كان استثناء عاش خلاله المتفرجون حلما جميلا وتمنوا لولم يستفيقوا منه لتتواصل متعتهم.. نجاح نور مهنى لم يأت من فراغ، وانما جاء لعوامل عديدة تجمعت في الرجل، لقد ادى اغانيه بحرفية كبيرة وحب جارف لفنه واحترام كبير لجمهوره، فهو يتمتع بشخصية قوية وصوت عذب فيه الكثير من الشجن والقورة، ولديه قدرة عجيبة على التزيين والزخرف عند اداء الاغاني وهي صفة لا تتوفر عند غيره، بالاضافة الى حضور ركحي ممتاز، كل ذلك جعله يأسر قلوب رواد المسرح في هذه الليلة التي لن تمحى من الذاكرة، هؤلاء بقوا الى آخر الحفل ينصتون ويستمتعون بما قدمه لهم ويصفقون كلما استوجب الأمر التصفيق فتفاعلوا معه ومع اعضاء فرقته تفاعلا كبيرا، في هذا الحفل الجميل غنّى نور مهنى الجديد والعتيق، من سوريا ومصر وتونس لا سيما من روائع ام كلثوم وسعاد محمد فأجاد وابدع بشكل كبير يعجز اللسان عن وصفه والقلم عن التنويه به.. سهرة نور مهنى سهرة من الف ليلة وليلة، قلّ الزمان ان يجود بمثلها فكذبت كل القائلين بان الفن الطربي لا يجذب الجمهور ولا يستهوي الشباب، فمن بين شبابنا من يبحث عن الروائع وينشد كل ما هو جيد ورفيع لذلك على القائمين على مهرجاناتنا ان يسموا بالذوق الرفيع لا ان ينزلوا به الى درجات سفلى وضيعة تعد من سقط المتاع.