التقى القائد معمر القذافي مساء أول أمس بضاحية قمرت بالعاصمة بجمع من النساء من ممثلات الجمعيات الوطنية والإطارات والكفاءات بمختلف المجالات السياسية والإجتماعية والثقافية وغيرها. وقد عبر الزعيم الليبي الذي يزور تونس هذه الأيام عن سعادته بهذه الزيارة بعد انعقاد مؤتمر التحدي للتجمع الدستوري الديمقراطي وقبول الرئيس زين العابدين بن علي الترشح للإنتخابات الرئاسية لسنة 2009 مؤكدا أن الليبيين سعداء بقرار الرئيس بن علي الترشح لولاية أخرى وقبوله هذه المسؤولية السامية. وقد قوبل القائد معمر القذافي بحفاوة كبيرة في القاعة ترجم عنها الحضور بالهتاف باسمه واسم الرئيس زين العابدين بن علي. وتداولت كل من السيدات فوزية الخالدي الأمينة العامة المساعدة بالتجمع الدستوري الديمقراطي المكلفة بالمرأة وعزيزة حتيرة رئيسة اتحاد المرأة التونسية وسيدة العقربي رئيسة جمعية أمهات تونس على أخذ الكلمة للترحيب بحرارة بالزعيم الليبي. وأعلنت المتدخلات أن زيارة الزعيم الليبي إلى بلادنا تأتي في وقت شهدت فيه تونس أحداثا كبرى من بينها انعقاد مؤتمر التحدي للتجمع الدستوري الديمقراطي. وتم تقديم صورة عن مكاسب المرأة في تونس وليبيا و عن التطلعات لدعمها وتدعيم مشاركة المرأة بالبلدين في الحياة السياسية والعامة وكذلك بمختلف البلدان العربية. من جهتهن ركزت المتدخلات اللواتي طرحن بعض القضايا على الزعيم الليبي على دعم التعاون بين الهياكل النسائية الوطنية في البلدين تونس وليبيا وهو ما رحب به الزعيم الليبي قائلا مثلا أنه لا يرى ما يحول دون بعث اتحاد نسائي تونسي ليبي. كما تناولت المتدخلات بعض القضايا التي تهم وضع المرأة والأسرة في بعض البلدان العربية والإفريقية واستفسرن عن تقدم مشاريع الزعيم الليبي في مجال النهوض بوضع المرأة الإفريقية عموما العرب وزمن القوميات وأثار القائد معمر القذافي خلال اللقاء عدة قضايا سياسية وحضارية واجتماعية تهم محيطنا العربي والمتوسطي والإفريقي. وقد تركزت مداخلة الزعيم الليبي الذي فضل الإستماع في بداية الجلسة إلى مقترحات الحضور من النساء وما يرغبن في الخوض فيه من قضايا ومشاغل في مختلف المجالات, تركزت على ثلاثة محاور أساسية تمثلت أولا في تفويت العرب فرصة تحقيق وحدتهم الوطنية خلال ما أسماه بعصر القوميات وثانيا في العمل على تعزيز حضور منطقة شمال إفريقيا بالقارة الإفريقية وثالثا جهوده من أجل إخراج القارة السمراء من التخلف الذي تعانيه وخاصة في المجال الإجتماعي وكل ما يتعلق بتنظيم الأسرة. شدد الزعيم الليبي على أن العرب فوتوا على أنفسهم فرصة بناء وحدتهم القومية من المحيط إلى الخليج خلال ما أسماه بعصر القوميات. فكل القوميات حسب تأكيده تعيش تحت لواء دولة موحدة. إيطاليا مثلا وألمانيا وحدت الإيطاليين والألمان والفرس والأتراك لهم دولتهم ومن أسماهم بالجنس الأصفر نسبة إلى الصين والأمريكان رغم اختلاف أجناسهم وغيرهم كلهم حققوا وحدتهم في إطار دولة واحدة ما عدا العرب. وأرجع القائد الليبي الضعف والوهن الذي يعيشه العرب اليوم إلى الفشل في تحقيق الوحدة في الوقت الذي كانت فيه القومية هي العملة الجاري بها العمل . بخصوص هذا العصر أكد القذافي أن الأمور اختلفت جوهريا. فنحن نعيش عصر العولمة. وليس عصر القوميات ولا حتى عصر الدين والثقافة حسب قوله. عصر يتوحد فيه الناس لأسباب أخرى لا علاقة لها بالدين والثقافة والجنس بل لها علاقة أساسا بالمصالح المادية. وخلص الزعيم الليبي إلى أنه لا مستقبل اليوم للدولة الوطنية. فهي لا تملك وسائل الدفاع عن نفسها بمفردها. كل شيء تغير حتى الأسلحة. طائرات بلا قواد وأسلحة دمار شامل فأين هي تلك الدولة التي تستطيع بمفردها أن تواجه كل ذلك. واستشهد الزعيم الليبي بالإتحاد الأوروبي حيث قال أنه يتكون من دول قوية (27 دولة) لكن هذه الدول متفرقة لا تستطيع أن تدافع عن نفسها. ودعا الزعيم الليبي إلى الإعتبار مما حدث للعراق وقدم أمثلة أخرى من بينها فلسطين ويوغسلافيا التي تم تمزيقها رغم قوتها وفق وصفه لأنها لم تكن جزءا من أي حلف .. ودعا الزعيم الليبي الساسة والمثقفين والمسؤولين عن تنوير الرأي العام إلى الإسراع بالتنبيه إلى أن خريطة العالم تتشكل من جديد على أساس معطيات العصر الجديدة. وقدم صورة عن التحالفات التي تكونت أو هي بصدد التكوين بمختلف أنحاء العالم سواء بأمريكا الشمالية أو بأمريكا اللاتينية والدول المستقلة بالإتحاد السوفياتي سابقا أو ما أسماه بالكومنوالث الجديد وأوروبا إلخ. بالنسبة للقارة السمراء قال الزعيم الليبي أنه بدأ المسيرة مع الإعلان يوم 9 سبتمبر 1999 عن تأسيس الإتحاد الإفريقي. وشدد على الصعوبات التي يواجهها هذا الإتحاد بسبب العقليات التي لم تستوعب الفكرة والعقليات غير المكترثة إضافة للإصطدام بعدد من التحديات من بينها سوء التصرف ببعض البلدان الإفريقية. إلا أن القائد الليبي شدد على أنه لا مفر من مواصلة الجهود من أجل تحقيق الوحدة الإفريقية فلا تونس أو ليبيا أو موريتانيا ولا أي بلد افريقي قادر بمفرده على مواجهة التكتلات والتحالفات والقوى الكبرى. وتساءل في هذا الصدد هل يمكن مثلا لبلد واحد من هذه البلدان مواجهة الإتحاد الأوروبي أو الصين أو الهند أو المنظمات المالية الدولية؟ واستخلص القائد الليبي أن ما سمي بالإتحاد من أجل المتوسط جاء نتيجة لفراغ. وحلل الأمر قائلا: هناك فراغ في شمال افريقيا ومنطقة الشرق الأوسط. لا وحدة سياسية ولا دفاع موحد. هذا الفراغ يسمح للقوى العظمى أن تستغله. وواصل الزعيم الليبي قائلا. نحن أجسام ضعيفة خاضعين للجاذبية وقد انجذبنا إلى باريس (خلال اليوم التأسيسي للإتحاد من أجل المتوسط يوم 13 جويلية الفارط بباريس الذي تغيب عنه الزعيم الليبي) ليس باختيارنا. قضايا افريقية ودعا القائد الليبي دول شمال افريقيا التي وصفها بأنها معزولة عن افريقيا السوداء ولا تعرف شيئا عنها إلى ضرورة الإنخراط أكثر في المحيط الإفريقي. وقال في هذا الصدد إن الحضور العربي قوي في افريقيا لكن الأصوات مشتتة. لقد فشلت كل المحاولات لتوحيد منطقة شمال افريقيا حسب رأيه. وقدم الزعيم الليبي كحل لما أسماه القضاء على التناقضات في شمال افريقيا إعادة بعث الدولة الفاطمية في المنطقة التي ستجعلنا الأقوى حسب رأيه .. وقال في هذا الشأن أن الدولة الشيعية الوحيدة التي تأسست في التاريخ هي الدولة الفاطمية. مشددا على أن الفكرة بدأت تستقر في أذهان الكثير من المثقفين والمهتمين . واستعرض بالمناسبة تاريخ تأسيس الدولة الفاطمية الأولى بتونس التي استمرت 260 سنة كاملة مشددا على امكانية فرضية تأسيس الدولة الفاطمية الثانية. خصص الزعيم الليبي حيزا من مداخلته إلى نقد الوضع الإجتماعي في القارة السمراء التي يعرفها جيدا وشدد في هذا المجال على درايته الكاملة ببلدان المنطقة التي يزورها غالبا عن طريق البر. وتوقف القائد الليبي بالخصوص عند مسألة التخلف الإجتماعي وظاهرة عدم تقديس المسؤولية الزوجية والأسرة بأغلب هذه المجتمعات مذكرا باقتراحه من أجل بعث قانون للأحوال الشخصية بافريقيا ينظم الحياة الإجتماعية ببلدان افريقيا السوداأو خاصة منها مؤسسة الزواج. كما قدم فكرة عن تقدم مشروع القذافي للطفل والشباب والمرأة بافريقيا. ونبه القائد القذافي إلى عدة مشاكل أخرى بالقارة السمراء من أبرزها اللغة. فالأفارقة يتكلمون لغات عديدة وكل قبيلة تكاد تكون لها لغتها الخاصة مما يقلص من فرص التفاهم بين مكونات البلد الواحد . مشكل اللغة يواجه أيضا العرب حسب الزعيم الليبي. ذلك أن اللغة العربية مهددة من خلال تجاهل قواعدها ونبه إلى أنه من المحتمل أن لا تفهم الأجيال القادمة لغتنا كما أصبحت بعض المفردات والكلمات العربية القديمة غريبة على أجيال اليوم. وشدد القائد الليبي على تفشي الأخطاء النحوية حتى في الرسائل الرسمية التي تصله من الإخوة العرب. - وفق ما صرح به خلال هذا اللقاء - ودعا إلى القيام بمبادرات عاجلة لتصحيح الوضع.