يعد النزاع الدائر بين روسيا وجورجيا حلقة جديدة في سلسلة الأزمات بين البلدان الغربيةوروسيا على خلفية تاريخية لا تعني سوى ذكريات الهيمنة وواقع جيواستراتيجي يتسم بالتجاذب بين جانب روسي همه الوحيد الإبقاء على مجال حيوي في بعض مناطق أوروبا الشرقية وجانب أمريكي يبدو في موقف الزاحف على الشطر الشرقي للقارة الأوروبية التي كانت إلى حد وقت ليس ببعيد محظورة على النفوذ الغربي. وفي هذه الحلقة يبدو أن روسيا وجورجيا أرادتا حسم إحدى أخطر المشاكل المتعلقة بالقوقاز فهو أول اختبار للرئيس الروسي مدفيديف الذي أصبح يتحمل مسؤولية الحرب بشأن أوسيتيا الجنوبية الواقعة على الحدود الروسية وهي حدود لا تعترف بها موسكو مما يعني وجود رغبة في ضم أوسيتيا الجنوبية إلى أوسيتيا الشمالية التابعة للاتحاد الروسي أو على الأقل إضفاء الشرعية على الحكومة الحالية في الإقليم المناهضة للسلطة المركزية الجورجية. ويتعلق الامر بعمل استباقي روسي حيث تحاول جورجيا الحليف الجديد للولايات المتحدة حشد التأييد لاستعادة أوسيتيا الشمالية وأبخازيا بعد أن كانت قد قضت على الحكم الذاتي في منطقة أجاريا ذات الأغلبية المسلمة ولكن يبدو أن دخول روسيا بكل ثقلها العسكري والسياسي من شأنه تكريس استقلالية أوسيتيا الشمالية وأبخازيا. كما تكون روسيا قد ردت على إعلان استقلال إقليم كوسوفو بإعادة خلط الأوراق في منطقة تريد أمريكا أن يكون لها موطئ قدم فيها عبر جورجيا التي يمر بها انبوب نفط إلى الأراضي التركية، ذلك أن من خفايا الحرب محاولة السيطرة على مناطق الامدادات بالنفط وهو أمر يشكل حجر الزاوية في الاستراتيجية الروسية الجديدة ومعطى رئيسيا في الخطط الأمريكية لما وراء منطقة الشرق الأوسط. والمؤكد أن الحرب في جورجيا حتى وإن توقفت المعارك ستبقي على اوضاع متوترة لفترة طويلة، فالاتهامات المتبادلة بين الروس والجورجيين حول ارتكاب تجاوزات ضد المدنيين كفيلة بإدامة النزاع كما أن الرغبة الامريكية في مواصلة التوسع شرقا ستقابلها رغبة روسية في إبعاد الحلف الأطلسي عن حدود روسيا. لقد وقعت جورجيا في تناقض كبير فقد تحدثت عن "عدوان روسي" على أراضيها واضطرت إلى دعوة قواتها المرابطة في العراق إلى العودة لصد "العدوان" ... ألم يكن غزو العراق من قبل قوات التحالف عدوانا؟ ان التمسك بالخيارات السلمية واحترام القانون الدولي وعدم التدخل في شؤون الغير يبقى أفضل خيار لبلدان قد تصادفها أوضاع صعبة مثلما هو الشأن في جورجيا حتى تتجاوز المحن بسلام .