قد تكون روسيا رأت في تأييد البلدان الغربية استقلال إقليم كوسوفو خير مثال لاعترافها باستقلال أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا عن جورجيا بل إنها وهي التي عارضت بشدة استقلال الإقليم أصبحت لا ترى أي حرج في إلحاق الضرر بوحدة الأراضي الجورجية ما دام جانب كبير من المجتمع الدولي اعترف بدولة كوسوفو المستقلة. ولا تبدو المسألة ردة فعل روسية بخصوص كوسوفو بل إن موسكو بصدد "معاقبة " الرئيس الجورجي ساكاشفيلي على شروعه في مهاجمة أوسيتيا الجنوبية بإيعاز من الإدارة الأمريكية لأسباب انتخابية كما صرح رئيس الوزراء الروسي بوتين. كما أن روسيا تريد إهانة الرئيس الجورجي المناهض لروسيا وتقديمه أمام شعبه على أنه غير كفء وخسر حربا أشعل فتيلها وبالتالي عليه تحمل مسؤولية "خسارة" الاقليمين. وتدير روسيا الأزمة مع جورجيا ومع الغرب بطريقة فيها الكثير من التحدي والثقة في النفس بما يعطي انطباعا بأن موسكو لن تترك الأزمة تمر دون أن تستثمرها سياسيا واستراتيجيا وهو ما أوصل إلى استعراض للقوة من خلال السفن العسكرية الروسية أو الأمريكية. وإذا كانت الإدارة الأمريكية مهتمة كثيرا بالدفاع عن خط أنابيب النفط الذي يمر عبر جورجيا فإنها قد تقبل بالأمر الواقع الذي فرضه الروس ليتقاسم البلدان جورجيا بما يخدم مصلحة كل طرف خصوصا أن الولاياتالمتحدة لا تعير كثيرا مسألة وحدة أراضي الدول أهمية كبرى، فالأمثلة عديدة وإن شذت أمريكا عن "القاعدة" فإنها لا تعيد الاعتبار لحرمة أراضي الدول إلا إذا كانت هناك مصلحة ذاتية. لقد كان يفترض ألا تتلاعب الدول الكبرى بالدول الصغيرة فتقسمها كما تشاء وتحاصرها ولكن وبعد ما شهده المجتمع الدولي من تحولات بعد انفجارات 11 سبتمبر أصبح التفاؤل بإمكانية أن تكون للقانون الدولي كلمته في العلاقات الدولية محدودا جدا بل إن الرأي العام العالمي وخصوصا في البلدان الضعيفة في حالة يأس تام من أن تحترم الدول الكبرى القوانين الدولية وإرادة الشعوب. إن ما حصل في كوسوفو ثم في جورجيا ما كان أن يحدث لو كان هناك مجتمع دولي يسوسه القانون الدولي ولا تستغل فيه الدول الفاعلة الهيئات الدولية لمصالحها ولكن يبدو أن سيناريو التجزئة مرشح للتواصل في أكثر من مكان من العالم مادامت هناك أنانية ومصالح ضيقة على حساب المبادئ.