هل تعني التطورات الحالية بين روسيا من جهة وجورجيا وبولونيا وبالتالي مع الولاياتالمتحدة ومن ورائها الغرب أن موسكو شرعت في هجوم مضاد لتعديل كفة التوازن في منطقة ما فتئت تشهد منذ أكثر من عقد انفراط عقد حلفاء روسيا؟ لقد برهنت الحرب في جورجيا وتورط الجيش الروسي في العمليات العسكرية والتهديد باستعمال السلاح النووي ضد بولونيا بعد قبولها نشر أجزاء من الدرع الصاروخي الأمريكي على أراضيها على أن روسيا عادت إلى الفكر الاستراتيجي السائد أثناء العهد السوفياتي بعد أن أحكم عهدا يلتسين وبوتين قولبة الدولة الروسية على النمط الشمولي. وقد حتم هذا الوضع على الرئيس الروسي ميدفيديف غير الخبير في الأزمات الدولية المضي قدما فيما بدا بارزا بخصوص العقيدة العسكرية الروسية التي لم تترك المؤسسة العسكرية في روسيا مناسبة دون التأكيد على صبغة التحرك والرد في حال حصول تهديدات لأمن الاتحاد الروسي. ولا شك أن إدارة موسكو للأزمة مع جورجيا ومع بولوينا تحمل بصمات رئيس الحكومة الحالي بوتين الذي يهمه تنفيذ توجهاته وهو في ظل رئيس جديد وبعيدا عن الأضواء وهو على ما يبدو أمر يصب في مستقبل الحياة السياسية الروسية لأن أي انتصار تحققه روسيا على الغرب سيعني انتصارا لبوتين وأفكاره وفي حالة خسارة روسيا في اختبار القوة مع الغرب قد يدفع ميدفيديف وحده الثمن ليعود بوتين إلى الواجهة مرة أخرى. ولكن رغم ذلك فإن الحسابات الداخلية مازالت بعيدة عما يحدث حاليا، فالنبرة المتشددة التي تحدث بها مسؤولون عسكريون روس حول بولونيا وتلميحهم إلى إمكانية استعمال السلاح النووي ضدها تمثل رغبة في التشدد مع الغرب ومحاولة اثناء البلدان المجاورة لروسيا عن الانخراط في الحلف الأطلسي أو في أي عمل يستهدف وحدة الاتحاد الروسي ومجاله الحيوي. وحتى إن لم تقدر موسكو على الاستفادة من الأوضاع الحالية كليا فإنها تكون قد كسبت تجربة في عالم أحادي القوة مما قد يفتح الباب أمام قوة روسية بالنظر إلى القوة العسكرية والاقتصادية الروسية وإعادة تشكيل أوروبا الشرقية وفق تقاسم النفوذ بين الروسين والأمريكيين ...فالحرب في جورجيا تشكل بداية مرحلة جديدة في العلاقات بين الغرب وروسيا بعد سنوات من المهادنة والتحالف. ..إنها ساعة الحقيقة بتوقيت موسكو!