تمكن الرئيس الروسي بوتين تدريجيا على مر السنوات الثماني التي قضاها في الحكم من القطع مع سياسة سلفه الراحل يلتسين الذي فتح أبواب روسيا على مصراعيها أمام الغرب "العدو السابق" في العهد السوفياتي في حين أحكم بوتين غلق هذه الأبواب باستثناء ما يراه صالحا على أصعدة اقتصادية أو تجارية بما لا يشكل أي خدش للمشاعر القومية الروسية. لقد عرف بوتين كيف يكسب ود الروس،لداخلية وإيجاد ضوابط سياسية لا يحق لأيّة جهة في روسيا تجاوزها وليس من قبيل الصدفة أن يتصاعد التوتر مع الحلف الأطلسي بنسق متسارع في العام الأخير للفترة الرئاسية لبوتين ليترك لخليفته سياسة واضحة قد تهادن الغرب في بعض التفاصيل لكنها لن تكون متسامحة مع كل ما يتناقض مع الاستراتيجية الكبرى لروسياالجديدة. وفي سياق هذه الاستراتيجية لم يتردد رئيس الأركان الروسي من التهديد برد عسكري في حالة انضمام أوكرانيا وجورجيا الخارجتين عن بيت الطاعة الروسي إلى حلف شمال الأطلسي وهو ما يعني أن البلدين مطالبان بالتفكير مليا قبل الإقدام على هذا القرار بعد وعد القمة الأطلسية الأخيرة بقبولهما لأن روسيا التي غضت الطرف عن انضمام بولونيا إلى الحلف لا يمكنها أن تجدد نفس الخطإ مع بلدان أخرى خصوصا عندما تكون واقعة على حدودها. إن ما تحاول روسيا حاليا فعله هو مجاراة النسق الأمريكي وهنا تكمن الخطورة لأن الإدارة الأمريكية قد تجرها إلى سباق استراتيجي هذا إذا لم يكن نحو التسلح مرة أخرى وتحديدا في مجال الدروع الفضائية حيث أن بوادر لهذا السباق الاستراتيجي بدأت تظهر من ذلك تولي بيلاروسيا مساعدة فنزويلا على إنشاء نظام للدفاع الجوي وآخر للتشويش الالكتروني وتزويدها بصواريخ مضادة للطائرات من طراز "س-300 ب". وهكذا تبدو الصورة أوضح لما قد تشهده أمريكا اللاتينية مستقبلا من زيادة تعكير المزاج الأمريكي بعد ما أبدته دول مثل فنزويلا وبوليفيا ونيكاراغوا من مواقف مناهضة للسياسة الأمريكية وقد يتحول الأمر إلى حروب بالوكالة بين أمريكا وروسيا في منطقة تريدها واشنطن منذ عقود خاضعة لسياستها. فهذه بيلاروسيا البلد الأشد وفاء لموسكو من بين بلدان الاتحاد السوفياتي السابق وهذه فنزويلا شافيز المتمردة على تقاليد سياسة أمريكا اللاتينية تجاه الولاياتالمتحدة تسيران ضمن خطط هي أقرب ما تكون إلى توجهات كوبا فيدال كاسترو بالترويج للثورة الكوبية ولسياسة الكرملين أثناء الحرب الباردة كل ذلك لن يبقي واشنطن مكتوفة الأيدي وقد يسبب متاعب لموسكو وتحديدا قريبا من الحدود الروسية بقواعد أطلسية جديدة. إن وضع العلاقات بين روسياوالولاياتالمتحدة لن يشهد تغيرا حتى بتولي رئيس جديد الحكم في موسكو وتولي بوتين رئاسة الوزراء ولكن هل تسقط الحكومة الروسية في فخ التخويف والدفع إلى الانفاق العسكري وهي الطريقة التي أنهكت الاتحاد السوفياتي وعجّلت بانهياره؟.