ليس من عادة المسؤولين العسكريين في روسيا وخاصة منذ انهيار الاتحاد السوفياتي الإدلاء بتصريحات شديدة اللهجة أو توجيه تحذيرات أو حتى تهديدات رغم وجود السياسة الروسية في تقاطعات مع السياسة الأمريكية في بعض الأزمات وأهمها التدخل الأمريكي في تسعينات القرن الماضي في يوغسلافيا السابقة. وعندما يحذر رئيس الأركان الروسي من أن بلاده لن تتردد في استعمال الأسلحة النووية كإجراء وقائي في حالة تعرضها لتهديد خطير.. عندما يصل الأمر إلى هذا الحد يكون العسكريون الروس قد شاركوا السياسيين بروسيا في تحديد موقف بصورة أوضح وبأكثر ثقل تجاه ما تشعر به موسكو حاليا من امتعاض بشأن ما تراه من تهديدات يشكلها التوسّع الأمريكي الأطلسي في أوروبا الشرقية والتغلغل في آسيا الوسطى. ولا شك أن الأمر يتعلق بأكثر تجليات الحرب الباردة بين روسيا والولايات المتحدة في نسخة جديدة محورها الرغبة الأمريكية في مواصلة الهيمنة على ما تبقى من مناطق العالم وتحديدا أوروبا الشرقية ورد الفعل الروسي المضاد لبروز روسيا كقوة عظمى قادرة على تحقيق توازن للقوى على الساحة الدولية. لقد أخطأت روسيا بمجرد تولي الرئيس السابق بوريس يلتسين الحكم عندما اعتقدت أنها غير قادرة على مجاراة القوة العسكرية الأمريكية ومواصلة سياسة الهيمنة السوفياتية السابقة على دول الجوار وارتأت أن الانكفاء على النفس ومحاولة إجراء إصلاحات في مجالات شتى أفضل من الدخول في سباق تسلح يستنزف إمكانياتها وقدراتها. لقد اكتشف الرئيس الحالي بوتين أن لا خيار له إلا محاولة العودة إلى روسيا قوية بفضاء حيوي وقوة اقتصادية ونفوذ سياسي خاصة أن الحلف الأطلسي أصبح على مشارف حدود روسيا، ولعل النظرة الشمولية لروسيا قوية جعلته يفضل تغيير بعض ما أصبح من الثوابت في السياسة الروسية. ومن الواضح أن روسيا بدأت تعتد بنفسها بعد أن أصبحت قوة معتبرة على الساحة الدولية لأنها تملك وسيلة ضغط على بلدان عديدة وهي المتمثلة في سلاح الطاقة ذلك أن النفط والغاز صارا أحد مكونات دوافع السياسة الروسية على غرار الشيوعية التي كانت في الماضي محور السياسة السوفياتية كإيديولوجيا وكوسيلة للهيمنة. إن التهديد باستعمال السلاح النووي مسألة كان يفترض أن تكون قد ولت غير أن ما يشهده العالم من اتساع بؤر التوتر والحروب من شأنه العودة فعليا إلى الحرب الباردة بكل ما تعنيه من توترات وسباق نحو التسلح وانقسام في المجتمع الدولي.. وما صدر عن رئيس الأركان الروسي يحمل في طياته بعض الإجابات عن المنحى الذي قد يتخذه استقرار المجتمع الدولي خلال السنوات المقبلة.