استبقت مصالح المراقبة الاقتصادية بوزارة التجارة حلول شهر رمضان بالاعلان عن تسخير خمسمائة وحدة في اطار خطة متكاملة لمراقبة نشاطات الاسواق على مدار الساعة خلال الشهر الكريم وكذلك فعلت منظمة الدفاع عن المستهلك التي بادرت بدورها باصدار توصياتها الى المستهلك من اجل ان ترتقي سلوكاته وتصرفاته خلال الشهر المقدس الى مستوى الابعاد والاهداف الدينية والاخلاقية والانسانية الواعية المرتبطة بهذا الشهر الذي يتطلع اليه المسلمون بكثير من الخشوع والايمان... والحقيقة ان في تلك التوصيات وغيرها من جهود السلطات الرسمية والتاكيدات بشان توفر مختلف البضائع في الاسواق على اهميتها في شروط نجاح حملة التوعية المطلوبة لدى شريحة لا يستهان بها من المستهلكين لا يمكن ان تؤتي ثمارها او ان تكون فعالة اذا لم يتحل المستهلك ذاته بدرجة من الوعي والادراك تجعله قادرا على مجابهة تكاليف هذا الشهر دون اثقال كاهله بالمزيد من الديون او بما يمكن ان يقيده ويدفعه الى السقوط في دوامة من الاحتياجات التي لا تنتهي. فليس سرا بالمرة ان حلول هذا الشهر ارتبط بموسم الصيف واحتياجاته الكثيرة وستتخلله العودة المدرسية بكل نفقاتها المتزايدة ليختتم بحلول عيد الفطر ومتطلبات فرحة العيد الامر الذي لن يكون بالهين على اصحاب الدخل المحدود ممن يتعين عليهم توخي الحكمة والقناعة في التصرف من اجل ان يكون شهر رمضان شهر الخير والبركة واليسر والرحمة بعيدا عن كل انواع النقمة بالعباد او العسر والاسراف والتبذير المفرط المتنافي مع الشريعة الاسلامية واهدافها النبيلة. بل لعل في تلك الخطوات الاستباقية لمختلف الاطراف المعنية ما يعكس وجود مؤشرات واضحة لتفادي الكثير من المظاهر السلبية المرفوضة وتجنب تلك الحرب النفسية الخفية بين التجار الباحثين عن الربح الوفير وبين المستهلك المتلهف للحصول على كل السلع مهما شحت وندرت ومهما ارتفعت اسعارها وهي مظاهر تعود للاسف في كل مرة لتسيطر على الاجواء الرمضانية لترتبط في اغلب الاحيان بانتشار مظاهر الغش والاحتكار وجنون الاسعار مقابل انتشار مظاهر اللهفة واطلاق العنان للشهوات والملذات والافراط في اقتناء ما يفوق الحاجة والامكانيات ايضا من مواد استهلاكية اساسية او غير اساسية قد تؤول في اغلب الاحيان الى اكداس من الفضلات ترتع حولها الحشرات... ساعات قليلة اذن باتت تفصلنا عن استقبال الشهر الكريم الذي تتطلع اليه بقية الشعوب الاسلامية والذي يعود هذا العام في محيط عالمي لا يخلو من تحديات اقتصادية كبيرة امام ارتفاع اسعار الوقود والمواد الغذائية فضلا عن مختلف تكاليف الحياة. مرة اخرى وبعيدا عن إلقاء المواعظ والدروس فان الحرص على التصرف السليم في الميزانيات والجيوب يقتضي التخلي عن عقلية التبذير والافراط التي ارتبطت خطأ بشهر رمضان الذي يظل شهر التحكم في الشهوات والملذات وتهذيب العقول والنفوس وتغذية الروح وتاكيد معاني التآخي والتآزر...