في اليوم الثامن لمولده صلى الله عليه وسلم قدمت الى مكة عشر نسوة من بني سعد بن بكر تلتمسن الرضعاء. وقد كانت عادة أهل مكة انهم يسترضعون لأولادهم نساء البادية وذلك طلبا للصحة والفصاحة. وكانت حليمة السعدية من بين النسوة اللاتي قدمن الى مكة، وكان بصحبتها زوجها الحارث وابنها الصغير عبد الله بن الحارث وتروي حليمة كيف حظيت بشرف ارضاع خير الانام محمد صلوات الله عليه. خرجت من منازلنا صحبة زوجي وابني الحدث نلتمس الرضعاء في مكة وكان معنا نسوة من قومي وقد خرجن لمثل خروجي، وكان ذلك في حول مجدب وكان لنا دابتان عجفاوان لا ترشح ضروعها بقطرة لبن، فركبت أنا وغلامي الصغير احداهما أما زوجي فركب الاخرى. وكنا لا ننام لحظة من ليلنا لشدة بكاء طفلنا الجائع، اذ لم يكن في ثدييّ ما يغنيه، ولم يكن في ضرع ناقتنا ما يغذيه. فلما بلغنا مكة وبحثنا عن الرضعاء وقعت في أمر لم يكن في الحسبان، ذلك أنه لم تبق امرأة الا وعرض عليها الغلام الصغير محمد بن عبد الله فكنا نأباه لأنه يتيم وكنا نقول : ما عسى أن تنفعنا أم صبيّ لا أب له؟! وما عسى أن يصنع لنا جده؟.. ثم إنه لم تمض علينا غير يومين اثنين حتى ظفرت كل امرأة منا بواحد من الرضعاء اما أنا فلم أظفر بأحد فلما أزمعنا الرحيل قلت لزوجي: أني أكره أن أرجع الى منازلنا وألقى بني قومنا خاوية الوفاض دون أن أخذ رضيعا فليس في صويحباتي امرأة الا ومعها رضيع والله لأذهبن الى ذلك اليتيم ولأخذنه. فقال لي زوجي: لا بأس عليك، خذيه فعسى أن يجعل الله فيه خيرا. فذهبت الى أمه وأخذته والله ما حملني على أخذه الا أنني لم أجد غلاما سواه. فلما رجعت به الى رحلي وضعته في حجري وألقمته ثديي، فدرّ عليه من اللبن ما شاء الله أن يدر بعد أن كان خاويا خاليا.. فشرب الغلام حتى روى، ثم شرب أخوه حتى روى ايضا ثم ناما.. فاضطجعت انا وزوجي الى جانبهما لننام بعد أن كنا لا نحظى بالنوم الا غرارا بسبب صبينا الصغير، ثم حانت من زوجي التفاتة الى ناقتنا المسنّة العجفاء فاذا ضرعاها حافلان ممتلئان فقام اليها دهشا، وهو لا يصدق عينه وحلب منها وشرب ثم حلب لي فشربت حتى امتلأنا ريّا وشبعا وبتنا في خير ليلة.. فلما أصبحنا قال لي زوجي: أتدرين يا حليمة أنك قد ظفرت بطفل مبارك ..فقلت له: انه لكذلك واني لارجو منه خيرا كثيرا. مضت الايام واصبح ذلك الطفل اليتيم سيدا في قومه.. سيدا للعرب والعجم والانسانية قاطبة ووفدت عليه حليمة بعد أن آمنت به فلما رآها استطار فرحا وطفق يقول أمي.. أمي ..ثم خلع رداءه وبسطه تحتها وأكرم وفادتها. اعداد نبيل الباسطي للتعليق على هذا الموضوع: