المهدية: محامو الجهة يُنفّذون إضرابًا حضوريًّا بيوميْن    ليبيا: ضبط 4 أشخاص حاولوا التسلل إلى تونس    ازدحام و حركية كبيرة بمعبر ذهيبة-وازن الحدودي    كرة اليد: الترجي يعبر الى نصف النهائي ويواجه الاهلي المصري    عاجل/ إنتشال 7 جثث من شواطئ مختلفة في قابس    عاجل/ تلميذ يعتدي على زميلته بآلة حادة داخل القسم    يراكم السموم ويؤثر على القلب: تحذيرات من الباراسيتامول    المنتدى العالمي للطب البيطري يعقد في تونس ...و هذا موعده    طبرقة: فلاحو المنطقة السقوية طبرقة يوجهون نداء استغاثة    مدير إعدادية أمام القضاء..التفاصيل    سيدي بوزيد: وفاة شخص واصابة 8 أشخاص في حادثي مرور    استبشر لها الأهالي: قوات الأمن تزيل أكواخ الأفارقة بجبنيانة والعامرة (صور)    عاجل : الإفراج عن لاعب الاتحاد الرياضي المنستيري لكرة القدم عامر بلغيث    هيئة الانتخابات:" التحديد الرسمي لموعد الانتخابات الرئاسية يكون بصدور امر لدعوة الناخبين"    طلاق بالتراضي بين النادي الصفاقسي واللاعب الايفواري ستيفان قانالي    الناشرون يدعون إلى التمديد في فترة معرض الكتاب    هذه الشركة العالمية للأغذية مُتّهمة بتدمير صحة الأطفال في افريقيا وآسيا.. احذروا!    عاجل : مبروك كرشيد يخرج بهذا التصريح بعد مغادرته تونس    وزارة المرأة تنظم ندوة علميّة حول دور الكتاب في فك العزلة عن المسن    جربة: إحتراق ''حافلة'' تابعة لجمعية لينا بن مهنّى    جندوبة: السيطرة على إصابات بمرض الجرب في صفوف تلاميذ    تفكيك وفاق إجرامي من أجل ترويج المخدرات وحجز 08 صفائح و05 قطع من مخدر القنب الهندي..    يهم التونسيين : غدًا طقس شتوي 100% و هذه التفاصيل    المرصد التونسي للمناخ يكشف تفاصيل التقلّبات الجوّية    ر م ع الشركة الحديدية السريعة يكشف موعد إنطلاق استغلال الخطّ برشلونة-القبّاعة    صور : وزير الدفاع الايطالي يصل إلى تونس    الفيفا يكشف عن فرضيات تأهل الترجي الرياضي لكأس العالم للأندية    مصر: غرق حفيد داعية إسلامي مشهور في نهر النيل    جرايات في حدود 950 مليون دينار تُصرف شهريا.. مدير الضمان الإجتماعي يوضح    نابل: الاحتفاظ بعنصر تكفيري مفتش عنه    وزير الدفاع الايطالي في تونس    تونس : 94 سائحًا أمريكيًّا وبريطانيًّا يصلون الى ميناء سوسة اليوم    بطولة إفريقيا للأندية للكرة الطائرة: مولودية بوسالم يواجه الأهلي المصري من الحفاظ أجل اللقب    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الثلاثاء 23 أفريل 2024    زلزال بقوة 6.2 درجات يضرب هذه المنطقة..    بسبب فضيحة جنسية: استقالة هذا الاعلامي المشهور..!!    الإطاحة ب 9 مروجين إثر مداهمات في سوسة    لأول مرة: التكنولوجيا التونسية تفتتح جناحا بمعرض "هانوفر" الدولي بألمانيا    بطولة ايطاليا : بولونيا يفوز على روما 3-1    اقتطاعات بالجملة من جرايات المتقاعدين...ماذا يحدث؟..    وزارة الخارجية تنظم رحلة ترويجية لمنطقة الشمال الغربي لفائدة رؤساء بعثات دبلوماسية بتونس..    عاجل : وفيات في سقوط طائرتي هليكوبتر للبحرية الماليزية    جمعية منتجي بيض الاستهلاك تحذّر من بيض مهرّب قد يحمل انفلونزا الطيور    حادثة سقوط السور في القيروان: هذا ما قرره القضاء في حق المقاول والمهندس    بعد الجرائم المتكررة في حقه ...إذا سقطت هيبة المعلم، سقطت هيبة التعليم !    مذكّرات سياسي في «الشروق» (1)...وزير الخارجية الأسبق الحبيب بن يحيى... يتكلّم .. الخارجية التونسية... لا شرقية ولا غربية    باجة: انطلاق الاستعدادات لموسم الحصاد وسط توقعات بإنتاج متوسط نتيجة تضرّر 35 بالمائة من مساحات الحبوب بالجهة    بن عروس: توجيه 6 تنابيه لمخابز بسبب اخلالات تتعلق بشروط حفظ الصحة    الكاف: تقدم مشروع بناء سد ملاق العلوي بنسبة 84 بالمائة    تكريم هند صبري في مهرجان أسوان الدولي لسينما المرأة    صادم: كلغ لحم "العلوش" يصل الى 58 دينارا..!!    بطولة الرابطة المحترفة الاولى (مرحلة التتويج): برنامج مباريات الجولة الخامسة    وزارة الدفاع الوطني تعرض أحدث إصداراتها في مجال التراث العسكري بمعرض تونس الدولي للكتاب    وزارة الخارجية تنظم رحلة ترويجية لمنطقة الشمال الغربي لفائدة رؤساء بعثات دبلوماسية بتونس    هاليب تنسحب من بطولة مدريد المفتوحة للتنس    لأقصى استفادة.. أفضل وقت لتناول الفيتامينات خلال اليوم    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    ضروري ان نكسر حلقة العنف والكره…الفة يوسف    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



محمد عليه أفضل الصلوات
نشر في باب نات يوم 09 - 03 - 2009

تطل علينا ذكرى طيبة عطرة ألا وهي ذكرى مولد حبيب الحق وخير الخلق سيدنا وحبيبنا وقرة أعيننا محمد عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم، وما أحوجنا أن نتزود من سيرة أشرف المخلوقات وأفضلهم وأطهرهم حتى تكون لنا نبراسا نقتدي به وسراجا يضيء لنا دربنا ومنهلا نغرف منه ما ينفعنا في دنيانا وأخرانا. قال الله تعالي : {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُم مِّنَ اللَّهِ فَضْلا كَبِيرًا وَلا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ وَدَعْ أَذَاهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلا} (الأحزاب)
* مولد النبي
ولد النبي لثمان من ربيع الأول وقيل لاثنتي عشرة منه في قول المؤرخين وعاش أربعين سنة، لم يوح إليه بشيء وكل ما يذكره قصاص المولد من أنه ولد وهو ساجد أو أنه خرج معه نور صفته كذا وكذا، أو أن آدم خلق من نور محمد، وأن جميع الوحوش البرية والبحرية بشر بعضها بعضا بالحمل به وأن مريم حضرت مولده، وأن الرسول يحضر حفلة المولد ويعرف الحاضرن به فكل هذه وما في معناها فإنها من الموضوعات التي لا صحة لها، ولهذا قال في معرض الاحتجاج على قومه {فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِّن قَبْلِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} (16 سورة يونس) وهذا العمر هو أربعون سنة وبعد الأربعين فاجأه الحق ونزل عليه الوحي بغار حراء.
ولا شك أن مقام بعثته ونزول الوحي بنبوته أنه أعلى وأجل وأعظم وأفضل من مقام ولادته إذ أنه ولد كما يولد سائر الناس وفضله الله بالبعثة والرسالة على سائر الناس والله سبحانه إنما أمتن على عباده المؤمنين بنبوته وبعثته لا بمجرد ولادته. فقال تعالى {لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ} (سورة آل عمران 164)
* وفاة أمه وجده وكفالة عمه له
ظل محمد في رعاية أمه وكفالة جده حتى بلغ السادسة فذهبت به أمه لزيارة قبر زوجها في يثرب وقدر لها أن تموت في طريق عودتها وتدفن في الأبواء (على الطريق بين يثرب ومكة) ويصبح محمد بعدها يتيما، ويكفله جده عبد المطلب فيحبه حبا شديدا عوضه عن حنان أمه وعطف أبيه فكان يوضع لعبد المطلب فراش في ظل الكعبة لا يجلس عليه أحد من أبنائه إلا محمد ے فكان يجلسه معه ويمسح ظهره بيده، ولكن القدر لم يمهل جده طويلا فمات بعد سنتين، فكفله عمه أبو طالب فأحبه حبا شديدا وأخذ يتعهده بعنايته ورعايته ولم تقتصر حمايته له قبل البعثة بل امتدت إلى ما بعدها فكان عونا للدعوة الإسلامية وظهرا لصاحبها على الرغم من أنه لم يسلم.
* حليمة السعدية مرضعة الرسول
* نسبها :
حليمة بنت أبي ذويب، وأبو ذويب : عبد الله بن الحارث بن شجنة بن جابر بن رزام بن ناصرة بن فصية بن نصر بن سعد بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيسا بن عيلان من قبيلة بني سعد بن بكر من بادية الحديبية بالقرب من مكة.
* عملها :
كانت مرضعة، أي أن المرضعات يقدمن إلى مكة من البادية ويفضلن من كان أبوه حيا ليزيد من إكرامهن.
* زوجها :
هو الحارث بن عبد العزى بن رفاعة
* أبناؤها :
كبشة، وأنسيه، والشيماء
* أبناؤها من الرضاعة :
محمد صلى الله عليه وسلم، حمزة بن عبد ا لمطلب رضي الله عنه، سيد الشهداء وعم النبي، أبو سفيان بن الحارث بن عبدالمطلب ابن عم الرسول صلى الله عليه وسلم.
* سبب أخذها للرسول :
قدمت حليمة السعدية مع نساء قومها يلتمسن الرضاع من أبناء مكة، فرجعت صاحباتها بأبناء مكة ولم تجد هي أحدا ترضعه سوى اليتيم محمد صلى الله عليه وسلم، وقالت حليمة : «قدمت في سنة شهباء (جدباء) على أتان لي ومعي صبي لنا وشارف (ناقة)، فقدمنا مكة، فوالله ما علمت منا امرأة إلا وقد عرض عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأباه إذا قيل أنه يتيم الأب، فوالله ما بقي من صواحبي امرأة إلا أخذت رضيعا غيره، فلما لم أجد غيره قلت لزوجي إني لأكره أن أرجع من بين صاحباتي وليس معي رضيع، لانطلق إلى ذلك اليتيم فلآخذنه» فأخذته حليمة ووجدت بركة في شرفها، وثديها، وآل بيتها، وأغنامها وأرضها التي كانت تعاني من الجدب.
* محبة الرسول
إن محبة الرسول أصل عظيم من أصول الدين، فلا إيمان لمن لم يكن الرسول ے أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين قال الله تعالى : {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ}
ومن لوازم محبته أن تكون محبته أحب إليك من نفسك ومالك. يقول الله تعالى : {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ } وروى البخاري عن أنس قال عليه السلام : «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبّ إليه من نفسه وماله وولده والناس أجمعين».
ومن لوازم محبته أيضا الشوق إليه حين يأتي ذكره، والحنين إلى لقياه والأنس برفقته في الجنة قال القاضي عياض : ذكر عن مالك أنه سئل عن أيوب السختياني؟ فقال : «ما حدثتكم عن أحد إلا وأيوب أوثق منه» وقال عنه مالك : «وحج حجتين فكنت أرمقه ولا أسمع منه، غير أنه كان إذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم بكى حتى أرحمه، فلما رأيت منه ما رأيت واجلاله للنبي صلى الله عليه وسلم كتبت عنه».
* أولاده وبناته
* أولاده : عبد الله والقاسم وإبراهيم
* بناته فاطمة وزينب ورقية وأم كلثوم وقد مات كل أولاده في حياته إلا فاطمة رضي الله عنها أم الحسن والحسين فإنها ماتت بعد ستة أشهر من وفاته.
أسماؤه
قال صلى الله عليه وسلم : «لي خمسة أسماء : أنا محمد وأحمد وأنا الماحي يمحو الله بي الكفر وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي وأنا العاقب» رواه البخاري ومسلم ومعنى العاقب أي لا نبي بعده.
* اشتغاله ص برعي الغنم
لما شب محمد ص وأصبح فتى أراد أن يعمل ويأكل من عمل يده، فاشتغل برعي الغنم لأعمامه ولغيرهم مقابل أجر يأخذه منهم، ويذهب البعض الى أن حرفة الرعي وقيادة الأغنام علمت الرسول ے رعاية المسلمين وقيادة الأمة بعد بعثته وهذا ولا شك مبالغة كبيرة فإن كثيرا غيره من الرعاة لم يصبحوا قوادا ولا ساسة كما أن الكثير من القواد والساسة لم يعرفوا عن حرفة الرعي شيئا، وهناك فرق كبير بين سياسة الحيوان والانسان، لكن يمكن القول أن حرفة الرعي لما كانت تتم في الصحراء حيث الفضاء المتناهي والسماء الصافية والنجوم المتلألئة في الليل، والشمس المشرقة في الصباح وهذا النظام البديع في حركة الكون استرعى كل ذلك انتباه محمد فأخذ يتأمل ويتفكر ويتدبر في الكون العجيب.
اشتغاله ے بالتجارة
وزاول محمد مهنة التجارة وهو في الثانية عشرة من عمره (وقيل في التاسعة) وانتهز فرصة خروج عمه أبي طالب بتجارة الى الشام فخرج معه وفي الطريق قابلهما راهب مسيحي رأى في محمد علامات النبوة فنصح عمه ان يعود به الى مكة مخافة أن يعرفه الروم ويقتلوه.
وعلى الرغم من ذكر المؤرخين لقصة الراهب بحيرا إلا أنه لا يمكن تصديقها بسهولة، لأن محمدا ے نفسه لم يكن يعرف أنه نبي إلا بعد أن أخبره جبريل بذلك في الغار، وكل ما يعرفه رجال الدين اليهودي والمسيحي عن الرسالة المحمدية زمانها لا شخص صاحبها، وقد أفادت هذه الرحلة محمدا كثيرا، فعودته على الصبر وتحمل المشاق وفتحت عينيه على أقوام ومجتمعات تختلف كثيرا عن قومه ومجتمعه، ومر في طريق الذهاب والعودة على اطلال مدن عرف أنها ديار ثمود ومدين ووادي القرى وسمع عن أخبارهم الكثير.
ولم تنقطع صلة محمد بالتجارة بعد عودته من الشام بل كان يتاجر بأسواق مكة أو بالاسواق القريبة منها كسوق عكاظ ومجنه وذي المجاز لكنه لم يجعل التجارة كل همه واكتفى منها بما يوفر له حياة متزنة سعيدة وكان كلما تقدم به العمر ازداد تفكيرا وتأملا وقضى الكثير من وقته يتدبر هذا الكون العجيب.
* زواجه بخديجة رضي الله عنها
يبدو على الرغم من تجارة محمد المحدودة إلا أنه اكتسب فيها شهرة كبيرة لأمانته وشرفه المشهود له بهما في مجتمعه ومن ثم كان الكثير من تجار مكة يعرضون عليه العمل لهم في تجارتهم مقابل أجر أكبر من أقرانه.
وكانت خديجة بنت خويلد احدى اشراف مكة ومن أكبر تجارها تستأجر الرجال ليتاجروا بمالها في أسواق الشام والحبشة مقابل أجر لهم، ولما سمعت عن شهرة محمد تمنت أن يكون أحد رجالها وكان يومها في الخامسة والعشرين من عمره فعرضت عليه أن يخرج لها في تجارة الى الشام على أن تدفع له أجر رجلين فقبل محمد وخرج في تجارتها ومعه غلامها ميسرة وابتاع واشترى وعادت تجارته رابحة بأكثر مما كانت تتوقع خديجة. وأثنى خادمها على محمد ثناء مستطابا.
وبنظرة متأنية في أمر هذه الرحلة يتضح أنه عليه السلام لم تكن هذه أول رحلة الى الشام بعد رحلته مع عمه أبي طالب، فخبرته بالطريق والمسالك المؤدية الى الشام، وكذلك خبرته بطريقة البيع والشراء التي عليها أهل الشام، وشراؤه السلع من الشام يروج بيعها في مكة كل ذلك يعطينا الحق في أن نقول أن محمدا قد قام بأكثر من رحلة الى الشام قبل رحلة خديجة اكتسب فيها كل هذه الخبرة والمهارة وللأسف لم تسعفنا المصادر التاريخية بشيء من ذلك.
وكانت خديجة في ذلك الوقت أرملة بلا زوج وقد عرض الكثير من أشراف مكة الزواج منها فلم تقبل لأنهم يطمعون في ثرواتها، ولكنها سمعت عن محمد ے من حلو الشمائل وجميل الصفات ومن أغبطها وتأكدت من ذلك بعد أن عمل لها في تجارتها ورأت عن قرب من صفاته أكثر مما سمعت ولم يك إلا رد الطرف حتى انقلبت غبطتها حبا جعلها تفكر في أن تتخذه زوجا، وسرعان ما ظهرت الفكرة الى حيز التنفيذ فعرضت عليه الزواج بواسطة احدى صديقاتها فوافق وتزوج بها وفقا للعادات المتبعة في زواج الشرفاء من أهل مكة حيث تبدأ بخطبة من أهل العريس يوضحون فيها رغبة ابنهم في الزواج من العروس ويسمون المهر فيرد أهل العروس بخطبة أخرى يوافقون فيها ويباركون الزواج.
وتزوج رسول الله , خديجة فولدت له أولاده كلهم ما عدا ابراهيم فإنه من ماريا القبطية ولدت له من الذكور القاسم وبه كان يكنى وعبد الله وهو الملقب بالطيب والطاهر وقيل ان الطيب والطاهر اسمان لولدين آخرين ولكن الأول هو الاشهر كما ولدت له من الإناث زينب ورقية وأم كلثوم وفاطمة.
* نزول الوحي عليه
عن عائشة رضي الله عنها: أن الحارث بن هشام سأل رسول الله : كيف يأتيك الوحي؟ فقال: «أحيانا يأتيني مثل صلصلة الجرس وهو أشده علي فيفصم عني وقد وعيت ما قال، وأحيانا يتمثل لي الملك رجلا يكلمني فأعي ما يقول».
قالت عائشة رضي الله عنها: ولقد رأيته ے ينزل عليه الوحي في اليوم شديد البرد فيفصم عنه، وأن جبينه ليتفصد عرقا.
عن عبادة بن الصامت، قال: كان رسول الله إذا نزل عليه الوحي كربه ذلك وتربد (تعبس) وجهه وفي رواية وأغمض عينيه وكنا نعرف ذلك منه.
وفي الصحيحين من حديث زيد بن ثابت حين نزلت {لا يستوي القاعدون من المؤمنين} (النساء 95) فلما اشتكى ابن أم مكتوم ضرارته نزلت: (غير أولي الضرر) قال: وكانت فخذ رسول الله ے على فخذي وأنا أكتب، فلما نزل الوحي كادت فخذه ترض (تكسر) فخذي.
وفي صحيح مسلم من حديث همام بن يحيى عن عطاء عن يعلى بن أمية، قال: قال لي عمر: أيسرك أن تنظر الى رسول الله ے وهو يوحى إليه؟ فرفع طرف الثوب عن وجهه وهو يوحى إليه بالجعرانة، فإذا هو محمر الوجه، وهو يغط (النخير) كما تغط البكر.
وثبت في الصحيحين من حديث عائشة: لما نزل الحجاب وأن سودة خرجت بعد ذلك الى المناصع ليلا، فقال عمر: قد عرفناك يا سودة، فرجعت الى رسول الله ے فسألته وهو جالس يتعشى والعرق في يده، فأوحى الله إليه والعرق في يده، ثم رفع رأسه فقال «إنه قد اذن لكن ان تخرجن لحاجتكن» فدل هذا على أنه لم يكن الوحي يغيب عنه احساسه بالكلية، بدليل أنه جالس ولم يسقط العرق أيضا من يده، صلوات الله وسلامه دائما عليه.
* في رحاب سيد الخلق ص: رحمته بالخلق
جمع الله سبحانه وتعالى في نبيّه محمد ے صفات الجمال والكمال البشري، وتألقت روحه الطاهرة بعظيم الشمائل والخصال، وكريم الصفات والأفعال، حتى أبهرت سيرته القريب والبعيد، وتملكت هيبته العدوّ والصديق، وقد صوّر لنا هذه المشاعر الصحابي الجليل حسان بن ثابت رضي الله عنه أبلغ تصوير حينما قال:
وأجمل منك لم تر قط عيني وأكمل منك لم تلد النساء
خلقت مبرأ من كل عيب كأنك قد خلقت كما تشاء
فمن سمات الكمال التي تحلى بها ے خلق الرحمة والرأفة بالغير، كيف لا؟ وهو المبعوث رحمة للعالمين، فقد وهبه الله قلبا رحيما، يرقّ للضعيف، ويحن على المسكين، ويعطف على الخلق أجمعين، حتى صارت الرحمة له سجيّة، فشملت الصغير والكبير، والقريب والبعيد، والمؤمن والكافر، فنال بذلك رحمة الله تعالى، فالراحمون يرحمهم الرحمان. وقد تجلت رحمته ے في عدد من المظاهر والمواقف، ومن تلك المواقف.
كان ے يعطف على الأطفال ويرقّ لهم، حتى كان كالوالد لهم، يقبّلهم ويضمّهم، ويلاعبهم ويحنّكهم بالتمر، كما فعل بعبد الله بن الزبير عند ولادته.
وجاءه أعرابي فرآه يُقبّل الحسن بن علي رضي الله عنهما فتعجّب الأعرابي وقال: «تقبلون صبيانكم؟ فما نقبلهم» فرد عليه النبي قائلا: «أو أملك أن نزع الله من قلبك الرحمة؟»
وصلى الرسول مرّة وهو حامل أمامه بنت زينب، فكان إذا سجد وضعها، وإذا قام حملها. وكان إذا دخل في الصلاة فسمع بكاء الصبيّ، أسرع في أدائها وخففها، فعن أبي قتادة عن النبي ے أنه قال: «إني لأقوم في الصلاة أريد أن أطول فيها، فأسمع بكاء الصبي، فأتجوز في صلاتي، كراهية أن أشق على أمّه» رواه البخاري ومسلم.
وكان يحمل الأطفال، ويصبر على أذاهم فعن عائشة أم المؤمنين أنها قالت: «أتى رسول الله ے بصبي، فبال على ثوبه، فدعا بماء، فأتبعه إياه» رواه البخاري.
وكان يحزن لفقد الأطفال، ويصيبه ما يصيب البشر، مع كامل الرضا والتسليم، والصبر والاحتساب، ولما مات حفيده فاضت عيناه، فقال سعد بن عبادة رضي الله عنه: «يا رسول الله ما هذا؟» فقال: «هذه رحمة جعلها الله في قلوب عباده، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء».
The player will show in this paragraph


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.