تتواصل الجهود التركية للوساطة بين سوريا وإسرائيل في رعايتها لمفاوضات غير مباشرة بينهما للتوصل إلى اتفاق قد ينهي الأزمة القائمة ويعيد هضبة الجولان المحتل ويرسم قواعد لعلاقات جديدة بين سوريا وإسرائيل ولبنان. وفي ظل هذه المساعي التركية لتقريب وجهات النظر بين الفرقاء حول أزمة تجاوزت عقدها الرابع يتعزّز الدور الديبلوماسي لدمشق باحتضانها اليوم قمّة رباعية تجمع قادة فرنسا وسوريا وتركيا وقطر للبحث في المفاوضات غير المباشرة بين سوريا وإسرائيل وفي مواضيع إقليمية مستجدّة ومنها أساسا أزمة القوقاز بين القوات الروسية والجورجية والخطة الأمنية التركية المقترحة لمنطقة البحر الأسود حتى يعود لها الأمن. وتكمن أهمية هذه القمّة في هذا الظرف بالذات في عدّة أبعاد هي عودة فرنسا إلى الشرق الأوسط ولعب دور محوري في عملية السلام بين العرب وإسرائيل بعد تعثر المحاولات العديدة في الغرض للولايات المتحدةالأمريكية إضافة إلى انشغال البيت الأبيض في الوقت الراهن بالانتخابات الرئاسية. لقد عاشت دمشق عزلة غربية طويلة نتيجة التزامها بمواقف سياسية معينة. ويرى محللون أن زيارة الرئيس الفرنسي لسوريا تكرّس انتهاء هذه العزلة الديبلوماسية وقد تشكل جسرا لاستئناف الاتصالات بين دمشقوواشنطن. الأمر الذي يراه بعض المراقبين بمثابة الانتصار لمواقف سوريا ودورها الاقليمي في التعاطي مع عديد الأزمات الحادة، دون الانصياع لشروط واشنطن خصوصا فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني والعلاقة الوطيدة القائمة بين دمشق وطهران يضاف إلى ذلك احتضان سوريا قادة عديد الفصائل الفلسطينية المعارضة ودور دمشق في استتباب الأمن والسلام في لبنان. إن هذه القمّة الرباعية لها أكثر من دلالة إذ أنها تعني أن عزلة سوريا على الصعيد الدولي قد انتهت كما أنها فرصة لتعود فرنسا من الباب الكبير إلى المنطقة بعد الفشل الذريع الذي لازم السياسة الأمريكية هناك ثم أن فرنسا تبحث بالتعاون مع تركيا عن دور ما في الأزمة القائمة بين روسيا وجورجيا... قد يمهّد لاحتواء تداعيات حرب خطيرة في القوقاز ثم أن الأمريكيين باعتماد غطاء فرنسي هذه المرة يحاولون وضع استراتيجية تؤمن خروجهم من المنطقة بأقل الأضرار بسبب المشاكل المستعصية التي يواجهونها في العراق ولذلك أوكلوا للفرنسيين تنفيذ هذه المهمة. ولهذه الاعتبارات وغيرها ينتظر العديد من الفاعلين على الساحة الاقليمية ثمارا لهذه القمة ومن أبرزها إحلال السلام في المنطقة حتى وان ظلت المفاوضات بشأنها غير مباشرة وتنسيق المواقف بشأن دور سوري متميز في المنطقة وحصر الخلافات الناتجة عن أزمة القوقاز... والبحث عن مخرج «يليق» بانسحاب قوات الاحتلال من العراق.