بعد إقرار مجلس النواب الأمريكي ما اصطلح على تسميته ب"خطة الإنقاذ المالي" التي اقترحها الرئيس بوش والمتمثلة في تقديم مبلغ 700 مليار دولار لإنعاش السوق المالية في الولاياتالمتحدة شرعت كل من فرنسا وبريطانيا وإيطاليا وألمانيا- الدول الأوروبية الرئيسة في مجموعة الثماني للدول المصنعة- في بحث الأزمة المالية الحالية التي تهدد الاقتصاديات وتلقي بظلال الشك على الأوضاع الاقتصادية العالمية حاضرا ومستقبلا. وإذا كانت معظم البلدان المصنعة تتوقع مصاعب اقتصادية خلال الأشهر القليلة القادمة بفعل نسب التضخم والبطالة المرتفعة فإن هذه الأزمة خلقت مناخا لا بد من التعامل معه على مختلف المستويات ولا يمكن لأي بلد مهما كانت"قوته" الاقتصادية ونفوذه السياسي وهيمنته الثقافية أن يكون بمنأى عن تأثيرات الأزمة وانعكاساتها وهو ما يحتم التنسيق بين مختلف البلدان. ولعل الدرس الرئيسي من هذه الأزمة أن زعيمة الليبيرالية الاقتصادية في العالم لم تتردد في التدخل كدولة في مسائل مالية اقتصادية تفاديا لانهيار كلي للاقتصاد الأمريكي وغيره من الاقتصاديات ولعل ما حصل في أمريكا من تولي دافعي الضرائب إنقاذ السوق المالية من شأنه أن يعيد النظر في دور الدولة كعنصر فعال في النشاط الاقتصادي سواء كمراقب أو حتى كصمام أمان من الهزات والأزمات الاقتصادية. ولا شك أن علماء الاقتصاد سيعيدون النظر في مسائل عديدة قد لا تمس بالضرورة مبادئ الليبيرالية بل بعض التفاصيل عبر إعادة توزيع الأدوار بين الدولة وعناصر الإنتاج وإيجاد سبل لمراقبة السوق المالية حتى لا يتكرر ما حصل مؤخرا. أما الدرس الثاني الذي لم تستوعبه البلدان النامية - مرة أخرى- فيتمثل في تواصل انعدام التنسيق والتضامن فيما بينها سواء على الأصعدة الثنائية أو المتعددة مما يعني بقاءها عرضة للتأثر المباشر بالأزمات الاقتصادية وغياب أية آليات تكون قادرة على الحد منها وإصلاح الأوضاع. سيكون العالم مدينا هذه المرة للمواطن الأمريكي ولضرائبه ولكن حان الوقت لكي تبحث التجمعات الإقليمية عن طوق نجاة في خضم تشابك المصالح الاقتصادية وهيمنة الدولار بالعمل على تعدد الأقطاب الاقتصادية فكما أظهرت التجربة أن العالم خسر الكثير من استقراره بفعل القطب الأحادي فإنه معني بتعدد قواه الاقتصادية حتى لا تبقى جميع "بيضاته" في سلة واحدة حتى وإن كانت أمريكية.