إنتاج الغلال الصيفية ذات النّوى يبلغ 245 ألف طن    فص ثوم واحد كل ليلة يكسبك 5 فوائد صحية    مجاز الباب: الإحتفاظ بمفتش عنه من أجل "سرقة مواشي والاعتداء بالعنف الشديد ومحاولة القتل"    محكمة الاستئناف بالمنستير توضّح بخصوص عدم الاستجابة لطلب القاضي أنس الحمايدي    الاثنين : انطلاق الإكتتاب في القسط الثاني من القرض الرقاعي الوطني    بطولة القسم الوطني "ا" للكرة الطائرة (مرحلة التتويج-الجولة 4): البرنامج    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الأحد 5 ماي 2024    سيدي بوزيد: إحداث أول مخبر بحث عملي بكلية العلوم والتقنيات    أريانة: الكشف عن وفاق إجرامي وحجز كمية من الهيروين وسلاح ناري أثري    رسميا "ناجي جلّول " مرشّح حزب الإئتلاف الوطني للإنتخابات الرئاسية    حقيقة الترفيع في تعريفات الكهرباء و الغاز    كأس تونس لكرة اليد... «كلاسيكو» من نار بين «ليتوال» والترجي    مستقبل سليمان اتحاد بنقردان (0 1) خبرة الضيوف كانت حاسمة    الإدارة الجهوية للتجارة بولاية تونس ترفع 3097 مخالفة خلال 4 أشهر    سهرة تنتهي بجريمة قتل شنيعة في المنزه التاسع..    تفاصيل الاكتتاب في القسط الثاني من القرض الرّقاعي الوطني لسنة 2024    مختصّة في أمراض الشيخوخة تنصح باستشارة أطباء الاختصاص بشأن أدوية علاجات كبار السن    المهدية: الاحتفاظ بشخص محل 15 منشور تفتيش وينشط ضمن شبكة دولية لترويج المخدرات    للمرة ال36 : ريال مدريد بطلا للدوري الإسباني    أمين عام منظمة التعاون الإسلامي يدعو لوقف حرب الإبادة في غزة وحشد الدعم للاعتراف بدولة فلسطين    ظهرت بالحجاب ....شيرين عبد الوهاب تثير الجدل في الكويت    البرازيل: ارتفاع حصيلة ضحايا الفيضانات إلى 58 قتيلا و67 مفقودا    هذه مواعيدها...حملة استثناىية لتلقيح الكلاب و القطط في أريانة    زلزال بقوة 5 درجات يضرب جنوب شرقي البيرو    طقس اليوم الأحد...أجواء ربيعية    جندوبة: إنطلاق عملية التنظيف الآلي واليدوي لشواطىء طبرقة    جامعة الثانوي تدعو الى وقفة احتجاجية    نتائج الدورة 28 لجوائز الكومار الادبي    لتحقيق الاكتفاء الذاتي: متابعة تجربة نموذجية لإكثار صنف معيّن من الحبوب    الرابطة المحترفة الثانية : نتائج مباريات الدفعة الأولى للجولة الحادية والعشرين..    هند صبري مع ابنتها على ''تيك توك''    شيرين تنهار بالبكاء في حفل ضخم    تونس العاصمة : الإحتفاظ بعنصر إجرامي وحجز آلات إلكترونية محل سرقة    انتخابات الجامعة:إسقاط قائمتي التلمساني و بن تقية    غدًا الأحد: الدخول مجاني للمتاحف والمعالم الأثرية    روسيا تُدرج الرئيس الأوكراني على لائحة المطلوبين لديها    4 ماي اليوم العالمي لرجال الإطفاء.    تمّ التحوّز عليه منذ حوالي 8 سنوات: إخلاء مقر المركب الشبابي بالمرسى    صفاقس :ندوة عنوانها "اسرائيل في قفص الاتهام امام القضاء الدولي    عروضه العالمية تلقي نجاحا كبيرا: فيلم "Back to Black في قاعات السينما التونسية    منع مخابز بهذه الجهة من التزوّد بالفارينة    لهذا السبب.. كندا تشدد قيود استيراد الماشية الأميركية    عاجل/ القبض على شاب شوّه وجه عضو مجلس محلي بهذه الحهة    14 قتيلا جراء فيضانات... التفاصيل    "سينما تدور".. اول قاعة متجوّلة في تونس والانطلاق بهذه الولاية    التوقعات الجوية لليوم    فتحي عبدالوهاب يصف ياسمين عبدالعزيز ب"طفلة".. وهي ترد: "أخويا والله"    قتلى ومفقودون في البرازيل جراء الأمطار الغزيرة    نتائج قرعة الدورين ثمن وربع النهائي لكاس تونس لكرة القدم    كأس تونس لكرة القدم- الدور ثمن النهائي- : قوافل قفصة - الملعب التونسي- تصريحات المدربين حمادي الدو و اسكندر القصري    رئيس اللجنة العلمية للتلقيح: لا خطر البتة على الملقحين التونسيين بلقاح "أسترازينيكا"    القصرين: اضاحي العيد المتوفرة كافية لتغطية حاجيات الجهة رغم تراجعها (رئيس دائرة الإنتاج الحيواني)    المدير العام للديوانة يتفقّد سير عمل المصالح الديوانية ببنزرت    مواطنة من قارة آسيا تُعلن إسلامها أمام سماحة مفتي الجمهورية    خطبة الجمعة ..وقفات إيمانية مع قصة لوط عليه السلام في مقاومة الفواحش    ملف الأسبوع .. النفاق في الإسلام ..أنواعه وعلاماته وعقابه في الآخرة !    العمل شرف وعبادة    موعد عيد الإضحى لسنة 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



باراك أوباما صانع أم صنيعة؟(1 / 3)
ينصب بعد أيام: بقلم:سالم حداد
نشر في الشعب يوم 10 - 01 - 2009

اهتمام العالم بالانتخابات الامريكية لماذا؟
كان العالم ومازال مشدودا الى الولايات المتحدة، فمع الانتخابات كان ينتظر معجزة انتخاب رجل ملون، اما بعدها فهو ينتظر حكمته في تجاوز تركة سلفه. وقد اختلفت الآراء وتعددت المواقف حول شخصية أوباما. ويمكن اختزالها في تساؤلين: هل هو ظاهرة ام استثناء؟ وبتعبير اخر هل هو حصيلة لتطور نوعي لوعي المجتمع الامريكي؟ هل بلغ من النضج ما جعله نموذجا للتعايش والتسامح واتاحة الفرص السياسية والاقتصادية والعلمية للجميع؟ فسقط لديه الميز العنصري وصار الاعتبار الاول في المواطنة للكفاءة لا للجنس ولا للون ولا للدين؟ ام ان أوباما شخصية مسقطة فرضته الظروف المحلية والعالمية وجاءت به القوى النافذة عساه ينقذ السفينة الامريكية المهددة بالغرق بعد ان اضاع ربانها البوصلة، وقد تقذف به مع اول تيار عندما تلوح لها اشعة شاطئ السلامة؟
وبتعبير أوضح وأدق من الذي جاء بأوباما هل هم المواطنون الامريكان بمختلف اعراقهم وألوانهم وأديانهم واعمارهم الذين ضجوا من الضرائب ورفضوا شن الحرب على العراق ونددوا بسياسة الهيمنة التي لم تنتج سوى المزيد من الموتى والجرحى والدمار والمعتوهين ام اصحاب الفعاليات السياسية والاقتصادية والاعلامية الذين يحاولون ان ينقذوا مصالحهم المهددة بالضياع بعد ان زعزعت الازمة المالية بنية نظامهم المالي ولطخت سياسة بوش سمعة بلادهم فصاروا يتساءلون لماذا يكرهنا العالم؟
ويعود اهتمام العالم بهذه الانتخابات الى عدة عوامل منها:
1 فاعلية امريكا كقطب أحادي، صار يتحكم في مقدرات العالم اقتصاديا وسياسيا وثقافيا فالتحولات التي ستحدث فيها ستكون لها تداعياتها السلبية او الايجابية فيه.
2 القلق الذي كان سائدا خلال 8 سنوات نتيجة لجنون كاليغولا العصر، الذي لم يكن كارثة على العالم فحسب بل على بني قومه ايضا، فقد دفع بما لا يقل عن 200 ألف من الجنود في حروب مدمرة بالعراق وافغانستان لم تجن من ورائها الانسانية غير الدماء والدموع والتشرد والفوضى والدمار والرعب.
3 احساس البشرية بأن انتخاب رجل ملون، ذاق مرارة الحرمان وتجرع طعم الميز العنصري سيعطي دفعا جديدا للديمقراطية ولحقوق الانسان وقد يساعد على التخفيف من معاناة الشعوب الفقيرة والمضطهدة.
وكنت من بين ملايين البشر الذين تابعوا بشغف حملة الانتخابات الامريكية الى درجة الادمان؟ وكانت الاغلبية الساحقة من البشرية تتساءل بقلق: هل ستتحقق المعجزة؟ هل يستوطن الرجل الاسود البيت الابيض؟ هل سيستطيع التوق الى التحرر لدى الشرائح المستضعفة من الاقليات والنساء والشباب والمهمّشين ان يتغلب على القبضة الحديدية لمجموعة اللوبيات من المحافظين والانجيليين والصهاينة والشركات الاحتكارية التي حولت الشعب الامريكي الى ارض محتلة مسلوبة الارادة عديمة الفعل؟ هل تسقط مقولات ثقافة التفوق العنصري لدى البيض؟ هل تجاوز هؤلاء عقدة الحرب الاهلية فيقبلوا بحكم رجل هجين ملون؟ هل ستتنفس البشرية الصعداء بعد ان حبست انفاسها مدة ثماني سنوات؟
تلك هي بعض التساؤلات التي خامرت البشرية في هذه اللحظة التاريخية، غير اني وان كنت اشاطر هؤلاء في هذه التساؤلات الا اني أتمايز عنهم ولعلي اشترك في هذا التمايز مع الالاف حيث كنت اعيش صراعا بين قلبي وعقلي: فقلبي مع باراك وعقلي مع ماكاين لماذا؟ أليس هذا أمرا مستغربا؟
اشكالية المترشحين
1 قلبي مع أوباما رمز القيم الانسانية
نعم كنت أتعاطف مع أوباما كما تعاطفت معه سائر الشعوب في العالم وكما تعاطف مع الشباب والمهمّشون والاقليات والنساء في امريكا، فقد صار رمزا لمجموعة من القيم:
أ قيم الانسان المريد الفاعل الذي كسر طموحه طوق الثقافة العنصرية والطبقية والفوارق العرقية والدينية وارتقى في السلم الاجتماعي من طبقة المسحوقين الملونين الى قمة الهرم السياسي في اكبر دولة في العالم.
ب قيم الديمقراطية التي ما لبث أوباما يؤكد تشبثه بها كآلية من آليات التغيير السلمي، تنزل الفرد المنزلة الانسانية التي هو جدير بها، وأعطت الثقة بالنفس لملايين الشباب بأن التغيير ممكن اذا توفرت الارادة الحرة الصادقة.
ج قيم احترام الانسان التي تمكن من التعايش بين بني البشر مهما تباينت اجناسهم وتنوعت اديانهم واختلفت ثقافاتهم وتتنافى مع ممارسات ادارة بوش الذي اقر التنصت على المواطنين الامريكان ومراقبة ملفاتهم السرية وسمح بتعذيب الابرياء في «غوانتنامو وأبو غريب» والاساءة الى الذات الانسانية.
د قيم التحدي: تحدي كل اشكال الهيمنة، هيمنة البيض على الملونين، هيمنة الرأسمالية المتوحشة على المسحوقين، هيمنة اصحاب الشركات العملاقة على الاقتصاديات الوطنية لشعوب العالم الثالث واخيرا هيمنة امريكا كقطب صار أحاديا على العالم.
تلك هي القيم التي شدتني الى أوباما غير ان شكّي في قدرته على اختراق الحصون المنيعة التي أحكمت اقامتها اللوبيات لحماية مصالحها في امريكا وفي العالم، جعلني افضل نجاح جون ماكاين، فبقدر ما سيلعب الاول دورا فاعلا في انقاذ النظام الامريكي وفي تلميع صورته بسواد بشرته، فسيكون الثاني الاقدر على استنزافه وتهرئته. وهذا ما جعلني اقول ان عقلي مع ماكاين. ففيم تتجلى هذه التهرئة؟
2 عقلي مع جون ماكاين رمز تواصل سياسة الهيمنة
ان جون ما كاين هو رمز تواصل الهيمنة ويمثل استمرارية نهج بوش داخليا وخارجيا: فعلى المستوى الداخلي ستتواصل سيطرة اللوبيات على مراكز النفوذ الاقتصادية والسياسية على المجتمع الامريكي ومن ابرزها: المؤسسات المالية العملاقة والمحافظون الجدد والانجيليون والصهاينة. وفي استمرارية السيطرة استمرارية الصراع. وقد بدأت هذه السياسة تفرز نتائجها الكارثية فتعددت الازمات الاقتصادية والاجتماعية واحتدت وبلغت اوجها مع الازمة المالية الحالية التي تحولت الى سونامي يهدد كل الاقتصاد الامريكي. اما على المستوى العالمي اخذت المقاومة بكل اشكالها العسكرية والاجتماعية والاقتصادية في التوسع والانتشار، من العراق الى افغانستان الى باكستان الى الصومال الى امريكا الجنوبية الى استيقاظ الدب الروسي. وليس من المستبعد ان يفضي تواصل الازمات الداخلية والخارجية الى خلخلة أركان هذا القطب الاحادي.
فلا تحول حقيقي في امريكا وفي العالم الا بعد افلاس النظام المالي الذي قامت عليه الليبرالية الجديدة. وسيقع لها ما وقع لحليفتيها انلترا سيدة البحار ولفرنسا وريثة الامبراطورية الرومانية، فقد انزاحتا عن قيادة العالم بعد ان أنهكتهما الازمات الداخلية وحروب حركات التحرر في افريقيا وآسيا وامريكا اللاتينية. ان الحل يكمن في افلاس النظام الرأسمالي ولن يكون ذلك ممكنا الا باهتزاز أسسه. وهذا ما يمكن ان تصل اليه امريكا مع استمرار سياسة الهيمنة على العالم مع ما كاين. لكن ماذا سيحدث وقد نجح أوباما، فالى اي مدى سيكون قادرا على تجسيم الشعارات التي رفعها في حملته الانتخابية؟ هل باستطاعته ان يفعل في الواقع وان يغيره لصالح الشرائح التي استماتت في الدفاع عنه؟ هل يمكن ان يرفع الكابوس الذي خيم على الانسانية طيلة حكم سلفه؟
أوباما الخلفية والمستقبل
1 الخلفية
حتى نستشرف المستقبل لابد ان نعرف ما هي معطيات الواقع الراهن: كيف كان؟ كيف تطور؟ ما هي اليات تحركه؟
اعتاد الامريكان ألا يساهموا في الانتخابات الا بنسب محدودة تكاد تنحصر في المنتمين للأحزاب السياسية والمتقدمين في السن وتكون نتائج التصويت متقاربة جدا، اما الشرائح الاخرى من المستضعفين والملونين فانهم لا يأبهون بها بل يعتبرونها عبثية لانهم لا يثقون بجدواها، فهي تدور بين حزبين لا يختلفان كثيرا في البنية والانتماء الاجتماعي والرؤى السياسية والاقتصادية، ويكاد الخلاف ينحصر في الاولويات، فمن المعروف ان الديمقراطيين يعطون الاهمية الاولى في برامجهم لتحسين الاوضاع الاقتصادية داخل الولايات المتحدة وهذا ما فعله كلينتون الديمقراطي، اما الجمهوريون فانهم يركزون على السياسة الخارجية فيعملون على توسيع النفوذ الامريكي في الخارج لتحقيق مصالح امريكا في الداخل، وهذا ما قام به بوش الجمهوري عندما شن حربين خلال رئاسته: الاولى ثأرية ضد افغانستان التي أبت تسليم ابن لادن المسؤول عن هجوم 11 سبتمبر والثانية استباقية ضد العراق الذي اتهم بامتلاك اسلحة نووية، وكان يهدد بشن حرب ثالثة وقائية على ايران.
وكانت الانتخابات الاخيرة هي المرة الاولى التي يساهم فيها المواطنون بمختلف شرائحهم بكثافة بلغت لأول مرة في تاريخ امريكا 66 فترشح أوباما هذا الرجل الاسود الذي تعود جذوره الى افريقيا السوداء والذي لا ينتمي لا للوبيات ولا لمراكز القوى السياسية والعسكرية والاقتصادية ولا للعائلات الارستقراطية شجع مختلف الشرائح الاجتماعية على دعمه، وهي تأمل ان تجد فيها الزعيم السياسي الصادق معها والقادر على تغيير اوضاعها. لكن السؤال المطروح هل سيكون الدعم الشعبي الذي حظي به اثناء الانتخابات كافيا لتمكينه من حرية اتخاذ القرار بعيدا عن تأثير اللوبيات، وبالتالي هل يستطيع هذا الرئيس الرمز ان ينجز التغيير الذي وعد به؟
ان فوز أوباما على منافسه بفارق كبير في الاصوات جعل المتابعين يطرحون عدة تساؤلات اخرى تتعلق بالقوى المساندة له والممولة لحملته الانتخابية وبفاعليتها في القرارات السياسية التي سيتخذها في البيت الابيض؟ وبتعبير اوضح هل هو صانع للحدث الانتخابي ام صنيعة للقوى التي صنعته؟ اذا كان صانعا فانه سيحاول ان يكون فاعلا في الاحداث، حرا في اتخاذ القرارات، ومع ذلك فلن تكون مهمته سهلة، فسيصطدم من اول يوم بمراكز القوى واللوبيات التي ستتشبت بمواقعها وتتمسك بمصالحها وتحول بينه وبين اي اصلاح حقيقي وبالتالي لن يكون قادرا على تحقيق الآمال التي تعلقها عليه الانسانية.
واذا كان صنيعة فلن يكون بإمكانه ان يتمرد على مراكز القوى التي صنعته، وبذلك لن يكون أوباما رمزا للتغير بل ستصدق فيه مقولة احد المعلقين «انه رجل أبيض بلون أسود». وهناك اكثر من مؤشر يؤكد ذلك منها:

أ انحياز الجماعات المالية والاعلامية اليه ودعمها لحملته الانتخابية.
ب السهولة التي أزاح بها منافسته هيلاري كلينتون رغم شعبيتها وخبرتها وامكانياتها المادية ثم فوزه على خصمه ماكيين بفارق لم يكن متوقعا.
د ان المبالغ الباهضة التي أنفقت على الحملة الانتخابية والتي ظهرت في اللحظات الاخيرة من هذه الحملة، لم تكن في مجملها من جيوب الشرائح الاجتماعية المتوسطة والضعيفة بل ان جزءا مهما جاء من الجماعات النافذة في امريكا.
ه تعيينه لرام عمانويل سليل الارهابي بنيامين في عصابة أرجون الذي انضم اليه بعد ان أزاح هيلاري كلينتون من السباق وأيقن من نجاحه فامتطى القطار وقد أوشك ان يصل الى محطته الاخيرة.
ان هذه المؤشرات وان لم تكن عناصر حاسمة في الحكم على مستقبل أوباما فانها تدل على انه لن يكون مطلق اليدين في اتخاذ القرارات الشائكة ولكنه في نفس الوقت يتمتع باستقلالية غير مسبوقة لمحدودية اسهام اللوبيات في تمويل حملته.
2 الرهانات المستقبلية
في تقديري ان أوباما سيجد نفسه امام خيارين لا ثالث لهما:
أ مواجهة مراكز القوى التقليدية
كثيرا ما وقع تشبيه الشعب الامريكي بأنه ارض محتلة لمجموعة من القوى النافذة التي سلطت عليه قبضتها الحديدية منذ زمن بعيد، وهي الشركات الاقتصادية العملاقة العابرة للقارات، اللوبي الصهيوني، الانجيليون والمحافظون الجدد وغيرهم. وليس من السهل على أوباما مجابهة هذه القوى أو زحزحتها عن مواقعها، لذا لا اعتقد انه سيغامر بمجابهتها لان نهايته سوف لن تكون افضل من كينيدي او لوثر كينج.
ب العمل ضمن استراتيجية هذه القوى من الاكيد ان هذه القوى أدركت انها لا يمكن ان تراهن على جون ماكيين فهو نسخة اخرى مشوهة لبوش الابن، فقد انتهت ولايته بإفلاس مالي وفشل عسكري او على الاقل انه لم يستطع ان يحقق اي هدف من الاهداف التي اعلنها رغم مرور دورتين على حكمه، فالحرب في العراق وفي افغانستان مازالت متواصلة، والشرق الاوسط الكبير تبخر، ومشروع الدولتين في فلسطين بقي حبرا على ورق، وايران ازدادت اصرارا على انجاز مشروعها النووي، وسوريا أفلتت من تهمة الدولة المارقة، وحزب الله احتفظ بسلاحه وفك الحصار السياسي الذي ضرب حولها.
ونجاحه الوحيد كان في زرع الفوضى في العراق وتقسيمه الى طوائف والاستيلاء على ثروته النفطية، لكن من الاكيد ان العراق سيسترجع عافيته وهو القطر الذي تجرع عبر التاريخ أقسى المآسي والمحن وخرج منها سليما واشد صلابة.
نتيجة لهذه القناعة غيرت هذه القوى خيارها نحو أوباما لعلها تجد فيه الرجل الذي سينقذ امريكا من ازماتها الداخلية والخارجية وبذلك ارتدت قناعا جديدا وهي تأمل ان تعطي لنفسها وللنظام الامريكي جرعة جديدة اكثر انسانية، لكن دون ان تغير اهدافها الاستراتيجية. فكيف سيتعاطى معها الرئيس الجديد؟
حتى نتبين ذلك لابد من التعرف على اهم الملفات التي تنتظر الرئيس الجديد. ويمكن الاشارة الى ابرزها: الازمة المالية، الحرب ضد الارهاب في افغانستان وفي العراق وفي العالم، العلاقات مع ايران، القضية الفلسطينية، يقظة الدب الابيض والتسلح الايراني، الحروب الاهلية في افريقيا وغيرها، الديمقراطية والحريات وحقوق الانسان في العالم. كلها قضايا تعاملت ادارة بوش ولم تنجح في اية واحدة منها. وسأحاول ان أرسم تصورا لتعامل أوباما مع البعض القضايا الساخنة في المستقبل المنظور.
رابعا الملفات المنتظرة
1 الملف الاقتصادي
تحتل المسألة الاقتصادية وبالتحديد الازمة المالية مقدمة سلّم اهتمامات المواطن الامريكي، وهي التي غيرت الموازين الانتخابية لصالح أوباما، فقد بدأت بالقطاع العقاري ثم تحولت الى القطاع البنكي وها هي تصل اليوم الى القطاع الصناعي وخاصة قطاع السيارات الذي سرح الاف العمال. والاقتصاديون يؤكدون ان الازمة مرشحة لمزيد من التداعيات الخطيرة مثل الكساد المالي وافلاس المؤسسات وتضخم سوق البطالة حيث بلغت نسبتها 5،6 ووصل عدد الفقراء الى حدود 36 مليون، ولا يتوقعون ان تجد هذه المعضلة حلا في المستقبل المنظور فهي تتطلب حيزا زمنيا ليس من السهل تحديده، تقع فيه مراجعة شاملة قد تصل الى اعادة النظر في اسس النظام الرأسمالي والياته، ولا يمكن التفكير في حل لهذه الازمة الا باللجوء الى أمرين:
أ اعادة الاعتبار لدور الدولة كأداة للرقابة ولتحقيق التوازنات الاقتصادية والاجتماعية.
ب تقليص الفوائد الى درجة قد تصل الى الصفر لكن الإشكال الصعب هو: الى اي مدى ستقبل المؤسسات المالية التي انشأت ونمت وانتعشت وكدست الارباح في ظل الاسواق الحرة والمضاربات المالية الحلول الجذرية التي ينادي بها الخبراء؟ هل يمكن ان تنقلب الصقور الكاسرة الى حمائم وديعة؟
في اعتقادي ان ذلك لن يكون أمرا يسيرا، لانه يتناقض مع جوهر الخيار الليبرالي من ناحية ومع نهم المرابين من ناحية اخرى، فالنظام في امريكا مجموعة من المنظومات المتكاملة يسند بعضها بعضا، فاذا تعطبت واحدة تداعت البقية للسقوط، ومن الاكيد ان افلاس المؤسسات المالية سيؤثر على مجمل الحياة الاقتصادية والاجتماعية في الولايات المتحدة. لذا لا ننتظر ان يأتي أوباما بحلول سحرية تنقذ المؤسسات المالية. غير انه قد يوفق الى التخفيف من هذه الازمة عن طريق الاستفادة من ودائع الدول الخليجية او توريطها في صفقات تجارية تقتني بمقتضاها اسلحة بدعوى حماية امنها الذي تهدده ايران، وقد يتمكن ايضا من سن بعض القوانين المتعلقة بالتغطية الاجتماعية التي سيستفيد منها المستضعفون بمختلف شرائحهم واعراقهم وهم الذين اوصلوه الى البيت الابيض، وقد يحدث ايضا بعض المشاريع التي تستوعب جزءا من اليد العاملة التي وقع تسريحها بعد افلاس مؤسساتها وهو ما لبث يلوح بإنشاء المزيد من الطرقات والجسور لتشغيل اليد العاملة.
ومع كل الصعوبات التي سيواجهها الاقتصاد الامريكي فلا اعتقد ان امريكا مهددة بإفلاس قد ينزل بها الى الهبوط لمرتبة دولة من العالم الثالث، فاقتصادها سيبقى من اقوى الاقتصاديات العالمية، وليس هناك اية دولة يمكن ان تأخذ مكانها في الوقت الراهن رغم بروز عدة دول بدأت تزاحم الامريكان حتى في مناطق نفوذهم التقليدي مثل المانيا واليابان والصين والبرازيل والهند وروسيا.
ونتيجة لتضاؤل المكانة الاقتصادية للولايات المتحدة فانها مكانتها السياسية ستتقلص، وبالتالي فان سياسة القطب الواحد ستنهار، كما انهارت قبلها الثنائية القطبية، لتفسح المجال لظهور تعدد الاقطاب. ويبدو ان الادارة الجديدة بدأت تدرك هذه الحقيقة فأخذت تلوّح بضرورة التعاون بين الدول لحل المشاكل الحساسة لان سياسة التفرد لم تجلب لأمريكا الا الازمات السياسية والاقتصادية.
2 الملفات السياسة
أخذت الملفات السياسية حيزا مهما من الحملة الانتخابية، فسياسة بوش الخارجية زادت في تلويث صورة امريكا في العالم بالاضافة الى انعكاساتها على المواطن الامريكي سواء على مستوى الضحايا البشرية في جبهات الحروب او على مستوى الضرائب التي يدفعها لتسديد نفقات الحرب. ولم يتحول اهتمام الرأي الامريكي عن الملفات السياسية الا بعد بروز الازمة المالية، فتضاعفت النقمة على بوش وعلى ظله ماكاين. ويمكن الاشارة الى البعض منها.
أ الاستراتيجية الامريكية
منذ الحرب العالمية الاولى اقتحمت امريكا الصراعات الدولية بعد ان كانت منكفئة على نفسها، وقد أزاحت فرنسا وأنلترا عن قيادة العالم ثم توغلت في اوروبا الشرقية ومنطقة القوقاز بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، واخيرا اخذت على عاتقها تصفية جيوب المقاومة. وقد قامت استراتيجيتها على ثلاثة عناصر: تحويل امريكا الى قوة مركزية في العالم، تدعيم نفوذها الاقتصادي والسياسي وامتلاك أكبر قوة عسكرية في العالم تحافظ بها على مصالحها وهيبتها. ولا اعتقد ان أوباما يريد او يستطيع حتى ولو أراد، ان يغير من هذه الاستراتيجية لأنها مرتبطة ارتباطا عضويا باقتصاد امريكا وامنها، واهم اشكالية سيواجهها أوباما هي كيف سيوفق بين وطنيته وبين انسانيته، فالالتزام الوطني يقتضي ان يثبت للأمريكان انه لا يقل وطنية عن اي رئيس من الرؤساء السابقين (عددهم 33) فعليه ان يحافظ على مكانة امريكا وهيبتها ومصالحها بقطع النظر عن اخلاقية القيم والمبادئ التي تنهض عليها السياسة الامريكية فهي تقوم على الاستغلال والهيمنة ودعم الحكام على حساب طموحات شعوبهم في العدالة والحرية. اما المنزع الانساني فيحتم عليه ان يتخلى عن العديد من التوجهات الامريكية على الصعيد السياسي والعسكري والاقتصادي وان يستجيب لنداءات السلام والعدالة والرفاه وان يتعاطى مع الشعوب ومنظماتها الشعبية والانسانية. وقد حاول بوش ان يوهم العالم بهذا التوجه الجديد، غير ان البشرية لم تجن من سياسته غير الفوضى والدمار والرعب.
في اعتقادي ان هامش حرية الاختيار بين هذين التوجهين سوف لن تكون كبيرة فكل ما سيفعله انه سيتوخى تكتيكا جديدا يسمح له بتغيير قطع رقعة الشطرنج عن مواقعها، دون ان يغير من استراتيجية اللعبة. فأين سيتجلى ذلك؟
ب الملف الايراني
لم تكن كل الاوساط الامريكية معادية للنظام الايراني، فهناك من يعتقد ان التعاون معه ممكن، فكما وقع احتواء ايران قبل الثورة فلماذا لا يقع احتواؤها او على الاقل التعاون معها بعد قيامها. فالنظام الايراني يحتوي على اكثر من جناح، فهناك المحافظون وهناك المعتدلون الذين لا يرفضون التعاون مع الغرب عموما والامريكان خصوصا، فالشعارات التي يرفعها الطرف الايراني «امريكا الشيطان الأكبر» او الطرف الامريكي «ايران دولة مارقة تساند الارهاب» هي شعارات سياسية هدفها الاستهلاك المحلي. والواقع غير ذلك، فهناك تعاون قائم بين امريكا والنظام الايراني برزت نتائجه في غزو أفغانستان وفي غزو العراق، فأنصارها في بلاد الرافدين رحبوا بالغزاة وسهلوا مهمتهم وقبلوا بتكوين حكومة وبرلمان ومؤسسة أمنية وعسكرية تحت الاحتلال، وكذلك فعل انصارها في شمال افغانستان، بل ان احمدي نجاد نفسه يحبذ التواصل مع الادارة الامريكية اذا احترمت ارادة الشعب الايراني. اما التسلح النووي بالاضافة الى انه ما زال بعيد المنال فهو لا يشكل اي خطر على السلم العالمي. وقد أعطته اطراف الصراع حجما اكثر مما يستحق، فالكيان الصهيوني يريد ان يصور نفسه ضحية مستقبلية لهذا التسلح وان يوجد مبررا لشن هجوم وقائي حتى يحتفظ بتفوقه العسكري على كامل المنطقة. كذلك فعلت ادارة بوش التي كانت تهدف الى زرع الرعب داخل أنظمة الدول المجاورة فتضطرهم الى طلب حمايتها والى المزيد من التسلح.
اما النظام الايراني فهو يستفيد ايضا من الحملات المضادة لدعم شعبيته.
لكن لابد ان نلاحظ ان التعاون بين امريكا وايران يقف عند الحدود التي تنتهي فيها مصلحة الطرفين، وبهذا يمكن ان نفسر التجاذبات التي تحدث على الساحة العراقية، فالاهداف المشتركة هي مراكز التقاطع، وبعدها يبدأ التناقض. فإسقاط نظام صدام حسين كان هدفا مشتركا، اما تقاسم الغنائم فهي ميدان فسيح للتنافس. وباختصار شديد فان التعاون بين ايران والولايات المتحدة ممكن في حدود مصلحة البلدين، ضمن هذه الرؤية تتنزل رؤية أوباما للتعاون مع ايران لحل المشاكل المستعصية عن طريق التفاوض، وهذا ما سيقوم به قبل ان يسحب جيوشه من العراق.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.