ماذا لو ساتجاب احد وبعض الشبان المتحمسين لدعوة احد علماء المسلمين بقتل اصحاب الفضائيات الخليعة التي يعرف القاصي والداني مالكيها واغلبهم من اصحاب الجاه والنفوذ وكيف سيكون موقف صاحب الفتوى انذاك وهل سيدينه ام سيتولى البحث عن مبررات للدفاع عنه؟ وماذا لو استجابت بعض المتدينات المتشددات للفتوى السابقة المتعلقة بارضاع الكبير فهل ستتحول كل المكاتب والادارات الى "محاضن للكبار"؟ التساؤلات وما يرافقها من نقاط استفهام لا تتوقف عند هذا الحد وهي وان كانت تبدو غريبة في ظاهرها فانها قد لاتقل غرابة عن الفتاوى التي بات الكثير من علماء الدين والايمة والمشايخ يتنافسون في اصدارها قبل ان يعودوا للتراجع عنها متخفين حول ما تعرضت له اقوالهم من سوء فهم او تشويه او تزييف... ولعل من شاء ان يحاول احصاء قائمة الفتاوى المسجلة خلال الاشهر القليلة الماضية سيجد صعوبة في القيام بذلك امام تواترالاجتهادات لاصدار الفتاوى في مختلف مجالات الحياة حتى انها باتت مصدر احراج علني لعديد الاوساط الرسمية التي غالبا ما تجد نفسها امام الامر الواقع بعد ن تجازوتها الاحداث فلا هي قادرة على التاكيد ولاهي قادرة على النفي لا سيما بالنظر الى موقع ومكانة رجال الدين المؤثرين في عديد الاوساط الاجتماعية المتشددة وليس المحافظة اذ بين التشدد والمحافظة درجات تفصل بينهما واذا كانت المحافظة من الخصوصيات المطلوبة في المجتمعات العربية والاسلامية من اجل الحفاظ على الهوية ومواكبة العصر دون افراط او تفريط فان التشدد الذي يصل حد التطرف المنبوذ يظل عكس ذلك ويبقى عنوان الشذوذ والانغلاق... ان نظرة سريعة على بعض تلك الفتاوى من شانها ان تعكس الكثير عن واقع جزء لا يستهان به من المجتمعات العربية والاسلامية وعقلية الكهوف والعمائم عندما تغرق في اجتهادات لا تقدم ولكنها تؤخر بالتاكيد واقع مجتمعاتها المتردي اصلا بسبب الصدا الذي يحيط بعجلة التقدم والنمو فيها وبعد ما سلف ذكره من فتاوى تاتي فتوى حظر بيع القطط والكلاب بدعوى لجوء بعض الشباب اليها للتودد الى الفتيات ومضايقتهن وفتوى التبرك ببول الرسول وفتوى قتل ميكي ماوس بدعوى ان الفئران كائنات مؤذية تستحق القتل وفتوى زواج ابنة التسع سنوات بدعوى الاقتداء بالرسول وبعد الفتوى القائلة بتحريم المسلسلات التركية واعتبار من يتابعها يحارب الله والرسول صدرت قبل ساعات فتوى جديدة لن تكون بالتاكيد الاخيرة وتدعو النساء الى ارتداء نقاب لا يظهر سوى عين واحدة بدعوى ان اظهار المراة لعينيها الاثنتين قد يشجعها عل تزيينهما وربما كان اجدر باصحاب هذه الفتاوى ان يدعوا بدلا من ذلك ان تغمض المراة عينيها الاثنتين وان تعمد الى استئجار مساعد لها من احدى الدول الاسيوية يتولى توجيهها كما توجه البعير لقضاء شؤونها اليومية تماما كما يتولى قيادة سيارتها ومساعدتها وابنائها في تنقلاتهم اليومية ... والحقيقة ايضا ان التنافس القائم منذ فترة على الفتاوى المثيرة في ابعادها واهدافها بات على اشده والاكثر من ذلك انه لا تكاد تهدا ضجة بشان احدى هذه الفتاوى حتى تبدا اخرى اكثر شراسة لتجد طريقها بسرعة مذهلة الى مختلف المحطات الاعلامية الغربية التي تتلقفها بشغف كبير ونهم لا حد له وكانها كانت تنتظر صدورها لتبدا معها رحلة البحث عن مفهوم وتاثير تلك الفتاوى في المجتمعات الاسلامية ولاسيما الفئات الشبابية منها ومدى ارتباطها بموجة التطرف والعنف والانغلاق فيها.طبعا لا احد بامكانه ان ينكر او يقلل من اهمية الاجتهاد الايجابي في حياة الشعوب فالاجتهاد امرمطلوب واساسي ولاغنى عنه لتحقيق تقدم الشعوب وتجاوز حدود الافكار البائدة التي لا يمكنها ان تنبت عشبا صالحا او فكرا نيرا او جيلا مسؤولا يبحث عن تطوير ذاته والالتحاق بركب الدول المتقدمة في علومها واكتشافاتها التي اهلتها لاكتساح العالم وكسب احترام وتبجيل الاخرين بمعنى كل انواع الاجتهاد الذي يجنب اسباب الفتنة المجانية المدمرة لوحدة الشعوب وهو ما يمكن ان يتحقق بوجود مرجعية اسلامية واضحة وموحدة وليس بوجود فتاوى يصدرها كل من هب ودب بدعوى الدفاع عن الاسلام. ربما تناسى الذين اهدروا الفار "ميكي ماوس" الكارتوني ان الذين ابتدعوا تلك االصور قبل ثمانين عاما والتي امتعت ولاتزال اجيالا متعاقبة من الاطفال والشباب قد ابتدعوها لاطفال غير اطفالنا ولمجتمعات وعقول غير مجتمعاتنا ولكننا مع ذلك اقبلنا عليها بشغف وقد لا نجد لها بديلا مماثلا حتى الان. من المؤسف جدا ان يجد المشائخ الموقرين واصحاب الفتاوى الوقت لمتابعة اخبار المسلسلات التركية واخبار التنجيم والسحربل وحتى اخبار الصور المتحركة ليصدروا بشانها الفتاوي والمواقف ولا تصلهم في المقابل اخبار ما يحدث من جرائم وانتهاكات وفساد في العراق وفلسطين وغيرها ايضا ولا نسمع لهم في ذلك فتوى تذكر تحرم اقتتال الاخوة وتمنع اسباب الفتنة والانقسام والاختلافات الطائفية وغيرها من اسباب انتشار الفقر والخصاصة والتخلف والجهل والكسل التي افردت لها الشريعة الاسلامية من الاحكام الواضحة ما لا يدعو لغموض واختلاط الامور ولايجعل الاسلام والمسلمين موضع سخرية واستهزاء من الاخرين...