رئيس إتحاد الفلاحة: أسعار الأضاحي 'معقولة'    تظاهرة التراث الثقافي بحاجب العيون في دورته ال 14 «تراثنا رؤية تتغير ... تشريعات تواكب»    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    شبهة فساد بال'ستاغ': الاحتفاظ بمعتمد واطار بنكي بهذه الولاية    عاجل : مسيرة للمطالبة بإيجاد حلول نهائية للمهاجرين الأفارقة من جنوب الصحراء    قراءة في أعمال ومحامل تشكيلية على هامش معرض «عوالم فنون» بصالون الرواق .. لوحات من ارهاصات الروح وفنطازيا الأنامل الساخنة    الدورة 6 لمهرجان «تريتونيس» بدقاش ..خيمة للإبداع وورشات ومعارض وندوة علمية وكرنفال    سبيطلة : القبض على مجرمين خطيرين    صفاقس اليوم بيع تذاكر لقاء كأس تونس بين ساقية الداير والبنزرتي    تحذير: عواصف شمسية قوية قد تضرب الأرض قريبا    كرة اليد: الاصابة تحرم النادي الإفريقي من خدمات ركائز الفريق في مواجهة مكارم المهدية    فقدان 23 تونسيا شاركو في عملية ''حرقة ''    مدير عام الغابات: إستراتيجيتنا متكاملة للتّوقي من الحرائق    قانون الفنان والمهن الفنية ...مشروع على ورق... هل يغيّر وضعية الفنان؟    خبير في التربية : ''تدريس الأولياء لأبنائهم خطأ ''    بلاغ مروري بمناسبة مقابلة الترجي والأهلي    بسبب الربط العشوائي واستنزاف المائدة المائية .. قفصة تتصدّر خارطة العطش    وزارة الصناعة : ضرورة النهوض بالتكنولوجيات المبتكرة لتنويع المزيج الطاقي    المنستير: إحداث أوّل شركة أهليّة محليّة لتنمية الصناعات التقليدية بالجهة في الساحلين    بنزرت: جلسة عمل حول الاستعدادات للامتحانات الوطنية بأوتيك    صفاقس: المناظرة التجريبية لفائدة تلاميذ السنوات السادسة    بنزرت .. مع اقتراب موسم الحصاد ...الفلاّحون يطالبون بفك عزلة المسالك الفلاحية!    سليانة .. انطلاق موسم جني حب الملوك    بنزرت .. إجراءات لمزيد تعزيز الحركة التجارية للميناء    الليلة الترجي الأهلي في رادس...الانتصار أو الانتصار    تضم منظمات وجمعيات: نحو تأسيس 'جبهة للدفاع عن الديمقراطية' في تونس    الحماية المدنية: 8 وفيّات و 411 مصاب خلال ال 24 ساعة الفارطة    كأس تونس: النجم الساحلي يفقد خدمات 4 لاعبين في مواجهة الأهلي الصفاقسي    ليبيا: إختفاء نائب بالبرلمان.. والسلطات تحقّق    عاجل/ القسّام: أجهزنا على 15 جنديا تحصّنوا في منزل برفح    ''غرفة المخابز: '' المخابز مهددة بالإفلاس و صارت عاجزة عن الإيفاء بإلتزاماتها    نهائي دوري ابطال إفريقيا: التشكيلة المتوقعة للترجي والنادي الاهلي    هذه القنوات التي ستبث مباراة الترجي الرياضي التونسي و الأهلي المصري    والدان يرميان أبنائهما في الشارع!!    ضمّت 7 تونسيين: قائمة ال101 الأكثر تأثيرا في السينما العربية في 2023    طقس اليوم: أمطار و الحرارة تصل إلى 41 درجة    ألمانيا: إجلاء المئات في الجنوب الغربي بسبب الفيضانات (فيديو)    قانون الشيك دون رصيد: رئيس الدولة يتّخذ قرارا هاما    إنقاذ طفل من والدته بعد ان كانت تعتزم تخديره لاستخراج أعضاءه وبيعها!!    جرجيس: العثور على سلاح "كلاشنيكوف" وذخيرة بغابة زياتين    5 أعشاب تعمل على تنشيط الدورة الدموية وتجنّب تجلّط الدم    مدرب الاهلي المصري: الترجي تطور كثيرا وننتظر مباراة مثيرة في ظل تقارب مستوى الفريقين    الكاف: انطلاق فعاليات الدورة 34 لمهرجان ميو السنوي    منوبة: إصدار بطاقتي إيداع في حق صاحب مجزرة ومساعده من أجل مخالفة التراتيب الصحية    كاس تونس لكرة القدم - نتائج الدفعة الاولى لمباريات الدور ثمن النهائي    وزير الصحة يؤكد على ضرورة تشجيع اللجوء الى الادوية الجنيسة لتمكين المرضى من النفاذ الى الادوية المبتكرة    نحو 20 بالمائة من المصابين بمرض ارتفاع ضغط الدم يمكنهم العلاج دون الحاجة الى أدوية    تضمّنت 7 تونسيين: قائمة ال101 الأكثر تأثيرًا في صناعة السينما العربية    القدرة الشرائية للمواكن محور لقاء وزير الداخلية برئيس منظمة الدفاع عن المستهلك    معلم تاريخي يتحول إلى وكر للمنحرفين ما القصة ؟    غدا..دخول المتاحف سيكون مجانا..    البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية يدعم انتاج الطاقة الشمسية في تونس    منبر الجمعة .. المفسدون في الانترنات؟    ملف الأسبوع...المثقفون في الإسلام.. عفوا يا حضرة المثقف... !    التحدي القاتل.. رقاقة بطاطا حارة تقتل مراهقاً أميركياً    منها الشيا والبطيخ.. 5 بذور للتغلب على حرارة الطقس والوزن الزائد    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أمريكا حلمهم... والبرازيل وأستراليا وجهتهم
رسالة عمان: لاجئون عراقيون في الأردن... بين مرارة التهجير واللّهث وراء التوطين
نشر في الصباح يوم 18 - 10 - 2008

عمان: الاردن: اللاجؤون العراقيون ملف انساني جديد اضيف الى ملفات اللاجئين في العالم منذ احتلال العراق قبل ست سنوات واللاجؤون العراقيون في الاردن جزء من هذا الملف الشائك الذي يزداد تعقيدا امام تفاقم الاوضاع الامنية وغياب الحلول المطلوبة للحد من معاناتهم في المخيمات والملاجئ في دول الجوار او غيرها.
والواقع ان الباحث عن واقع اللاجئين العراقيين في الاردن سيدرك حجم التضارب في الارقام والاحصائيات الخاصة بهم بعد ان تحولوا الى مجرد رقم في ملفات الامم المتحدة والمنظمات الانسانية غير الحكومية، واذا كانت الارقام الرسمية تتحدث عن وجود نحو اربع مائة وخمسين الف عراقي فان الارقام غير الرسمية تشير الى نحو سبع مائة وخمسين الف عراقي في الاردن باتوا عبئا مزدوجا على الاردن الذي يشكو من اعباء اقتصادية ومالية كثيرة اما ارقام مفوضية شؤون اللاجئين فتشير الى وجود خمس وخمسين الف مطلب لجوء تنتظر الحل بما يجعلهم اشبه بحكاية اهل الكهف... و برغم اجماع من التقيناهم من العراقيين على حفاوة اهل الاردن وكرمهم ومساعداتهم المستمرة يبقى لكل لاجئ من هؤلاء حكاية مع التشرد في رحلة لا تنتهي مع الخوف من الغد قد تختلف تلك الحكايات في تفاصيلها لتلتقي عند نقطة الانطلاق ان الحرب الهمجية على العراق كانت ولا تزال سبب المعاناة وحالة الضياع التي اتخذت اشكالا مختلفة...
اللاجئون ورحلة البحث عن وطن مفقود
بين منطقة جبل حسين الشعبية بالعاصمة الاردنية عمان وبين وسط المدينة الاقل حظا وبين مقر مكتب مفوضية الامم المتحدة الواقعة بحي شميساني احد ابرز الاحياء الراقية حيث تمتد القصور البلورية الفارهة كانت محطاتنا الثلاث في ملاحقة اللاجئات واللاجئين العراقيين المتخفين في الاحياء والاسواق الشعبية بحثا عن لقمة العيش بعيدا عن اعين الرقباء والمتتبعين لهم وهي رحلة محدودة في توقيتها ولم تكن لتتجاوز بضع ساعات حاولنا اقتطاعها خلال الندوة الخاصة بدور الاعلام والاتحاد من اجل المتوسط المنعقدة على مدى يومين بالعاصمة الاردنية وهو ما يمكن ان يجعل من هذا التقرير الذي اردناه لالقاء بعض الاضواء على جانب من احدى القضايا المصيرية في ازمة اللاجئين العراقيين تقريرا قد يبدو غير متكامل في بعض جوانبه... والحقيقة ان بعض وجوه هؤلاء قد تغنيك عن كل الكلام والتعبير ووجوه اصحابها المثقلة بالهموم والاعباء تروي في صمت حجم المعاناة الانسانية بل إنّ بعض تلك الوجه تظل عالقة في الذاكرة لا سيما امام تلك النظرات الحائرة لامهات عراقيات انقطعت بهن السبل فانتصبن امام الاسواق الشعبية يبعن كل شيء ولا شيء عسى ان يكون الغد افضل. تلك كانت حال نور احمد وليلى البغدادية وام الوليد وغيرهن طبعا والحقيقة انه منذ البداية لم يكن الرهان حاصل سلفا فاغلب الذين التقيناهم كانوا مترددين في الحديث الى الصحافة لا خوفا على حياتهم او خشية تعرضهم إلى الملاحقة فحسب فهذه وان كانت من الامور التي ياخذونها بعين الاعتبار فانهم كادوا يجمعون على موقفهم الغاضب من مختلف وسائل الاعلام في العالم العربي والغربي التي لا يرون فيها اكثر من مصادر دعائية لا تخلو من الانانية بعد ان جعلت من مصائب العراقيين ومحنهم موردا لا ينضب من الاخبار التي يتسابقون الى نشرها وجعلوا منها سبيلا للكسب والشهرة دون ان تقدم لهم القليل او الكثير في رحلتهم مع التشرد واللجوء والفقر. والامر طبعا لا يتعلق بفئة من العراقيين باتت على السنة كل الاردنيين ممن استبقوا الاحداث وسارعوا بمغادرة العراق ابان الحرب حاملين ما امكن لهم حمله من اكياس الاموال التي امكنهم الحصول عليها حينها ليفرضوا بذلك واقعا اليما بين اللاجئين العراقيين بين الذين ينفقون بلا حساب ويزايدون على اهل البلاد ويسببون سخطهم وغضبهم امام الاعتقاد الراسخ بان هؤلاء وراء الارتفاع المشط في اسعار المواد الغذائية كما في اسعار العقارات التي تضاعفت اسعارها اكثر من مرة... واذا كان بعض هؤلاء اللاجئين لا يحلمون باكثر من رغيف يومي لعائلاتهم فان اخرين يعيشون على امل ان تحظى ملفات اللجوء التي تقدموا بها الى المفوضية الاممية لشؤون اللاجئين وان يتحقق حلمهم في الهجرة الى كندا او استراليا او البرازيل او بريطانيا او غيرها من الدول التي اعربت عن استعدادها لاحتضان عدد من اللاجئين العراقيين.
المحطة الاولى مع اللاجئين العراقيين في الاردن كانت في منطقة جبل الحسين والحقيقة ان هؤلاء كانوا وبرغم كل انواع الصعوبات والعراقيل التي تلاحقهم الافضل حالا على كل المستويات الاجتماعية والاقتصادية .عبد الله الذي رفض نشر صورته لاسباب امنية وهو ما احترمناه فيه شاب في الثلاثينات كان يجلس الى جانب العربة المحملة بانواع مختلفة من الساعات اليدوية والولاعات والسجائر المستوردة وغيرها من الاكسسورات التي تجلب اليه بعض الزبائن بين الحين والاخر، قال انه ابن البصرة وقد اضطر امام الظروف الصعبة الى مغادرة العراق بعد شهر واحد على سقوط بغداد وتلقيه تهديدات بالقتل من جماعات مسلحة احيانا بشكل مباشر واحيانا بشكل غير مباشر وهو ما اضطره الى ترك الجامعة واضطر شقيقه ايضا الذي كان ضابطا في الجيش العراقي الى الهرب الى سوريا. ابن البصرة لا يلغي امكانية العودة الى العراق اذا تغيرت الظروف اما الان فهو ينتظر الرد على ملف الهجرة الى استراليا الذي تقدم به منذ 2003 ليتمكن من تربية طفليه هناك. علي العلاوي وهو حمال في سوق الخضار بالبوخارية كان اقل رغبة في الكلام وقد كانت هيئته ولحيته المتدلية وقفته التي يضعها على ظهره تنقل صراعه اليومي من اجل العيش بدوره قال علي انه يحلم باليوم الذي يمكنه فيه ان ينتقل للعيش في امريكا وانه لا يزال ينتظر الرد على ملف اللجوء الذي تقدم به قبل خمس سنوات. حكاية محمد ابو فاروق لا تختلف بدروها عن حكايات الكثير من الاجئين العراقيين يقول انه جاء من بغداد هربا من ويلات الحرب منذ 2005 بعد ان تكررت التهديدات المجهولة له بالقتل او بالرحيل .حلم العودة يراه بعيدا ولكنه غير مستحيل اذا تغيرت الاوضاع الامنية وهو يعتبر ان ما يحدث اليوم من انفجارات وسيارات مفخخة وقتل يومي لم يكن ليحدث ايام صدام، كل ما يريده ابو فاروق ان يضمن حياة كريمة لطفليه فاروق وحمزة. اما عن الاتفاقية الامنية بين بغداد وواشنطن فهي بالنسبة له كلام فاض وان من يتوقع ان الاحتلال جاء لمساعدة العراقيين واهم والتاريخ يشهد ويروي معاني وابعاد الاحتلال بعد ان لبس الاحتلال ثوب الديموقراطية المزعومة.
العودة حلم لا يموت
اسامة الحمداني من ابناء كركوك وصل الاردن منذ 2004 يقول انه ظل يتجاهل التهديدات المجهولة التي كان يتلقاها الى ان هاجمه مسلحون في محله التجاري وطالبوه باخلاء المحل او حرقه وهو يعتبر ان مستقبل العراق مجهول ومخيف في نفس الوقت ويضيف انه عندما تكون في وطنك وتهان وتهدد بتلك الطريقة فليس لك هناك مقام فيه... اما عن امكانية العودة الى العراق فهي غير واردة على الاقل حتى الان وهو يرد بكلمات لا تخلو من السخرية والمرارة انه ترك العراق وتنازل عن حصته النفطية لمن يرغب في الاستفادة منها وقد تزوج اردنية واختار الاستقرار في الاردن ولكنه لا يزال يسعى للحصول على اللجوء الى امريكا والانتقال الى هناك تماما كما فعل بقية اشقائه الذين لجاوا الى سوريا ولبنان وتركيا هربامن جحيم العراق على حد تعبيره فيما ظل والداه المسنان متمسكان بالارض والبيت رغم كل شيء... وفي المقابل فقد اعتبر ان كل ما يتردد عن تقسيم العراق امر يستحيل تحقيقه وان كركوك جزء لا يتجزا من العراق وغير قابلة اقتصاديا او اجتماعيا او سياسيا للانفصال وكل مخطط في هذا الاتجاه سيكون كارثيا.
ما الذي تريدونني ان اقوله اكثر مما ترونه امامكم؟ كنا نريد ان نسالها عن ظروف مجيئها الى الاردن وخروجها من العراق وعما آل اليه الوضع هناك فباغتتنا بسؤالها الذي يحمل في طياته اكثر من رسالة مضمونة الوصول. خلف ردائها العراقي الاسود الفضفاض تختفي نور احمد عراقية من بغداد كانت تبدو لنا في مقتبل العمر ورغم حالة البؤس الواضح على ملامحها وما خطه الزمن على وجهها من تجاعيد فقد كان في عينيها الخضراوين الجميلتين نظرة هادئة قانعة بحالها ونور حديثة عهد بالاردن جاءت قبل ثلاثة اشهر لعلاج ابنها البكر البالغ من العمر سبعة عشر عاما بعد اصابته في انفجار ادى الى حروق بليغة في جسمه وهو ما دفعها الى البحث عن شغل بسيط في انتظار شفاء ابنها وعودتها الى العراق .كانت تجلس امام سوق الخضار وقد فرشت قطعة من البلاستيك تعرض عليها بعض الاحذية المستعملة لتعود اخر النهار بما تيسر لاطفالها الاربعة الذين اصطحبتهم معها الى الاردن ولم يتسن لها تركهم لدى والدهم المتزوج من امراة اخرى... سالتها ان كان ما يوفره لها بيع الخردوات يكفيها حاجتها فردت بانه افضل من لاشيء وهي تختار بيع الاحذية المستعملة على مد يدها للصدقة وكل ما تريده ان يشفى ابنها وتعود مع اطفالها الى العراق خاصة بعد عملية التجميل التي خضع لها بمساعدة الهلال الاحمر لتواصل فلاحة قطعة الارض التي تعيش منها هناك، اما عن الاوضاع الامنية المتردية وصوت الرصاص فهي تقول كل هذا تعودنا عليه منذ الحرب الايرانية ونعيش على وقعه منذ سنوات والرصاص بات عاديا بالنسبة لأطفال العراق في ذهابهم اليومي الى المدرسة. تقول نور وقد سمحت لنا ونحن نودعها بالتقاط صورة لها هذا ما جناه علينا رئيس اكبر دولة في العالم لقد دمر العراق واحترقت كنوزه النفطية ولكنني عائدة اليه مع ابنائي وفيه سنعيش كيفما كان الحال... نور التي حدثتنا عن ضعف حالها وعما تجده من مساعدة من ابناء الاردن رفضت بشدة ما قدمته لها صديقتي الاردنية وهي صحفية من jordan timesمن مساعدة مالية مضيفة انها تحدثت الينا ليدرك العالم ما بلغ به حال اهل العراق وهي لا تريد صدقة من احد.
وللعراقيات نصيب
من الجحيم
حكاية ليلى مع التشرد لم تكن اقل تاثيرا من حكاية نور وليلى التي كانت تفترش الارض على ابواب سوق الخضار بالعاصمة الاردنية وضعت امامها قطعة من الكرطون عليها بعض علب الدخان وبعض علب مناديل الكلينيكس والدبابيس معروضات لا يبدو انها تغري احدا باقتنائها ظلت ترفض الحديث معا رافضة اغراءات صديقتي بانها ستشتري منها بضاعتها بل انها ردت عليها بلهجة عراقية قائلة لا اريدك ان تشتري مني شيء ولاحاجة لي باموالك ولا اريد لاحد ان يلتقط صوري لنشرها لقد تفرج العالم على مآسينا بما يكفي حتى الان. لكنها ما لبثت ان هدات وبدات تسرد رحلتها مع الخوف والتشرد حيث انها لم تكن تفكر في بداية الحرب في ترك بلدها حيث ولدت وعاشت الا انه وبعد ان تكررت التهديدات باستهداف ابنها الوحيد لم يكن امامها سوى ان تحمل ما امكن وتتخلى عن البيت الذي عاشت فيه وترحل دون هدف واضح كان زوجها ضابط وبعد دخول الاحتلال بدات تتلقى تهديدات بقتل ابنها فكانت النهاية انها وجدت نفسها تبيع السجائر على عتبات الاسواق وابواب المساجد في انتظار ان ياتي الفرج بالعودة او بالتوطين في بلد اخر...سالتها عن حقيقة ما يشاع حول لجوء عراقيات الى المتاجرة باجسادهن لكسب المال فردت بعصبية ربما فالحرب لا ترحم والله يهدي الجميع. وكانت زميلة صحفية اردنية اخبرتني انها حاولت ان تقتقي اثر فتيات عراقيات تردد انهن يقمن معا واخترن بيع انفسهن لزائرين عرب يستغلون ماسي الاخرين مقابل بعض الاموال وانها بعد ان حصلت على رقم هاتف احداهن وحاولت الاتصال بها توقف الرقم المطلوب عن الرد بعد ان اكتشف هوية الطالب وقد كانت كانت تقارير صحفية بريطانية تحدثت عن لجوء لاجئات عراقيات الى هذا الطريق بعد انسداد السبل امامهن...
ماجد جمعة كان الاكثر تفاؤلا بشان مستقبل العراق وهو يعتبر ان العراق مقبل على مرحلة ازدهار وتغيير وقضاء على الارهاب اما عن موقفه من الاتفاقية الامنية والانسحاب الامريكي فيقول انه ليس هناك مواطن شريف ووطني يريد بقاء القوات الاجنبية في بلاده تحت أي غطاء كان.
ماجد جمعة الذي تحدث الينا دون تردد وقد كان يعتقد باننا نعمل لفائدة مفوضية شؤون اللاجئين وربما اعتقد للحظات ان الامر يمكن ان يتعلق بملفه الذي قدمه للحصول على اللجوء إلى استراليا والذي ينتظر الرد عليه منذ سنوات تماما كغيره من العراقيين المسجلين لدى المفوضية... كان يتوقف في كل مرة ليرد بعصبية على هاتفه الذي لم يتوقف عن الرنين بسبب تاخره عن تزويد احداهن بعلبتين من السجائر المستورد قبل ان تخرج اليه صاحبة الصوت من محلها القريب لتوبيخه على تاخره عن الموعد فيما كان يحاول ان يوضح سبب تاخره وانشغاله الذي لم يكن يهمها اطلاقا. ماجد جمعة غادر العراق بعد عام على الاحتلال اثر تزايد العنف الطائفي والاقتتال بين الشيعة والسنة وتفاقم المشاكل الامنية ليقيم في الاردن مع عائلته ويقول ماجد ان الوضع مقرف امنيا والدولة ليست قوية ولكنه مقتنع بان هناك تحسن في المشهد العراقي وهو يعيش في انتظار الرد على الملف الذي تقدم به الى مفوضية اللاجئين للانتقال الى استراليا التي يعتبر ان أجواءها وطبيعتها تلائم طبيعة واجواء العراق الفلاحية على عكس امريكا التي لا يستهويه اللجوء اليها ويعتبر ماجد ان الظروف الامنية والصعوبات المادية هي التي تدفع بالعراقيين الى مغادرة ارضهم رغم ما يتمتع به بلدهم من ثروات نفطية. محدثنا يعتقد بان العراق ومنذ مئات السنين يتمتع بتركيبة اجتماعية خاصة مترابطة لا تعرف الطائفية وتجمع بين مختلف الاطياف والمذاهب وهو الى ذلك مقتنع بان القاعدة زرعت الطائفية وفرضتها على العراقيين وان الاحتلال وحده وراء جلب القاعدة الى بلده التي تعتبر العدو الرئيسي للشيعة والسنة مذكرا بان انتفاضة اهل الانبار ضد القاعدة بعد ان كانت احتضنتهم تؤكد صحوة العراقيين بعد ان اكتشفوا حقيقة اهدافهم. عودة اللاجئين العراقيين بالنسبة له امر لا يقبل النقاش والعراق مقبل على حالة ازدهار حسب رايه ولامجال لاخلاء المجال لغير ابناء العراق للاستفادة من ثروات وخيرات بلادهم...
ويعتبر ماجد وقد كان تاجرا قبل الحرب ان هناك انعكاسات ايجابية بعد ارتفاع الميزانية بما انعكس على حياة الناس وادى الى انعاش عملية الاعمار والتوظيف ومقاومة الفساد الاداري...
وبين هؤلاء وغيرهم تبقى مأساة اللاجئين الفلسطينيين في العراق مأساة مزدوجة وكأنّ التهجير الأوّل من ديار فلسطين لم يكن يكفيهم حتى لاحقتهم حملة التهجير الثانية في العراق الذي كانوا يعتقدون أنه جنتهم على الأرض التي فقدوها برحيل صدام حسين الذي وإن كانت له عيوب وأخطاءه كثيرة فقد كان سندا للفلسطينيين الذين أغدق عليهم قبل أن يتحولوا إلى هدف للمسلحين والناقمين الذين قاتلوهم وطاردوهم إلى الحدود داخل مخيم الرويشد الذين غادروه بعد أن قبل البرازيل بتوطين مائة وسبع من الفلسطينيين الذين ظلّوا طيلة أشهر عالقين في انتظار الفرج الذي أبى أن يأتي من أبواب عربيّة وجاء من أمريكا اللاتينية.
يزداد حال التشرذم والتفتت والتهجير وتتضاءل إمكانيات العودة أمام تراجع الوطن الأصلي بعيدا عن الأنظار وتنامي التعقيدات التي تحيل دون التردّد عليه أو حتى الاقتراب من حدوده المتغيرة... فمن قال ان التاريخ لا يعيد نفسه... ربّما تتغيّر المواقع والأسماء والفواجع ولكنّ المأساة واحدة...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.