تونس الصباح للمرة الثانية على التوالي تختار ادارة ايام قرطاج السينمائية شخصية ادبية عربية لترأس لجنة تحكيم مسابقة الافلام الطويلة.. المرة الاولى كانت في الدورة الماضية (21) لسنة 2006 حيث ترأس لجنة تحكيم مسابقة الافلام الطويلة الكاتب الروائي اللبناني الياس خوري وها أن «اللعبة» تتجدّد مع الدورة الجديدة (22) من أيام قرطاج السينمائية التي تنطلق غدا السبت حيث نجد على رأس لجنة تحكيم مسابقة الافلام الطويلة اسم الروائي والكاتب الجزائري باسمينة خضراء.. من الياس خوري الى ياسمينة خضراء وما من شك في ان السؤال حول سر هذا «الاصرار» على جعل روائي وليس سينمائيا على رأس لجنة تحكيم مسابقة كبرى في اطار مهرجان سينمائي عربي افريقي عريق مثل مهرجان «ايام قرطاج السينمائية» يصبح مشروعا سيما اذا ما اخذنا في الاعتبار مثلا «فيتو» الحسم الذي يتمتع به رئيس لجنة التحكيم في صلب اللجنة خاصة عندما تتساوى الاصوات الممنوحة لشريطين يتنازعان تانيت التتويج. ولكن، وقبل محاولة الاجابة عن هذا السؤال دعونا ننظر في حصاد تجربة الدورة الماضية من ايام قرطاج السينمائية حيث ترأس لجنة تحكيم مسابقة الافلام الطويلة الكاتب الروائي اللبناني الياس خوري. في الدورة الماضية (21) وعقب التصريج بفوز شريط «اخر فيلم» للمخرج التونسي النوري بوزيد بالتانيت الذهبي في اطار مسابقة الافلام الطويلة هناك من المتابعين من ذهب الى حد القول بان اختيار الروائي اللبناني الياس خوري على رأس لجنة تحكيم مسابقة الافلام الطويلة لم يكن اساسا الا من أجل ضمان الفوز لشريط نوري بوزيد على اعتبار ان التوجهات الفكرية المعلنة للكاتب اللبناني الياس خوري تتماشى بل تتطابق تماما مع الطرح الايديولوجي في شريط «اخر فيلم» فكلاهما.. اي الياس خوري ونوري بوزيد يجاهران الاول من خلال كتاباته والثاني من خلال افلامه بعدائهما للسلفية ولظاهرة الاسلام السياسي.. وبما أن شريط «آخر فيلم» يعالج ظاهرة الاسلام السياسي والتطرّف الديني وينتقد بشدة وبعنف مقولات هذا التيار الفكرية والعقائدية فقد كان لا بد من توفير «سند» تحكيمي لهذا الشريط في صلب لجنة تحكيم مسابقة الافلام الطويلة ذاتها يساعده على ان يكون احد الافلام المتوجة بالتانيت!!! طبعا، هذا الكلام لا يعني التشكيك في القيمة الفنية لشريط «آخر فيلم» الفائز بالتانيت الذهبي في الدورة الماضية لايام قرطاج السينمائية ولكنها «وجهة نظر» عبر عنها عدد من المتابعين والنقاد عقب الاعلان عن نتائج مسابقة الافلام الطويلة في الدورة الماضية اوردناها هنا لان لها علاقة بذات «الاشكال» الذي قد يثيره الاعلان عن تعيين الكاتب الروائي الجزائري ياسمينة خضراء على رأس لجنة تحكيم مسابقة الافلام الطويلة في الدورة الجديدة (22) لايام قرطاج السينمائية. فالكاتب الروائي الجزائري ياسمينة خضراء واسمه الحقيق محمد مولى السهول هو أجد الكتّاب الجزائريين الذين يكتبون باللغة الفرنسية وقد صدرت له عديد الروايات وهو معروف خاصة في اوساط الفرنكفونيين وان كانت رواياته قد ترجم بعضها الى عديد اللغات الاجنبية الاخرى (باستثناء العربية) وهو من خلال ما يكتب معروف عنه عداءه ل«الظلامية» من جهة ومناصرته للمرأة ولحقوقها ولحريتها المطلقة من جهة اخرى .. وما من شك في ان كاتبا روائيا ورئيس لجنة تحكيم بهذه التوجهات سيكون من حيث يشعر او لم يشعر نصيرا لافلام طويلة بعينها تتراهن على الفوز بالتانيت الذهبي في اطار مسابقة الافلام الطويلة.. وربما يأتي على رأس هذه الافلام شريط «شطر محبة» لكلثوم برناز الذي يخوض في مسألة القسمة الشرعية للميراث بين افراد العائلة الواحدة وهي قسمة تعطي «الذكر مثل حظ الانثيين» الامر الذي يثير حفظية بعض الناشطين والناشطات في مجال الدفاع عن حقوق المرأة والمنادين بالمساواة التامة في الحقوق بين الجنسين في المجتمعات العربية.. وان كنا لا ندري ما اذا كان الكاتب الجزائري ياسمينة خضراء هذا الذي اختار لنفسه اسما مستعارا انثويا هو من بين هؤلاء في مسألة الميراث تحديدا أم لا فان المؤكد انه أخد انصار «التنوير» وأحد المنتصرين لحقوق المرأة. وما من شك في أن وجوده على رأس لجنة تحكيم مسابقة الافلام الطويلة سيعطي دعما لشريط «شطر محبة» لكلثوم برناز المدرج ضمن قائمة الافلام المتنافسة على الفوز بالتانيت الذهبي باعتباره شريطا ينتصر للمرأة ولحقوقها.. ثم ألم يكن يتعين على ادارة ايام قرطاج السينمائية في دورتها الحالية (22) ولو من باب التنويع ألا تجعل على رأس لجنة تحكيم مسابقة الافلام الطويلة كاتبا روائيا خاصةوان الذي ترأس ذات اللجنة في الدورة الماضية (21) كان ايضا كاتبا روائيا؟! أم ان للضرورة احكام! سينما.. سينما! ان المهرجانات السينمائية الدولية وبخاصة منها تلك التي تحرص شديد الحرص على مبدأ سمعتها ومصداقيتها كثيرا ما نجدها ومن باب اعطاء القوس لباريها تعطي في الغالب منصب رئاسة لجان التحكيم في مختلف المسابقات لشخصيات سينمائية مشهود لها بالنبوغ والكفاءة لان المسألة هذ مسألة سينما من جهة ولانه من جهة اخرى ومهما كانت صلة الأدب والرواية وطيدة وعضوية بالفن السابع وهذه حقيقة فان الفيلم اي فيلم يبقى في الاخير «أثرا» سينمائيا بامتياز ولا بد من ان يكون على رأس اللجنة المتصدّرة لتقييمه واقرار أحقيته بالتتويج من عدمها شخصية سينمائية «تفهم» في السينما اكثر من فهمها في اي مجال آخر!