بعد حوالي عام من المفاوضات أقرّت الحكومة العراقية إتفاقا أمنيا يسمح للقوات الأمريكية بالبقاء هناك حتى سنة 2011 ويحدّد بالتّالي موعدا نهائيا لانسحاب القوات العسكرية من هذا البلد منذ احتلاله سنة 2003. ومع أنّ هذا الاتفاق يستدعي موافقة البرلمان العراقي ليصبح رسميا ملزما للطرفين فإنّ تركيبة هذا المجلس النيابي ذات الأغلبية الشيعية مدعومة بالكتلة الكردية قد تعجّل بالمصادقة عليه قبل نهاية الشهر الجاري. وهذه المعاهدة الأمنية التي تحدّد مستقبل الوجود العسكري الأمريكي في العراق استوجبها التفويض الأممي للأمريكيين والذي ينتهي بنهاية السّنة الجارية... ممّا دفع بالإدارة الأمريكية إلى الضّغط على حكومة نوري المالكي على امتداد حوالي سنة لاقرار هذا الاتفاق حتى تأخذ قوات الاحتلال «طابعا شرعيا» بعد انتهاء مهلة التفويض. ورغم أنّ بعض الكتل النيابية ومنها الكتلة السنية قد عارضت هذه المعاهدة واعتبرتها تقنينا للاحتلال وانتهاكا للسيادة ورهن المقدّرات الاقتصادية للبلاد في أيد أجنبية فإنّ سياسة المساومة الأمريكية ووسائل الضغط والتهديدات التي مارستها أثناء مرحلة المفاوضات قد أتت أكلها بإقرار هذه المعاهدة. ويبدو أنّ إيران الحليف الطبيعي للشيعة والتي سعت منذ الإطاحة بالنظام العراقي السابق إلى التّغلغل عسكريا وأمنيا في العراق ترى بعين الرضا هذه الاتفاقية الأمنية والتي لولا موافقة طهران لما تمّ التوقيع عليها رسميا بين وزير الخارجية العراقي والسّفير الأمريكي في بغداد منذ يومين. وهذه الموافقة الضّمنية للبقاء العسكري الأمريكي في العراق لثلاث سنوات أخرى يعبّد الطريق لإيران للتواجد بشكل أو بآخر لعشرات السنين هناك بعد أن أحكمت سيطرتها على العديد من المصالح والمؤسّسات الحسّاسة والدقيقة العراقية بواسطة رموز موالية لها تمام الموالاة. وفي ظلّ هذه الحرب الخفية بين الولاياتالمتحدة ممثلة في قوات الاحتلال والنظام الإيراني ممثلا في تنظيمات أمنية وولاء سياسي وعقدي جدّد الرئيس الأمريكي المنتخب التزامه بسحب قواته في غضون 16 شهرا من توليه منصبه في جانفي القادم... معتبرا أنّ تعزيز التواجد العسكري الأمريكي في أفغانستان أجدى من البقاء في العراق. وبين الحقائق العسكرية والأمنية على الأرض... والمصالح الأمريكية الآنية والاستراتيجية في المنطقة والأطماع الإيرانية المعلنة والخفية، على الشعب العراقي أن ينتظر علّ الفرج يأتي من الداخل من محيط الجوار لا من وراء البحار.