أخصائية بيداغوجية تدعو إلى تكوين نواب الأقسام وتأهيلهم للقيام بمهامهم تونس الصباح: حتى لا تتسع الهوة بين التلاميذ والمربين.. وحتى لا يكبر الشرخ الذي بدأ منذ سنوات قليلة يعكر صفو المدرسة التونسية.. يرى عدد من المختصين في علم الاجتماع التربوي أن أفضل وسيلة لمعالجة مشاكل الحياة المدرسية يتمثل في فتح باب الحوار أمام جميع مكونات الأسرة التربوية.. كما أن المطلب الملح الذي يتوجه به الكثير من التلاميذ إلى مربيهم وإدارات مدارسهم ومعاهدهم يتمثل في تكثيف قنوات الحوار لتمكينهم من فرص أكبر للتعبير عن مشاكلهم ومشاغلهم ومخاوفهم وتطلعاتهم.. ويقول بعضهم إنهم استبشروا خلال السنوات الأخيرة ببعث هياكل للحوار والتشاور داخل الوسط المدرسي من مجالس بيداغوجية ومجالس مؤسسات.. كما أنهم احتفوا بعمليات انتخاب نواب الأقسام وانتظروا من هؤلاء الكثير.. ولكن النتائج خيبت آمالهم وقالوا إنهم سمعوا الجعجعة ولم يروا الطحين".. وفسروا أن هياكل الحوار لم تحمهم بعد من الظواهر الخطيرة التي تهددهم مثل المخدرات والتدخين وشرب الكحول والعنف اللفظي والجسدي وحوادث الطرقات والحمل غير المرغوب فيه والعلاقات الجنسية المحفوفة بالمخاطر وغيرها.. كما أنها لم توفر لهم العدد الكافي من قاعات المراجعة التي طالبوا بإيجادها لأنهم يقضون يوميا ساعات طويلة في الشارع.. وهي إضافة إلى ذلك لم تحد من لهفة بعض المدرسين على أموال الدروس الخصوصية التي توفرها عائلاتهم على حساب قوتها اليومي.. ثم أنها لم تساهم في التقليص من العقوبات التي يتعرضون لها مثل الإقصاء من الفصول وحرمانهم من متابعة الدروس.. كما أن المعضلة الأكبر التي يخشون منها هي الفشل المدرسي خاصة وأن كثيرا ممن سبقوهم على مقاعد الدراسة حرموا لسبب أو لآخر منها إذ انقطع خلال العشرية الأخيرة أكثر من مليون وثلاثمائة ألف تلميذ عن التعليم ثلثهم لم يتمكن من الوصول إلى التعليم الثانوي.. ويرى التلاميذ أن العبرة لا تكمن في بعث هياكل الحوار بقدر ما تتمثل في النتائج.. وهم يطالبون بحوار جريء بينهم وبين المربين والإدارة وإذا لم يتسن ذلك فعلى الأقل أن يتم هذا الحوار بين نواب الأقسام وبين المربين والإدارة وأن يسفر عن نتائج ملموسة.. ولا شك أن هذا المطلب مشروعا ولا يتنافى مع مقتضيات القانون التوجيهي للتربية الذي يعتبر التلميذ محور العملية التربوية.. إذ أن الفرد يقضى فترة طويلة من حياته في المدرسة وهي بالتالي تحتل مكانة هامّة في توفير جزء كبير من حاجاته لذلك لا بد أن تطور المدرسة وسائل عملها لتساير ملامح التلاميذ وانتظاراتهم وتحقق لهم حاجاتهم ويقضي تحقيق ذلك وفقا لما أكدت عليه الخبيرة البيداغوجية عائشة التركي في دراسة بيداغوجية وردت في نشرية أنوار الصادرة عن المركز الجهوي للتربية والتكوين المستمر بزغوان "تشريك التلميذ وجعله طرفا فاعلا.. فالتلميذ أصبح شريكا ومنبعا للشراكة وهو كذلك سببها وهدفها وغايتها.. ويغطي مفهوم الشراكة تصورات وممارسات لكن منطقها واحد وهو يقوم على الاستنتاج الجماعي . ولا تعني مشاركة التلميذ أن يتخلى الكبار أو المربون ببساطة عن جميع سلطاتهم في أخذ القرار لكن المشاركة الحقيقيّة والهادفة تعد التلاميذ للقيام بأدوارهم وهي تمثل حجر الزاوية في المجتمعات المترابطة.. فممارسة المواطنة المسؤولية ليست شيئا يمنح في سن الثامنة عشرة بل لا بد أن يكتسب الأطفال احترام النفس من خلال الانشغال الإيجابي والفعال بما يجري حولهم ويؤثر فيهم لأن الإحساس بالاحترام والمسؤولية عن النفس وعن الآخرين بمثابة قيمة يعيشها الطفل من الفترات الأولى من حياته ويجب أن يمارسها بصورة ذاتيّة وبالتالي لا بد من توفير مناخ يتميّز بالتسامح والاحترام ويساهم في تنمية ثقافة ديمقراطية". مشاركة هادفة وحسب ما ورد في نفس الدراسة فإن المشاركة الهادفة تتطلب تحوّلا جذريّا في تفكير المربين وسلوكهم من أسلوب السيطرة إلى أسلوب الاحتواء إزاء الأطفال وقدراتهم.. إذ لا يتمثّل الهدف في مجرد مشاركة التلميذ بل في الوصول إلى المشاركة الهادفة وإلى المستوى الأمثل . و قد أصبحت الطريقة الجديدة في تسيير المؤسسة التربوية تقوم على تشريك التلميذ في أخذ القرار ويتطلب ذلك إرساء علاقات جديدة بين مختلف الأطراف أساسها التشاور والتحاور. وتعتبر الباحثة أن مشروع المؤسسة آلية للحوار لها أهداف متعدّدة وهو يؤمن ظروف النجاح للتلاميذ ويساهم في الرفع من مردودية المؤسسة ويمكّن التلميذ من التدرّب على تحمّل المسؤولية . و أكدت على جدوى إشراك التلميذ في الحوار واعتبرت أن التفاعل الاجتماعي والمشاركة بين أخذ وعطاء يشجع التلاميذ على الإضطلاع بالمزيد من المسؤوليات. وبالتالي ينبغي أن تعّم مهارات المشاركة وممارستها حتى يحذق التلاميذ كيفيّة التعبير عن أنفسهم والانخراط في حوار بنّاء على أن تكون هذه المشاركة مسؤولية والتزاما. وهي ترى أن أهم التحديّات التي يجب أن يواجهها المربّون هي الإنصات لوجهات نظر التلاميذ كما يجب عليهم أن يطوّروا قدراتهم من أجل الاستجابة بشكل مناسب لهذه الضرورة . لأن مشاركة التلاميذ هي ظاهرة متعددة الجوانب والإنصات إلى آراءهم لا يعني بالبساطة تأييد وجهات نظرهم. وترى الأخصائية البيداغوجية أن النواب التلاميذ يمكن أن يمثلوا دور قناة الاتصال مع بقيّة التلاميذ. وهي آلية من آليات تنظيم الحوار بين التلاميذ ومختلف الأطراف الفاعلة حول مختلف القضايا. يتطلب تفعيل دور هؤلاء النواب أن تكون كل الأطراف في علاقة تواصل أي أن كل طرف يسعى إلى فهم انشغالات الطرف الآخر.. لأنّ الإصغاء يمكّن من الإلمام بالمشاكل ويساعد على إيجاد الحلول المناسبة لها . و هي تؤكد على أن المناخ المدرسي السليم يقتضي فتح باب الحوار مع التلاميذ للتعرّف على مشاغلهم والاستماع إلى آرائهم ومقترحاتهم في كل ما من شأنه أن يساعد على نجاحهم وتأقلمهم. ولا بد من حسن استغلال هذه القناة التي تساهم في تحسين المناخ المدرسي وإرساء علاقات جديدة تقوم على الحوار والدعم والانخراط والإسهام والمبادرة. ويتطلب هذا الأمر على حد تعبيرها تكوين هؤلاء النواب وتأهيلهم للقيام بمهمّتهم على أحسن وجه وتكثيف اللقاءات بهم كلّما دعت الحاجة إلى ذلك ويجب على نائب القسم أن يتمتّع بعدّة خصال أهمّها القدرة على الوساطة والتواصل والتحاور والتفاوض وتساعد عمليات تشريك التلاميذ على الإطّلاع على مشاغل التلاميذ الخفية قصد دراستها وإيجاد الحلول لها بالتعاون والتنسيق مع بقيّة الأطراف من متفقّدين ومدرّسين وأولياء ومكاتب الإصغاء.