تونس الصباح: يشكل قطاع النقل احدى الركائز الاساسية لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والاستجابة بشكل عام الى طلبات نقل الاشخاص والبضائع في احسن ظروف السلامة والراحة، وباعلى درجة من السيولة وأقل استهلاك للطاقة، وبالتالي بأقل كلفة للمجموعة الوطنية. جملة هذه الجوانب تعتبر الهدف الاساسي المنشود في تونس باعتبار اهمية هذا القطاع ودوره، وما يمكن ان يسهم به في جملة المجالات الحياتية. فماذا عن قطاع النقل في تونس من حيث ادائه وتنوعه؟ هل استجاب لتطلعات المواطن وهل هناك توازن بين العمومي والخاص داخله؟ وماذا عن مشاريعه المستقبلية في ظل التنامي الديموغرافي، وعن البنية الطرقية التي تمثل عماده الاول في التطور، ودوره في استهلاك الطاقة؟ القطاع يضطلع بالمرتبة الاولى من حيث استهلاك الطاقة تفيد المعطيات الرسمية المتوفرة ان قطاع النقل يتصدر كافة القطاعات الاخرى في مجال استهلاك الطاقة، وتعود النسبة الكبيرة لاستهلاك الطاقة فيه، والمقدرة بحوالي 75 في المائة، الى قطاع النقل البري الذي يستهلك سنويا 2 مليون طن مكافئ نفط، منها 98 في المائة في النقل على الطرقات و2 في المائة في النقل الحديدي. وهكذا يعتبر النقل بكل مجالاته المستهلك الاول للطاقة التي تمثل الشغل الشاغل في تونس وبقية الدول بعد التقلبات التي شهدتها اسعار النفط في الاسواق العالمية وما عرفته اسعارها من ارتفاع. خطة النقل الوطني لتجسيم توجهات التنمية تعتمد هذه الخطة على عدة محاور ومراحل تفضي كل منها الى اخرى في تسلسل منطقي تفرضه الامكانيات من ناحية، وانجاز المشاريع من ناحية اخرى. ولعل هذه الخطة جاءت بعد تذبذب السنوات الفارطة في مجال الاختيارات الاساسية لمجالات النقل، حيث تم تغليب النقل الخاص. ثم العودة الى النقل العمومي باعتبار اهميته ودوره وفعله في الواقع اليومي على كافة المستويات وفي اطار تنفيذ هذه الخطة تميزت الفترة 2004-2007 بجملة من الانجازات تمثلت في المشاريع التالية: مشاريع تمديد شبكة المترو الخفيف الى احياء المروج، وباتجاه المركب الجامعي بمنوبة، وكهربة الخط الحديدي تونس برج السدرية، وكذلك برنامج تجديد وتطوير اسطول حافلات المنشآت العمومية وذلك من خلال ابرام صفقة عامة تخص حصة أولى ب359 حافلة وثانية تخص 380 حافلة، وسيتم هذه السنة ابرام صفقة ثالثة لاقتناء 1000 حافلة. تدعيم مشاركة النقل الخاص في استغلال خطوط النقل العمومي في هذا المجال علمنا انه تم ابرام عقود لزمة مع ناقلين خواص لاستغلال 38 خط نقل حضري داخل تونس الكبرى بواسطة 168 حافلة لكن مشاركة النقل الخاص تبقى محدودة جدا لحد الآن، حيث كان من المفروض ان يتطور مجاله وتتسع دائرته على معظم الخطوط باعتباره يلبي خدمة عمومية وطنية ويتميز باداء جيد وتتوفر فيه سبل الرفاه من خلال الوسائل التي يعتمدها كما ان التوجه العام في الخوصصة يستدعي مزيدا من الليونة في هذا المجال. وفي ظل السعي الى ارساء نقل عمومي متطور، واختياره كوسيلة اساسية في المستقبل، يتنزل مشروع شبكات النقل الجماعي بتونس الكبرى الذي سيتم خلال هذا المخطط وذلك بانجاز المكونات التالية: جزء ذو اولوية بطول 29 كلم من الشبكة الحديدية السريعة في حدود اعتمادات تقدر ب950 مليون دينار واعتمادات دفع ب600 مليون دينار. اعادة تهيئة الجذع المشترك لخطوط المترو الخفيف في حدود اعتمادات تقدر ب27 فاصل 5 مليون دينار. جزء ذو اولوية من المسارات المحمية للحافلات في حدود اعتمادات ب10 مليون دينار. احداث شركة جديدة لانجاز مشروع الشبكة الحديدية السريعة بتونس الكبرى وقد تم ضبط رأسمالها بمليون دينار على ان يتم الترفيع فيه تدريجيا حسب متطلبات كل مرحلة. تدعيم النقل العمومي الجماعي بين المدن بابرام اتفاقية بين الشركة الوطنية للنقل بين المدن وشركة النقل المريح بين المدن، وتحسين جودة خدمات القطار من حيث التواتر وتطوير القطار عبر مقتنيات جديدة، واستحداث محطات ترابط بين القطار والحافلات في الجهات. الاعتماد التدريجي للغاز الطبيعي المضغوط كوقود للعربات كما تم من ناحية اخرى اعتماد برنامج لاستعمال الغاز الطبيعي المضغوط كوقود للحافلات ولسيارات التاكسي يتضمن في مرحلة اولى اقتناء 100 حافلة تشتغل بالغاز الطبيعي، ولعل التسريع بانجاز هذا البرنامج وتطويره باتجاه فسحه للنقل الخاص سيخفف بشكل بارز من ضغوطات عبء تكاليف المحروقات المتعمدة في النقل. ولئن تم الحديث في السابق عن هذا المشروع وتساءل المواطن بشأن ارسائه. فانه يبدو ان الشروع ليس بالسهل من حيث جوانبه التقنية والمالية على وجه الخصوص، ولذلك تفيد مصادر مطلعة بشأنه ان اعتماد الغاز السائل والمضغوط كبديل عن بقية المحروقات لكل وسائل النقل يتطلب وقتا للتركيز وامكانيات هائلة، قد لا يتسنى في مثل هذه المرحلة التقدم فيه. ان جملة المشاريع المتصلة بالنقل وما يحيط بها من تطور في البنية الطرقية، يمثل في الحقيقة اختيارا اساسيا لتطوير القطاع وملاءمته مع متطلبات المراحل القادمة اقتصاديا واجتماعيا. لكن الذي يلفت الانتباه ان اعتماد النقل الخاص مازال متواصلا وبوتيرة سريعة جدا حيث يسجل تطور في اسطول النقل بما يناهز 50 الف عربة في السنة. وهذا العامل قد يربك تطور النقل العمومي ويثير عديد المشاكل المتعلقة خاصة بالاكتظاظ داخل المدن الكبرى وعلى الطرقات الوطنية. فهل تقع الملاءمة بين التوجهات الوطنية في مجال التركيز على تحسين خدمات النقل العمومي مستقبلا ولتحقيق التكامل مع النقل الخاص باعتباره من المسائل التي لا يمكن الاستغناء عنها وذلك في اطار المنافسة من أجل الجودة.