* اللهم لا حسد، لكن امسياته الشعرية ومشاركانه في الملتقيات الأدبية تكاد تكون اسبوعية، بل انه احيانا ومن حسن حظه يستضاف من قِبل مهرجان في الشمال وملتقى في الجنوب خلال أسبوع واحد، في حين ان بقية الشعراء يصطفون في طابور الانتظار الطويل، لعل دعوة تصلهم من أحد الخيّيرن من منظمي الأعراس الشعرية، ولو لمرة واحدة في السنة فتتساقط بين ايديهم دنانير «الكاشي»، اما هو فالأكيد ان رصيده البنكي أضخم بكثير من رصيده الابداعي، فلا يخفى على أحد من المرابطين في الساحة الشعرية التونسية ان مخزونه المعرفي محدود وموهبته الشعرية اقل ما يقال فيها أنها ضحلة، اما نظرته الى فن الشعر العظيم فمتخلفة حتى لا نقول بدائية، وهذا لا يدخل طبعا في باب النميمة، بل هي حقائق يتفق على صحتها سكان المقاهي ومستوطنو الحانات وماسحو الشوارع بأحذيتهم المتّسخة جراء صعلكتهم التطوعية من أجل تأثيث المدن التونسية وخاصة العاصمة بالجنون الابداعي الذي لا علاقة لأخينا به، لقد امسى مثل المزراب في الليلة الماطرة.. اما ما يبتلعه فليس مياه الغيوم بل الاموال الطائلة ولا حول ولا قوة الا بالله، يقال انه شيّد قصرا في احدى الضواحي القريبة واثّثه بكل ما انتجته الحضارة، ويشاع ايضا انه يدّخر نصيبا كبيرا من عائداته الشعرية في الوسائد والحشايا تهرّبا من دفع الضرائب، وهذا سلوك مشين لا يليق به كمواطن منتم الى مجتمع مدني، ديدنه التكافل والتقسيم العادل للثروات، ثم انه كمسلم، اذ لم يعلن الحاده بعد، عليه ان لا يتهرّب من الزكاة، ليبارك له الله في ثروته التي جمعها والحق يقال بنصوص لا يمكن أن نسميها قصائد، فهي خالية من كل احساس رهيف ولا خلفية معرفية لها، فهي ودون استثناء سلسلة بائسة من النظم الجاف والركاكة اللغوية، ومع ذلك يدعى هذا المحظوظ ويسطو على الكاشي تلو الكاشي. * صحيح انه يقطع مسافات قاتلة ويأخذ شكل مقعد السيارة كلما اوغل جنوبا او شمالا، ليكون في الموعد الذي حدده له المشرف على الأمسية او الملتقى.. وصحيح ان عليه الابتسام وهو على حاله المزرية تلك: آلام في المفاصل، صداع فظيع في الرأس، غيوم مدلهمّة في الذهن، اضافة الى رغبة جامحة ومزمنة في الانتحار لكي يرتاح ويريح.. لكنه لا يستطيع غير مواصلة الابتسام كالأبله المحترم، فاغراء الكاشي أعتى من كل شور آخر، لذلك يستنفر ما تبقى من اعصابه المتلفة وينخرط في مصافحة باقة كبيرة ولا بأس بها من الشعب، ومن الممكن أيضا ان يستفرد به مبدع عظيم من تلك الجهة ولكنه مغمور للأسف الشديد ولاسباب يطول شرحها وتوضيحها للرأي العام، فيهطل على اخينا المحظوظ بنصف ساعة شعرا خالصا، علما ان له قدرة رهيبة لى الحفط من سماع اول، وليس غريباان يكون متنه الشعري مأخوذا من هنا وهناك، من أفواه المبدعين الأفذاذ الجهابذة المغمورين ظلما وعدوانا. * يمكن القول ان موهبة اخينا هذا، تتمثل في قدرته العجيبة على التحمّل وفي علاقته الشاذة بالصبر وانصياعه لموت بطيء مصدره التشنّج الذي يعتريه في مارطون القراءات المفتوحة لكل من سوّد ورقة بيضاء او وردية، اللون لا يهم كثيرا، فالمهم تسجيل الحضور في محضر الشعرية العربية، نعود الى اخينا لنؤكد على نقطة هامة، وهي ادمانه على استيعاب الصدمات وهذا ليس من الشعر في شيء، فبأي حق يُدسُّ له الكاشي تلو الكاشي، ويُحرم من هذه الهبات المئات من المبدعين الذين يفوقونه زادا معرفيا ويتجاوزونه ابداعيا بمسافات ضوئية، والأغرب من كل ما ذكرته انه يزداد غرورا امسية اثر اخرى، وقد اعلمني بعض الثقات أنه ايتسم لأحد المندوبيين الثقافيين وقال له بالحرف الواحد: «عليكم أم تكافئونا على ما نستمع اليه في الأعراس الشعرية وليس مقابل ما نشارك به من قراءات» وهذا منتهى الصلف والوقاحة والصفاقة، وان كان في صرخته القليل والقليل والقليل من الحقيقة المحرجة والمؤلمة، وصراحة لا أستبعد ان العديد من طاقاتنا الابداعية كفّت عن كتابة الشعر اثر احتشاد شعري، في احدى جهات هذه الارض الطيبة، ومع ذلك لا أجد له مبررا واحدا لجرأته على الدفاع عن نفسه وعن ذائقته التي ترجَم بطريقة مدروسة في اغلب الندوات والملتقيات التي يشارك فيها وهي كثيرة، اللهم لا حسد. * خلاصة القول، أرى انه لا بد من اتخاذ اجراءات عاجلة وحاسمة لمنع أخينا هذا وأشباهه من تكديس الثروات الطائلة، وأقترح كمواطن صالح أن يتم التخفيض في الكاشي من مائة دينار وثمانين دينارا وخمسين دينارا، وهي مبالغ خيالية كما يلاحظ القارئ الكريم، الى ثلاثين دينارا مهما نأت الجهة المقصودة من قِبل هؤلاء المرتزقة الجُدد، وأشهد الله والتجار جميعهم وفواتير الماء والكهرباء والهاتف وغيرها، أني أعتقد اعتقادا راسخا ان الثلاثين دينارا مبلغ كاف لتأمين التنقل المريح الى اقصى الشمال والجنوب وشراء قارورة ماء بارد وعلبة سجائر وولاعة ان لزم الأمر.. وآخر ما أختم به: «أيها المبدعون كفّوا عن حرب الفُتات.. أيها المشرفون على جراحات الشاعر