شدد أوسكار مارتيناز كوردوفاز المكلف بالعلاقات الخارجية في الحزب الشيوعي الكوبي، على ان الفوضى الراهنة في المشهد الدولي، تتحمل مسؤوليتها الولاياتالمتحدةالأمريكية، بسبب سياسة الهيمنة التي تمارسها وأوضح أن صعود باراك أوباما إلى دفة الحكم في واشنطن، «لن يكون فجرا جديدا في العلاقات الدولية»، على حد تعبيره.. وقال أوسكار في حوار ل«الصباح» على هامش زيارته على رأس وفد كوبي إلى تونس بدعوة من الاتحاد الديمقراطي الوحدوي، ان الرئيس الأمريكي جورج بوش، المنتهية ولايته، عمل على الاطاحة بالثورة الكوبية عسكريا، فيما ان أوباما «يريد الاطاحة بنا بواسطة القبلات والكلام المنمق»،، حسب وصفه... وكشف المسؤول الكوبي، عن معاناة بلاده مما وصفه ب«الحصار الأمريكي الظالم على كوبا» المستمر منذ نحو خمسين عاما، مشيرا انه الحق خسائر بالاقتصاد الكوبي ناهزت 93 مليار دولار بما جعل هذا الحصار أشبه بعملية «الاجهاض الحضاري» على حد قوله.. لكنه أكد ان كوبا لم تستسلم، بل انها حققت ارقاما مهمة بمقاييس التنمية البشرية.. وفيما يلي نص الحوار:
كيف يبدو الوضع الراهن في كوبا، بعد قرار فيدال كاسترو التنحي عن الحكم؟ كوبا تمر بحصار اقتصادي منذ ما يزيد عن 45 عاما... وبذلك يعتبر الشعب الكوبي، الوحيد الذي يقاوم حصارا بهذه المدة الزمنية الطويلة.. نحن نتعرض إلى عملية اجهاض حضاري بقيادة الولاياتالمتحدة، التي فوجئت بالتفاف الشعب الكوبي حول الثورة، من حيث راهنت على فك الارتباط بين الشعب وقيادته الثورية. ..أشبه بالحظر الاقتصادي.. كيف واجهتم الحصار خلال هذه المدة الطويلة، خصوصا على الصعيد الاقتصادي؟ لم يكن من خيار أمامنا خلال هذه العقود الأربعة من الحصار، الذي يشبه إلى حدّ كبير بالحظر الاقتصادي، سوى ربط علاقاتنا بالمعسكر الاشتراكي، الذي كان ملجأنا الوحيد في ظل تراجع التعامل مع المعسكر الرأسمالي (15% فقط من حجم مبادلاتنا وتعاوننا).. وكيف كان ردّ فعلكم بعد انهيار النظم الاشتراكية؟ ألم يؤثر ذلك على مبادلاتكم التجارية؟ اللافت هنا، أن الولاياتالمتحدة التي كانت تمثل العمود الفقري في مبادلاتنا مع الخارج اعتقدت - خطأ - أن النظام الكوبي سينهار بعد سقوط المعسكر الاشتراكي.. وفي الحقيقة يُقدر حجم الخسائر الجملية للاقتصاد الكوبي خلال العقود الأربعة الماضية، بنحو 93 مليار دولار، وسجلنا خلال السنة المنقضية وحدها حوالي 3500 مليون دولار، خصوصا بعد ازدياد الحصار علينا خلال فترة حكم الرئيس الأمريكي الحالي، دبليو بوش.. ليس هذا فحسب، بل ان الولاياتالمتحدة تقوم منذ فترة بعيدة، بمراقبة صناعة (النيكل) الذي يعد أهم مادة تصدرها كوبا للشركات المتخصصة في صناعة السيارات حيث تحرص على ضرب حصار مشدد على هذه المادة، من مرحلة الصناعة إلى طور التسويق والتصدير وعملية تحويل الأموال الناتجة عن ذلك.. محاور أساسية ما هي أجندة الحكومة الكوبية خلال المرحلة المقبلة، في ضوء التحولات الدولية الراهنة والأزمة المالية التي تهزّ الأسواق المالية؟ في الحقيقة، حرصت الثورة الكوبية على التعامل مع وضع الحصار، من خلال جملة من المحاور، اهمها مواجهة الأخطار الخارجية، والوقوف ضد الخطر الذي تمثله الولاياتالمتحدة على كوبا، إلى جانب مواجهة انهيار الاتحاد السوفياتي والنظم الاشتراكية، حليفتنا خلال عقود طويلة.. بالاضافة إلى ذلك، لدينا مشكلات داخلية تجسدها الأحوال المناخية، سيما الأعاصير، فقد تعرضت بلادنا إلى 18 اعصارا خلال الخمسين عاما الماضية، ذهب ضحيتها الاف المواطنين، وتسببت في خسائر قدرت بنحو 10 مليارات دولار، فيما تم تدمير 500 الف مسكن والاف المنشآت الصناعية خصوصا تلك المتعلقة بالطاقة. عزاؤنا الوحيد في كل هذه الأخطار والمصاعب، هو التفاف الشعب الكوبي حول دولته، واندفاعه نحو مزيد من الوحدة الداخلية، فيما بدأت الحكومة مؤخرا، تنفيذ مشروع إعادة إعمار واسعة، تعويضا عن دمار الحصار الأمريكي المستمر علينا، ونتائج الأعصاير المتتالية التي تهب على بلادنا.. مكاسب مهمة.. أنتم حينئذ تعيشون وضعا مزريا اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا.. على عكس ما يذهب اليه البعض، استطاعت الثورة الكوبية ان تحقق نسبة نمو اقتصادي ب4.4% سنويا منذ العام 1958، على الرغم من ظروف الحصار الصعبة.. ولدينا حاليا نحو مليون جامعي، بين أساتذة وطلبة... بالاضافة إلى 70 ألف طبيب يوجد من بينهم حوالي 30 ألف في بعثات خارج كوبا، موزعين على أكثر من 70 بلدا في العالم.. من جهة أخرى.. تقدر نسبة الوفيات 5 بالالف، وهي هنا تضاهي النسبة الموجودة في أمريكا وأوروبا، اما معدل الحياة عندنا فيصل إلى 80 عاما للنساء و77 عاما للرجال، وهي من أحسن المعدلات الموجودة في العالم. ومنذ العام 1989، راهنت كوبا على ثلاث قطاعات أساسية هي: البيوتكنولوجيا والسياحة الدولية وصناعة البيتروكيمياويات، ونحن نوفر حوالي 50% من حاجياتنا الداخلية من الطاقة والمحروقات.. وعوّلنا على ذكاء الإنسان الكوبي، الذي بات العنوان الأبرز لصادراتنا إلى العالم، بفضل 10 الاف طالب متخصصين في مجال علوم الاعلامية، حيث نملك جامعة من الطراز العالمي الرفيع، نرمي من خلالها إلى أن نحوّل كوبا إلى بلد مصدر للبرمجيات في غضون الأعوام المقبلة.. لن يكون فجرا جديدا.. كيف تُقيّمون في كوبا، صعود باراك أوباما للرئاسة في الولاياتالمتحدة، هل تتوقعون أن يغير سياسة ازاء كوبا؟ لن تكون فترة حكم أوباما، فجرا جديدا في العلاقات الدولية.. صحيح انه أفضل من بوش وربما كان خيرا من ماكين، لكنه لن يكون علامة فارقة في السياسة الأمريكية التي تحتكم لاستراتيجيات ودوائر عديدة، ليس بوسع أوباما ان يقفز عليها او يتجاوزها.. فيما يتعلق بكوبا، فقد أعلن أوباما استعداده للحوار مع الدولة الكوبية، ولكن وفق نقطتين هما، حرية التنقل للأمريكيين من اصل كوبي، وحرية تنقل الأموال إلى هافانا لكننا نعتقد ان أجندة الرجل لا تختلف عن الادارات الأمريكية السابقة، اي الاطاحة بالثورة مع اختلاف في الأسلوب والطريقة.. كيف ذلك؟ بوش مثلا كان يريد الاطاحة بالثورة الكوبية عبر القوة العسكرية والحصار الاقتصادي، لكن اوباما يريد الإطاحة بها، عبر القبلات والكلام المنمق... قطيعة دائمة مع اسرائيل اللافت للنظر في سياستكم الخارجية علاقتكم المتوترة باسرائيل، في مقابل انحيازكم للقضايا العربية، وبخاصة للقضية الفلسطينية كيف تفسرون ذلك؟ لقد كنا دائما مع القضايا العربية، ومع القضايا العادلة في العالم الثالث، وبخاصة القضية الفلسطينية ولعلني لا أبالغ إذا ما قلت لك، بأن من مبادىء الثورة الكوبية، الانتصار للقضايا العادلة وان سببت ضررا بمصالحنا الاقتصادية.. وفي هذا السياق، لابد من الإشارة إلى أن كوبا لم تقطع علاقاتها الا مع بلد وحيد، وهو اسرائيل، وذلك بسبب سياستها العدوانية التي تمارسها ضد العرب منذ حرب سينا، في الستينات.. وكنا دائمي النقد للسياسة الاسرائيلية في جميع الاجتماعات الأممية خصوصا مع الهيمنة التي تمارسها في الشرق الأوسط وبخاصة في فلسطين التي تحتلها منذ عقود، بل اننا كنا السباقين للتنديد بعملية التدمير التي قامت بها اسرائيل للمفاعل النووي العراقي، كما عبرنا عن احتجاجنا الواضح في مجلس الأمن إزاء الحرب الاسرائيلية على لبنان في العام 2006... ونحن لن نستأنف علاقاتنا مع تل أبيب خصوصا وأنها تتلقى الدعم الكبير من الولاياتالمتحدة.. فوضى دولية كيف تقيّم الوضع الدولي الراهن، في ضوء التحولات التي تشهدها العلاقات الدولية؟ هناك حالة من الفوضى في العالم، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط، بسبب السياسة الأمريكية المهيمنة، ودعمها المتواصل لإسرائيل.. ونحن نعتقد، أن احد الشروط الأساسية لانهاء حالة الفوضى في المنطقة، إنما يمر عبر ايقاف الدعم الأمريكي لاسرائيل.. لكن دعني أشير هنا، إلى حالة التمزق في الصف العربي، وهي من الأسباب الرئيسية التي كرست الوضع المهيمن لاسرائيل في المنطقة، خصوصا في ظل وجود ثروات عربية هائلة مثلت مصدر أطماع الغرب عموما، والولاياتالمتحدة بوجه خاص...