تنشر «الصباح» اليوم الجزء الثاني والأخير من مقال الأستاذ محمد العيد الأدب حول «الحرمة الجسدية وكرامة الانسان في النظام القضائي التونسي». في نفس هذا السياق حدد أجل الاحتفاظ ولاول مرة في تاريخ القضاء التونسي بموجب القانون عدد 70 لسنة 1987 بما لا يتجاوز الاربعة أيام قابلة للتمديد لفترة مماثلة بشرط أخذ إذن كتابي من لدن وكيل الجمهورية، وعند الضرورة القصوى يمدد في أجل الاحتفاظ المضمون بيومين اثنين لا غير (فصل 13 مكرر من مجلة الاجراءات الجزائية). كما حدد الفصل 85 (جديد) من نفس المجلة مدة الايقاف التحفظي بستة أشهر وتخويل القاضي تجديدها مرة واحدة بالنسبة للجنح ومرتين بالنسبة للجنايات شريطة أن لا يتجاوز كل تمديد الستة أشهر مع أخذ رأي وكيل الجمهورية في كل مناسبة وتحرير قرار معلل في ذلك وقد جاء قانون 2 أوت 1999 ليعمق هذه الضمانات. IV كرامة الانسان في قانون 02 أوت 1999: ودعما لهذا المسار الانساني الذي اختارته تونس السابع من نوفمبر جاء القانون عدد 89-1999 بتاريخ 02أوت 1999 محملا بعديد الانجازات الرائدة التي من شأنها تدعيم احترام حرمة الانسان وكرامته: 1/ الايقاف التحفظي: وقع تخفيف وتقليص مدة الايقاف التحفظي ليصبح أجله في الجناية 6 أشهر مع إمكانية تجديده مرتين بحساب 4 أشهر لكل مرة وبذلك لا تتعدى مدة الايقاف التحفظي في الجناية أكثر من 14 شهرا عوضا عن 18 شهرا كما حددت مدة الاحتفاظ في حدود 6 أيام على أقصى تقدير. كما أوجب القانون على السيد باحث البداية اعلام أهل المظنون فيهم بصفة قانونية حين إيقافهم يوما وساعة. 2/ خطة قاضي العقوبات وربط إدارات الاصلاح بوزارة العدل: بعث خطة قاض مكلف بتنفيذ العقوبات في مستوى كل محكمة ابتدائية عمل إيجابي جدا لان هذا القاضي - المؤسسة مطالب بالسهر على تنفيذ العقوبات المسلطة على المساجين، وقد منح هذا القانون لقاضي تنفيذ العقوبات كافة الصلوحيات لمراقبة حالة المساجين وسماع طلباتهم سواء على الصعيد الشخصي أو على الصعيد الاداري وله الحق في تمكينهم من زيارة أقاربهم في حالة المرض الشديد أو الحضور في مواكب جنازاتهم أو الحضور في امتحانات علمية كما له الصلوحيات القانونية لتقديم الاقتراحات التي يراها صالحة لغاية تحسين ظروفهم المعاشية في إدارات الاصلاح، كما وقع أخيرا ربط إدارات السجون والاصلاح بوزارة العدل بعدما كانت راجعة بالاشراف إلى وزارة الداخلية. 3/ العمل لغاية المصلحة العامة: كما أرسى هذا القانون العمل لغاية المصلحة العامة باعتبار أن هناك بعض " الجرائم " التي يكون جل المواطنين عرضة للقيام بها مثل القتل على وجه الخطأ أو الجرح على وجه الخطأ أو في بعض الاحيان إصدار شيك بدون رصيد فقد منح هذا القانون للقضاء السلطة المطلقة لغاية إبدال العقاب البدني بالخدمة للمصلحة العامة باعتبار مستوى مقترفي هذه الجرائم وباعتبار ظروف وقوعها ونقاوة سوابقهم. 4/ استئناف الاحكام الجنائية: كما أسس هذا القانون ولاول مرة بتونس مبدأ استئناف الاحكام الجنائية وذلك لغاية إعطاء المظنون أكثر ما يمكن من ضمانات قضائية. إذا كان الحكم قبل هذا القانون لا يقبل الطعن إلا بالتعقيب وقد تطول الاجراءات في هذا المجال فجاء قانون 02 أوت 1999 ليعطي للمظنون فيهم حق استئناف هذا الاحكام وبذلك أصبحت لهم درجتان للتقاضي لا درجة واحدة ما يكفل لهم أكبر عدد ممكن من الضمانات القانونية. 5/ إلغاء الاشغال الاجبارية بالسجون: كما ألغى هذا القانون مبدأ الاشغال الاجبارية بالسجون وقد وقع حذف الفقرة الاخيرة من الفصل 13 من مجلة الاجراءات الجزائية التي كانت توجب ذلك. 6/ تحديد معنى التعذيب ومطابقته والقانون الدولي: كما قام هذا القانون بتحديد معنى التعذيب وتحوير الفصل 101 مكرر من مجلة الاجراءات الجزائية ليجعله مطابقا لما جاء في المعاهدة الدولية لمناهضة التعذيب لسنة 1984 باعتبار أن تونس ترنو إلى اعتماد مبادئ حقوق الانسان العالمية ومبادئ العدل مبادئ لمؤسستها. 7/ تحديد الجرائم وعقابها في الاقتصاد اللامادي: وباعتبار أن على المشرع مواكبة الاحداث والمخترعات والحركة التنموية بصفة عامة ونظرا للموجة العارمة التي عمت كل أنحاء المعمورة من اتصالات لا سلكية متنوعة ومن خدمات معلوماتية مثل الانترنات وغير ذلك من وسائل الاتصال المعلوماتي ولما لهذه الوسائل من تأثير مباشر على الاقتصاد والمؤسسات البنكية وغيرها ونظرا لقيام بعضهم بعديد المخالفات فإن المشرع التونسي كان سباقا في هذا الميدان إذ حدد معنى الجرائم المعلوماتية من تحيل وزور وغير ذلك وقنن نوع عقوباتها مسايرة للنمو الاقتصادي اللامادي الذي غزا أرجاء العالم وفي هذا السياق يعد قانون 02 أوت 1999 مرجعا يحتذى. الخلاصة ان الشعب التونسي الذي ضاق ذرعا من الشخصنة المفرطة في الحكم في العهد القديم وما تولد عنها من حيف ومن تعد أصبح يؤمن ويتشبث في العهد الجديد بأن لا تنمية حقيقية ومستديمة بدون احترام حقيقي لحقوق الانسان وكرامته وبدون ممارسة فعلية لكافة الحريات في جو ملؤه الشعور بالتضامن وبالتسامح وباحترام القانون لذلك لا أخال الاستاذ عبد العظيم المغربي (مصر) رئيس لجنة الحريات وحقوق الانسان بالوطن العربي أثناء مؤتمر المحامين العرب المنعقد بسوسة لا مجاريا ولا محابيا عندما صرح لاحدى اليوميات التونسية بأن تونس " ستظل منارة متقدمة في العالم العربي لحريات المواطن وحقوقه الاساسية " (جريدة الصباح 03/06/1997). إن النضال في سبيل دعم المسار الديمقراطي وتعميقه والرفع من شأن المواطن التونسي هو عمل يومي في نظر الرئيس زين العابدين بن علي وينبع من قناعة قادة تونس العهد الجديد بأن لا تنمية حقيقية في غياب إنسان لا يشعر بكرامته ولا يذود عنها.