اللّه أكبر، اللّه أكبر، ودّعنا أمس صديقا عزيزا وأخا كريما، بهرنا دائما بحيويته وتوقده وابداعاته ومقالاته وأحاديثه التي لا تنضب، ودعنا فجأة بعد أن خلنا أنه سيتمتع بفسحة أكبر وبهدنة أطول.. كما يقول هو نفسه، إثر مغادرته للمستشفى العسكري، منذ نحو ثلاث سنوات، بعد اجراء عملية جراحية كللت بالنجاح، وبعد أن عاد بقوة وعزيمة إلى سالف نشاطه وعطائه.. ولكن.. إذا حمّ القضاء على امرئ فليس له أرض تقيه ولا سماء لقد انتهت أمس رحلة الشاذلي زوكار صاحب الطرائف والابداعات الثقافية في أعرق صحفنا، وودّعنا معه ركن: «من مذكراتي» في «الصّباح» وركن «أوراق وردية» في «الحرية» وودعنا معه برنامج «زخارف» في الاذاعة الوطنية، وودعنا قبل ذلك صاحب ديوان: «للعشق... للوطن». ودعنا الشاعر الديبلوماسي بدون سابق إعلام، وودعنا معه عاشق العروبة وعاشق فلسطين الذي هبّ مناديا بتحريرها وهو في عنفوان شبابه ساعة علمه باغتصابها سنة 1948: فيا أمّة العرب كونوا رجالا وهبّوا فقد آن وقت الجهاد بلاد العروبة قدس شريف يعاني حروبا وبأس الشداد رحل عنا الابن البار للمنستير بل لتونس بأسرها، بعد أن نذر حياته لإعلاء شأنها والتعريف بأعلامها وأمجادها وخصال قيادتها في المغرب والمشرق. رحل عنا من كان محل تقدير وإكبار من قبل الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة الذي اختاره أهلا للسفارة وتمثيل تونس في الخارج خير تمثيل، كما كان محل تكريم واعزاز من قبل خلفه الرئيس زين العابدين بن علي. لقد كان الراحل العزيز في المنزلة التي يستحقها بفضل ما كان عليه من حب عارم لوطنه، ومن تعلق صارم برموزه، ومن دفاع مستميت عن هويته ولغته العربية، ومن مثابرة على الإشادة بشعرائه، وعلمائه، ومن غيرة شديدة على تراثه الحضاري وتاريخه العريق. فارقنا الشاذلي زوكار إلى مثواه الأخير، مخلفا في نفوسنا لوعة، وفي قلوبنا حزنا وفي وجداننا انكسارا. لقد فقدنا بفقده أخا من اخوان الصفاء والوفاء، ونبعا من منابع الذكريات الثقافية والسياسية النادرة. لقد فقدنا صاحب «رابطة القلم الجديد» ومن أبلى البلاء الحسن في النظم والنثر، وكانت له تجربته الرائدة في الشعر العمودي والحر حتى كانت موضوع أطروحة في الأدب الحديث في الجامعة التونسية. وكان الفقيد العزيز في كل أحواله وأطواره ملتزما بالقضايا الوطنية والعربية الجوهرية، متخذا من قلمه الجريء أداة ماضية لتغيير ما يمكن تغييره، متمردا على ما يعترضه من تحديات، مرددا ما قاله في ديوانه: أنا لن أعود رغم العواصف والسدود أمشي على الأشواك في الدرب الكؤود