تعوّل خطط النهوض بقطاع الفلاحة وتحديدا الترفيع في انتاج الحبوب على المساحات المروية والرفع من حجم المحاصيل المتأتية من هذه المشغلات الزراعية للتقدم على طريق تحقيق الاكتفاء من هذه المادة الأساسية الى جانب غيرها من المواد الفلاحية الاستراتيجية في وجبة طعام التونسي.. غير أن التفعيل أو التوظيف الناجع للأراضي السقوية لبلوغ اهداف التوسع والارتقاء بمردوديتها يستوجب التوقف عند ملامح المساحات المتوفرة وتشخيص واقعها وحصر امكانيات التوسع المتاحة وضبط الخيارات المطروحة لتطوير استغلالها، واستئناسا بما ورد ضمن مداخلة قدمت أثناء أشغال ندوة انتظمت بحر الاسبوع المنقضي حول احكام التصرف في الموارد المائية بالمعهد الوطني للعلوم الفلاحية. يمكن رسم الملامح العامة للمستغلات المروية ومحيط عملها والتحديات التي تعيشها حيث اشار السيد محمد بن عياد عن ادارة الادارة العامة للهندسة الريفية واستغلال المياه الى أن الحجم الجملي للاراضي السقوية يبلغ 400 ألف هكتار حاليا موزعة على 157 ألف مستغلة، ويعد الرقم الاجمالي لهذه المساحات اقصى ما يمكن بلوغه باعتبار أنه لن يتسنى مستقبلا وعلى مدى ال10 سنوات القادمة التوسع الا على نطاق محدد لن يتجاوز 20 او 30 ألف هكتار على أقصى تقدير ورغم أنها لا تتجاوز 7% من مجموع الأراضي الفلاحية فإنها تلعب دورا بارزا على مستوى الانتاج.. شيخوخة وبعد؟ تختص المساحات السقوية ببلوغ نسبة هامة منها مرحلة متقدمة من العمر بعد أن انقضى على احداث كم هائل منها، يقدر ب150 ألف هك، 25 سنة وهذا معطى ملفت للانتباه ويستوجب جهودا أكبر على نطاق اعادة تفعيل استغلالها من خلال أشغال التهيئة والتعصير والتطوير محافظة على دورها البارز صلب المنظومة الفلاحية. وقد انبنى التمشي الرامي الى احكام استغلال المناطق السقوية على عنصر منهجي على قدر من الأهمية يعتمد الاقتصاد في مياه الري شرع في اعتماده منذ سنة 1995 باقرار منحة مخصصة للاقتصاد في استعمال المياه وقد اعطى هذا التوجه أكله وأصبحت التجربة التونسية محل اهتمام ومتابعة في عديد البلدان، علما أن 85% من المناطق السقوية مجهزة بمعدات الاقتصاد في مياه الري.. وبخصوص المساحات التي تجاوزت 25 سنة على تركيزها فإن التدخل يعتمد اساسا على اقرار برنامج لإعادة تعصير 150 ألف هكتار بشكل مرحلي ومنها أساسا مناطق الحوض السفلي لوادي مجردة. يذكر أن 220 ألف هكتار من المناطق السقوية أنجزت باستثمارات عمومية مقابل 180 ألف هكتار لصالح الاستثمارات الخاصة. ويتمثل الهدف الرئيسي من الجهود الرامية الى مزيد تفعيل المستغلات في المساهمة بنسبة 50% من الانتاج الفلاحي الجملي. رهان التوسع إن في اعتماد خطة النهوض بقطاع الزراعات الكبرى على المساحات السقوية ورسم هدف 6 ملايين قنطار حبوب كمساهمة لهذه المستغلات في دفع انتاجية القطاع ما يدعو الى التساؤل عن المعادلة أو المقاربة التي يتعين اقرارها لتحقيق الاهدف المرسومة في ظل الضغوطات الكمية المطروحة على مستوى التوسع الذي بلغ اقصاه وكذلك على مستوى المياه القارة القابلة للاستعمال سيما أن 125 ألف هك من مجموع 1.5 مليون هك من المساحات الجملية المخصصة للحبوب يمكن أن تروى بموارد مائية قارة وتظل بقية المساحات مرتبطة بالعوامل المناخية. ولأنه لا وجود لخيار آخر سوى تطوير مردودية المناطق السقوية وتحويل كل قطرة ماء مستعملة الى حبة قمح عبر الاستغلال المحكم لتجهيزات الري وتقنيات الاقتصاد في استعمالاتها ودعم الاحاطة بمستغليها وتمكين الفلاحين من الخدمة الفنية اللازمة لتكثيف الانتاج وتطويره والحد من ظاهرة تشتت هذه المستغلات مع تعهد التجهيزات بالصيانة المستمرة وللتقليص من نسب ضياع المياه وتبذيرها بما ينعكس على الكلفة.