لايختلف اثنان في أن القانون التوجيهي للتربية والتعليم الصادر سنة 2002 افرد منزلة هامة للتلميذ أولا حيث بوأه منزلة محورية وافرد له فصلا قانونيا بحاله بمقولة "التلميذ محور العملية التربوية". وثانيا لم يتغافل القانون المذكور عن دور الأولياء فلا نجاح لأي مشروع تربوي دون انخراط كل الأطراف بما فيهم الولي والنسيج الجمعياتي ولا ينحصر الدور في الانخراط والتفرج فحسب بل يتعداه إلى المشاركة الفعالة فيه، فقد جعل النص القانوني من الأولياء طرفا فاعلا وشركاء حقيقيين للمدرسة فلا غنى للأسرة التربوية عن الأولياء ذلك أن تجسيم الأهداف التربوية الوطنية يتم بمجهود مشترك بين إطار التدريس وبقية أعضاء الأسرة التربوية في تفاعل ايجابي مع الأولياء والمحيط وليس أدل على ذلك إلا ماجاء به وكرسه الأمر المنظم للحياة المدرسية وتتجسد هذه الشراكة والعلاقة الوطيدة في مجلس المؤسسة الذي يضم ممثلين عن الأولياء يساهمون في وضع مشروع المؤسسة ومتابعة انجازه وتقييمه وتعديله عند الاقتضاء. وللتذكير فان مشروع المؤسسة وان كان مصطلحا حديثا قد يغيب مفهومه عن الولي فهو جهاز وآلية وخطة عمل ترمي الى تحقيق أهداف مميزة للمؤسسة انطلاقا من واقعها وحاجيات التلاميذ الخصوصية وتلك في حدود الأهداف التربوية الوطنية. ويقوم المشروع على مبدا وقاعدة مشاركة كل الأطراف في وضعه وتفعيل أدوارهم في انجازه وتقييمه انطلاقا من خصوصيات كل مدرسة أو معهد. هذه المشاركة أساسها تفتح ذهن كل طرف في المؤسسة ليس بشكل منفرد بل بشكل يحقق تعاون الجميع فيه، فليس ثمة مشروع دون رغبة ودون إرادة للانطلاق وتشكيل - ولو جزئيا- المستقبل وبلوغ مقاصد وأهداف منشودة هذا بالإضافة أيضا إلى أن كل مؤسسة ولكي تضمن مصداقيتها أمام المجتمع ينبغي أن تعتمد المشروع مرجعا لها زد على ذلك أن انخراط الجميع فيه إداريون، فنيون، قيمون، تلامذة، أولياء وأساتذة من شانه أن يشعر كل طرف بمعية الجميع انه المنشئ لعمله الذاتي وينمى فيه الشعور بالانتماء والتملك: تملك المشروع والغيرة عليه والانخراط فيه باعتباره نابعا من تصورات الجميع بعد التشاور والاقتناع - مما سينمي فيه روح الانتماء للمؤسسة، هذه المشاعر نكاد نفقدها اليوم لا لشيء سوى لأننا نهمل بعض الجزئيات، نتجاهلها أو ننساها أو نتغاضى عنها فلا نعطيها حق قدرها. ان ثقافة الانتماء والتملك هى التي ارتقت بالأمم الأخرى إلى أعلى المراتب، وهي التي تحفز الهمم وتشحذ العزائم، وهي التي تخرجنا من أدران ووحل " رزق البيليك" والتبعية والاستيلاب والوقوف موقف المتفرج السلبي، وختاما فان ثقافة الانتماء والتملك تجعلنا نقبل ونعمل بكل جد وإخلاص وتفان لإعطاء صورة موجبة ناصعة طيبة ومثالية للمؤسسة التي ننتمي إليها ونتفاعل معها. فالتمشي المعتمد للمشروع يقتضي ما يلي: * اخذ الصعوبات المحلية والايجابيات النوعية بعين الاعتبار. * التشاور المستمر بين كل الشركاء. * البحث الجماعي عن الحلول. * تمش جماعي يتضمن 4 مراحل : 1) التشخيص DIAGNOSTIC 2) تحديد المحاورDEFINITION D'AXES 3) إعداد برنامج عمل PROGRAMME D'ACTION 4) وضع منهجية تقييم إن المتأمل في هذه الإجراءات والتراتيب والأساليب ليقر ويقتنع أن المؤسسة التربوية وعلى رأسها وزارة الإشراف فتحت أبوابها على مصراعيها ومدت أيديها للجميع وأولهم الولي الذي كان ومازال دوره شبه سلبي وقد يعزى ذلك لأسباب عدة تختلف من مؤسسة لأخرى وفي المقابل فانه من الخطا ان نهول الأمور وأن نلقي بالمسؤولية الكاملة على الولي وان نطلق صرخة فزع وانما الواقع يتمثل في غياب الإعلام الواضح عن الأولياء ولعل ماحدا بي للكتابة في هذا الموضوع وماشجعني على ذلك هو رفع إصبع الاتهام عن الولي من ناحية وحتى لانصاب نحن المربون بالإحباط من ناحية أخرى ونستسلم للأمر الواقع وان نثقل كاهل الأولياء باتهامات هم في غنى عنها وليس أدل على ذلك إلا ما يقبل عليه الولي - وعن طيب خاطر واقتناع وتلقائية- من اجل ابنه التلميذ في سبيل دراسته فالتونسي يكن للتربية والتعليم ورجالاته تقديرا واحتراما قلما تجدهما في بلد آخر فيضحي بالغالي والنفيس فما بالك بحضوره ومشاركته وخلاصة القول ان العقدة تكمن في غياب المعلومة عنه وفي هذا الإطار لابد من سياسة إعلامية ناجحة تتوخاها بعض المؤسسات التربوية قصد دغدغة إحساس الولي وضمان مشاركته ولم لا أن تبادر وزارة الإشراف بإعداد ومضات اشهارية وتوعوية عبر وسائل الإعلام المقروءة والسمعية والبصرية للتعريف بدور الولي داخل المؤسسة التربوية وحثه على المشاركة والانخراط وتفعيل دوره، ولم لا التفكير في إسناد جائزة لأنشط مجلس مؤسسة وأنشط ولي.وان المسؤولية أيضا ملقاة بدرجة اولى على جهاز التسيير الإداري انطلاقا من مدير المؤسسة فيعرف كيف يستقطب الولي ويؤمن بدوره التربوي البيداغوجي الاجتماعي وقدراته التواصلية ويؤمن أيضا بجدوى وأهمية وفعالية مشروع المؤسسة فيستقطب، ويحفز ويثمن المبادرات في تناغم وتفاعل مع الجميع. تلك هي بعض الخواطر والآراء الشخصية أردت أن أسوقها بصفتي وليا قبل كل شئ آملا أن تجد صداها لدى الجميع ضمانا لحسن المشاركة والاقبال المحترم من طرف الأولياء للرقي بهذا الوطن العزيز إلى أعلى المراتب والتونسي أجدر الشعوب بهذه المراتب لما تنفقه الدولة والمجموعة الوطنية في حقل التربية والتعليم. (*) مرشد تربوي (المدرسة الإعدادية النموذجية علي طراد/تونس)