تونس الصباح: عندما لم تكن هناك فضائيات ولا «بارابول» ولا قنوات تلفزيونية خاصة ومختصة بعضها اخباري وبعضها رياضي وبعضها الآخر منوعاتي كنا نسعد معشر العائلات التونسية عندما يقترح علينا التلفزيون التونسي في احدى السهرات شريطا سينمائيا مصريا بالأبيض والاسوذ.. فترانا نتفرغ لمتابعته في أجواء عائلية حميمة ودافئة ونتفاعل كل حسب شخصيته ومدى درجة عاطفيته مع احداثه وشخصياته.. فترى بعضنا يبكي لبكاء الطبل إو البطلة وبعضنا الآخر يفرح ويسعد للنهايات السعيدة غالبا لمثل هذه. الافلام والأشرطة.. كان ذلك منذ ما يزيد على الثلاثة عقود على الاقل .. في سهرة أمس الاول الجمعة وعلى الرغم من كافة مغريات المادة البرامجية التلفزيونية من اخبارية ورياضية وسينمائية ودرامية ومنوعاتية التي هي في المتناول والتي تقترحها علينا عديد الفضائيات والقنوات التلفزيونية الجامعة والمختصة قررت مرة أخرى وبدافع عاطفي ان أبقى مع قناتنا الوطنية (الفضائية «تونس 7») وان أقضّي جزءا من السهرة امامها وألاّ أتحول عنها الى أية قناة اجنبية اخرى (عربية او غير عربية).. وكنتُ أمنّي النفس بمادة برامجية تلفزيونية تونسية تكون في مستوى الظرف و«المرحلة» بمختلف ابعادها ومكوناتها وحيثياتها وطنيا وعربيا ودوليا.. كأن أكون مثلا على موعد مع جلسة حوارية تجمع شخصيات حقوقيبة ومثقفين وكتاب واعلاميين حول موضوع حقوق الانسان في ابعادها المختلفة خاصة وان المناسبة موجودة (الذكرى 60 لصدور الاعلان العالمي لحقوق الانساتن وخطاب رئيس الدولة بالمناسبة) أو أن أكون على موعد مع شريط وثائقي يروي تاريخيا جانبا من نضالات المجتمعات الانسانية الحديثة في سبيل مقاومة كل اشكال العبودية والميز العنصري والتعدّي على كرامة الانسان.. أو أن تقع برمجة منوعة احتفائية بالمناسبة يؤثثها شعراء وفنانون كتبوا في موضوع كرامة الانسان وحقوقه وتغنّوا بها.. كل هذه «الأماني» التي تبدو مشروعة والله أعلم! بدّدها بجرّة قلم المرور مباشرة دون فاصل ولا مقدمات من حصة النشرة الجوية على الفضائية «تونس 7» في سهرة أمس الاول الجمعة الى بث شريط سينمائي مصري يزيد عمره على العقدين على الأقل يتقمص ادوار البطولة فيه كل من عزت العلايلي ونور الشريف وهو في عز الشباب وسعاد حسني رحمها الله ... الشريط يحمل عنوان «أهل القمة» وقد تواصل على امتداد ساعتين أو أكثر.. ولكم أن تتصوّروا المسألة: قناة فضائية وطنية جامعة تُخصّص على رأس السهرة حيزا زمنيا يزيد على الساعتين لشريط مصري قديم!!! يحدث هذا في زمن «البارابول» والفضائيات والقنوات التلفزيونية المختصة بما فيها السنيمائية والمنافسة الشرسة على استقطاب المشاهد.. ربما كانت المسألة ستبدو مفهومة لو أن هذا الشريط كمان شريطا تونسيا جديدا او قديما فالترويج للفيلم التونسي عبر الفضائية التونسية هو أحد واجبات هذه الفضائية.. أو لو أن موضوع الشريط كان محوره تحديدا «حقوق الانسان» في المطلق .. أما وهو شريط تجاري من طينة تلك الاشرطة المصرية الميلودرامية السخيفة التي «شبعنا» منها في ستينات وسبعينات القرن المنقضي فان «المشهد» يبدو بحق سرياليا حتى لا نقول عبثيا ! وينم عن غياب وعي القائمين على البرمجة في الفضائية «تونس 7» بضرورة الانتباه الى طبيعة المادة البرامجية التلفزيونية المقترحة على المتفرّج داخل الوطن وخارجه ومدى انسجامها مع مجريات الاحداث والمستجدات والمناسبات زمن برمجها.. ان واقع المنافسة الشرسة في زمن الفضائيات والبارابول يقتضي من جهة الاجتهاد في توفير المادة البرامجية التلفزيونية التونسية الطريفة والممتعة والمفيدة والمحَيَّنة (بفتح الحاء والياء) كما يقتضي من جهة اخرى المبادرة والشجاعة وعدم الاكتفاء بالحلول السهلة في مواجهة متطلبات واقع المنافسة.. فالتعول على المادة البرامجية الجاهزة ل«ملء» الفراغات وتجنّب «وجع الرأس» هو ضرب من «النوم في العسل» وهو شكل من اشكال «الهروب» من مواجهة التحديات والاستحقاقات.. وهو بدون شك أسلوب غير مجد.