من أهم المحاور والقضايا التي طرحت على المنظومة التربوية التونسية في السنوات الاخيرة، هي مسألة الحوار فهي أحد المواضيع التي غالبا ما تم تناولها بتحفظ وبحساسية، ورغم بروز هياكل تنظيمية وتراتيب إدارية داخل المؤسسات التربوية تساعد على تطبيق هذه المسألة وهذه القيمة مثل:"مجالس المؤسسة" و"منابر الحوار مع التلاميذ" و"مكاتب الاصغاء والارشاد" المحدودة الانتشار، الاّ أن هناك مجموعة من الصعوبات التي تعيق وتحد من ترسيخها بالشكل الذي يضمن تفعيل هذه الهياكل وقدرة الفاعلين التربويين على المساهمة في المشاركة فيها بنجاعة أكثر، ومن بين هذه الصعوبات على سبيل المثال تخص التسيير الاداري الداخلي، باعتبارها سمة تخص بعض المؤسسات التربوية في بلادنا فما هي هذه الصعوبات بالتحديد؟ الصعوبة الاولى، متمثلة في عدم الايمان والاعتقاد بقيمة الحوار أولا بمعنى أنه ليس بمبدإ جوهري في تسيير مختلف دواليب المؤسسة التربوية، فالصورة السائدة للمؤسسة التربوية الناجحة هو"الشخصية الكاريزماتية" حسب تعبير عالم الاجتماع الالماني ماكس فيبر لما يسمى إداريا"مدير المؤسسة" إضافة إلى ما يطلق عليه في التصورات التربوية والاجتماعية"الادارة الحازمة". إن هذين اللفظين المأخوذين من المنطوق اليومي التونسي والتصورات التربوية والاجتماعية مفصولا في حقيقة الامر عن بعضهما البعض رغم تلازم دلالتهما بالنسبة لمن يتصور ويعتقد ذلك. نظريا فإن"مدير المؤسسة التربوية" هو جامع ومؤلف لمختلف الاطراف التربوية بمعنى أن جميع الاطراف يحضون بنفس المكانة والتصور والممارسة لمهامهم وأدوارهم داخل المؤسسة وكذلك مستوعب لانسجامهم وتوترهم الحاصل في أحيان وفي بعض المسائل، وكذلك وسيطا بين المدرسين والادارات الجهوية للتربية والتكوين، لكن عمليا يلعب دورا محايدا من ناحية وتغليب منطق موازين القوى من ناحية أخرى. أما الصعوبة الثانية، فمتمثلة في أن الفهم العام والغالب على الاطراف الموجودة داخل المؤسسة التربوية التونسية الان بأنها متكونة بالدرجة الاولى ورئيسيا من سلك المدرسين أمام بقية الاطراف الاخرى، لانه يعتقد بأن مصلحة وسير المؤسسة يتم إلا بالمدرسين، فعندما يتم إرضاء وتلبية شروط هذا السلك سواء مركزيا وجهويا ومحليا ومهنيا، فإن بقية الاطراف لا تمثل قوة ضغط لانه يمكن ممارسة"السلطة الادارية" عليهم حتى ولو كانوا ما يسمونه "إطار إشراف" والتي من الضروري هنا التمييز في موقعهم داخل المؤسسة التربوية، لان هناك فوارق متباينة فيما بينهم أيضا، فعلى سبيل المثال" المرشدون التربويون" فرغم أنهم يعتبرون إطار إشراف لكن عمليا وبالعودة إلى مهامهم وأدوارهم والمنح المسندة إليهم فإنهم لا يمثلون مجموعة ضغط حقيقية في الوقت الراهن لتجسيد التوازن بين أطراف متعددة داخل المؤسسة، وهذه السياسة والتصور تحتاج إلى نقاش ولا يمكن أخذها بإطلاقية وباعتبارها معطى جاهز وبديهي. أما الصعوبة الثالثة، وبحكم ما يسمى"استمرارية الاطار الاداري" داخل المؤسسات التربوية ضمانا للتواصل، إلى أن الامر تحول إلى نوع من"المركزية المفرطة والانفراد بالرأي" فباسم تحسين النتائج وتطويرها(عودة ظاهرة الانتقاء في الارتقاء من مستوى تعليمي إلى آخر بالنسبة للعديد من المؤسسات) وهو ما يتعارض مع تكافؤ الحظوظ في فرص النجاح حسب استعمال مصطلحات علم اجتماع التربية، وكذلك مصلحة المؤسسة تلغي الافكار الجديدة وإبداء الاراء المغايرة التي تمتن المناخ الملائم للعمل داخل المؤسسة التربوية وتدفع مختلف الاطراف بدون استثناء إلى الشراكة الفعلية في بناء مختلف أهداف المؤسسة. إن هذه الصعوبة المشار إليها تعزز ما يطلق عليه في الادارة"بالتكتلات" حسب المنطوق اليومي التونسي التي في الغالب يقع الحد من بروزها بأشكال مختلفة لضمان ما يسمى" الاستقرار". إن التركيز العام للمنظومة التربوية التونسية على الحوار مع التلميذ لمن الاشياء التي وجب التنويه بها وتثمينها بمزيد التدرب شيئا فشيئا على الاقتناع الذهني والعملي بذلك، إضافة إلى أن التلميذ يعتبر مركزا ومحورا متميزا لمختلف المشاريع التربوية، لان هذه المشاريع والمخططات ومختلف الموارد البشرية هي في خدمته، ومع ذلك فإن فلسفة الحوار مع التلميذ يجب أن تنفذ أيضا إلى بعض الاطراف داخل المؤسسة التربوية ذاتها ترسيخا لما يسمى"أسرة تربوية" ضمن شعور مختلف الاطراف بتكافئ التصور والسلوك والدور دون استنقاص وتغييب متعمد أو غير متعمد لطرف على آخر، فالهياكل والقوانين والتوصيات والكم المعتبر من الاوراق والوثائق على أهميتها، لا يمكن أن تنفي الصعوبات التي توجد في واقع بعض المؤسسات التربوية دون أقنعة لتحقيق ثقافة ومبدإ الحوار، ومن بينها التسيير الاداري الداخلي على سبيل المثال الذي يميز نسبة معتبرة من المؤسسات التربوية في بلادنا وكذلك بعض التوصيات غير الضمنية لبعض الادارات الجهوية لتكريس هذه النظرة الغير متكافئة لمختلف الاطراف التربوية بشكل أو بآخر، مما يحول دون الارتقاء بهذه المؤسسة والمنظومة التربوية ككل للوصول إلى الجودة العالية كميا وكيفيا. إن المختص في العلوم الاجتماعية في هذا الموضوع أو غيره لا يشكك في جهود بعض المؤسسات التربوية التونسية في تحقيق مبدإ الحوار، لان هدفه في ذلك هو تحليل بعض الصور من الواقع الاجتماعي سواء رضي البعض أو لم يرض البعض الاخر وسواء اعتبر البعض ذلك تحاملا أو مبالغة فتلك مشكلته في تشخيص بعض أبعاد الواقع وصوره.