ربما يكون من السابق لاوانه فيما الغارات الاسرئيلية الهمجية تتواصل على غزة الحديث عن خيارات بديلة قائمة، الا انه رغم كل مشاهد الخراب والدمار والاصرار على عملية الافناء التي تستهدف اهالي غزة للاسبوع الثاني على التوالي يفترض التساؤل حول سيناريوهات المرحلة القادمة والاستحقاقات المطروحة.. فليس من المنطق في شيء ولا من الانسانية ولا من العدالة، ان كان هناك مجال للحديث عن أية حدود ابعاد للعدالة الانسانية، ان تستمر اسرائيل في التقتيل الجماعي للمدنيين.. وهي عملية باتت اليوم اكثر خطورة واشد وقعا امام حالة الدمار الحاصل في غزة التي تعود الى العصور الحجرية بعد ان اتت وسائل الدمار الاسرائلية وآلة الحرب المستقدمة من المصانع الغربية على الاخضر واليابس.. حتى انه لم يعد لمن بقي من الاهالي موقع آمن يأوون اليه او مغارة او سقف يمكن ان يقيهم قذائف الموت التي تستهدفهم في الليل كما في النهار، بعد ان استباحت اسرائيل مستشفيات الاطفال ورجال الاسعاف وحتى مواقع هيآت الاغاثة الانسانية ومكاتب الاممالمتحدة، التي خلت بدورها من كل انواع الدواء والغذاء.. وامام هذا المشهد المأساوي وفي ظل الاصرار الاسرائيلي على سياسة العقاب المفتوح والتصفية الجماعية، فان المشهد الفلسطيني لا يكاد يمتلك الخيار وسيف الموت مسلط على رقبة ابنائه، دون تمييز بين طفل او شيخ او مريض او عاجز، بعد حالة العماء الهستيري التي اصابت اسرائيل وجعلت العالم عاجزا عن مواجهتها او حتى الحد منها.. منذ بداية الحملة البربرية على غزة ظلت اسرائيل تردد ان هدفها هو وقف صواريخ "القسام" التي تستهدف المستوطنين شمال اسرائيل، ولكن يبدو جليا بعد اسبوع من القصف الاسرائيلي بمختلف انواع الطائرات و المقاتلات المدمرة، ان هذا الهدف ليس قريبا من التحقيق وان صواريخ "حماس" البدائية التي تسببت في مقتل اسرائيلي واحد مقابل اكثر من اربعمائة فلسطيني حتى الآن لم تتوقف ولا يبدو انها ستتوقف... ومن هذا المنطلق يبقى السيناريو الاول القائم، وهو الارجح، ان تجد اسرائيل في حالة التردد والتجاهل من جانب المجتمع الدولي بكل فئاته الرسمية غير الشعبية، دافعا لها لمواصلة غاراتها وشلالات الدم التي تريقها باكثر تصلف، تمهيدا لتنفيذ خطة الاجتياح البري المحدود.. وليس في جولة وزيرة الخارجية ابنة زعيم عصابات الارغون وخريجة الاستخبارات الاسرائيلية الى اوروبا سوى محاولة لتهيئة الراي العام الاوروبي لهذا الاجتياح.. ولا شك ان في تولي تشيكيا رئاسة الاتحاد الاوروبي خلفا لفرنسا ما يجعل ليفني تعول على موقف هادئ بل ومتناغم مع سياستها من جانب الاتحاد الاوروبي، لا يتجاوز حدود ما سجل حتى الان من دعوات فاترة لوقف القتال والمساواة بين الضحية والجلاد.. في المقابل فان الجهود الفلسطينية ستتجه الى تحريك الديبلوماسية عبر الدعوة الى قرار ملزم في مجلس الامن الدولي الذي ظل بدوره تحركا غير مضمون امام بقاء الفيتو الامريكي قائما لاجهاض أية محاولة لتحميل اسرائيل مسؤوليات جرائمها المتكررة وخروقاتها المستمرة منذ اكثر من ستة عقود.. وباستثناء ما يمكن ان يثيره الفيتو المرتقب من انتقادات اعلامية او ردود فعل هنا او هناك فسيكون فعلا من المعجزات توقع أي تغيير يذكر من جانب ادارة الرئيس الامريكي جورج بوش في ايامها الاخيرة وهي التي تعد اكثر الادارات الامريكية تاييدا ودعما لاسرائيل في تاريخ الولاياتالمتحدة. اما السيناريو الثاني المتوقع وهو ان ترضخ اسرائيل لتقبل بهدنة مؤقتة تحدد لاحقا وتسمح بمقتضاها بتقديم المساعدات الانسانية الضرورية للقطاع.. وهذا السيناريو الذي لا يجد قبولا يذكر لدى اسرائيل بدعوى ان أية هدنة لاسباب انسانية ستسمح لحركة "حماس" بالتزود باحتياجاتها والحصول على التموينات المطلوبة من اجل استعادة قدراتها على توجيه صواريخها الى المستوطنات الاسرائيلية.. وهذه ايضا حجة لا اساس لها، باعتبار الوضع الراهن وتشديد المراقبة على المعابر بما لا يساعد على تمرير أية مساعدات او وسائل دعم دفاعية بعد ان استهدفت اسرائيل كل الانفاق تقريبا.. ولا شك ان في تلك التحذيرات التي تحمل توقيع الجيش الاسرائيلي التي بدات الطائرات الاسرائيلية اسقاطها على غزة مطالبة الاهالي "بمساعدتها ودعمها في عمليتها العسكرية والتبليغ عن مواقع اطلاق الصواريخ" ما يكشف جزءا من الحملة الاعلامية الدعائية والحرب النفسية التي تمارسها سلطات اسرائيل بالتوزاي مع حملتها العسكرية المستمرة. اما السيناريو الثالث بين التصعيد الحاصل وبين احتمالات التهدئة وهو الاقرب الى الواقعية فهو يقتضي ان تكون المرحلة بداية لاعلان الوحدة الفلسطينية كرد على كل اشكال العدوان وتهيئة الارضية لاعادة تحديد الاولويات، بعيدا عن لغة الاتهامات المتبادلة والتنصل من المسؤولية وتأجيل الخلافات والحسابات الى وقت اخر.. وتبقى اوكد هذه الاولويات المسارعة بايصال المساعدات الانسانية لاصحابها وتقديم الاغاثة لاطفال غزة ومستشفياتها، نسائها ومنكوبيها الواقعين تحت الانقاض اوفي العراء.. ان استحقاقات المرحلة على درجة من الخطورة والامر لا يتعلق بوضع حد لحملة اسرائيلية همجية قابلة للتكرار في كل حين، ومع كل موعد انتخابي اسرائيلي فحسب، ولكن بما هو اهم وهو ان يدرك المجتمع الدولي ان كل الخطر في بقاء الاحتلال استمراره وفي رفض القيادت الاسرائيلية للشرعية الدولية ولحق شعب مشتت في الداخل والخارج في الحياة بكرامة شانه في ذلك شان بقية دول العالم وتقرير مصيره وتحقيق سيادته.... وانه عدا ذلك لا يمكن لجيوش العالم واخر ابتكاراته العسكرية ان تقتل كل بذرة من بذور المقاومة في نفوس الفسطينيين وستجد اسرائيل امامها بدل كل طفل او مقاتل او ناشط فلسطيني تغتاله اجيالا من رجال المقاومة، سواء تعلق الامر ب"فتح" او "حماس" او "الجهاد" او غيرها...