تونس:الصباح: تواصلت أمس بالعاصمة أشغال المؤتمر الدولي الثامن للصحة والسلامة المهنية المنتظم ببادرة من معهد الصحة والسلامة المهنية.. وبالمناسبة كان لنا لقاء مع الطبيب النفساني بمستشفى الرازي والأستاذ بكلية الطب الدكتور كريم تبّان الذي حدثنا عن مسألة الضغوطات النفسية في الحياة المهنية.. إذ بينت إحدى الدراسات العلمية أن 75 بالمائة من العاملين في تونس يعانون من أتعاب جسدية وأن 61 بالمائة يشعرون بالحزن خلال العمل.. كما تشير دراسة أخرى حول الغيابات في الأوساط المهنية إلى أن صفر فاصل 7 بالمائة من العمال سنة 1995 تحصلوا على عطل طويلة المدى وإلى أن هذه العطل المرضية تنجم عنها خسائر مادية كبيرة للمؤسسات وللاقتصاد الوطني عموما.. يرى الطبيب النفساني أن مشاكل الضغوطات النفسية في الأوساط المهنية لا تنسحب فقط على التونسيين بل هي ظاهرة عالمية.. وقال إن هناك عدة دراسات تم إجراؤها في تونس حول مسألة الضغوطات النفسية والعمل ولكن لا توجد دراسات معمقة وشاملة تمثل جميع الفئات العاملة في تونس ولاحظ أن انجاز مثل هذه الدراسات يتطلب تقنيات وإمكانيات مادية كبيرة.. وأشار إلى وجود عدّة دراسات مست عينات مصغرة وهي دراسات غير شاملة لذلك يجب تطويرها وتحيينها. وبين أن الحد من الضغوطات النفسية في مواقع العمل يقتضي الحد من منابع هذه الضغوطات ويتطلب حسن علاجها.. وذكر أن كل التدخلات الواجب القيام بها للحد من مصادر الضغط النفسي تستوجب توفير طرق تصرف ناجعة في أسباب هذه الضغوطات.. والمرور من التشخيص النظري للمواضع التي يعاني فيها العامل من هذه الضغوطات إلى حلول عملية.. ولاحظ أن هذه العملية تتطلب وعيا بالمسألة لدى جميع المتدخلين والفاعلين في المؤسسة. وفسر أن الضغوطات النفسية في مواقع العمل يمكن أن تنجم عن محتوى العمل وعن محيطه المادي ككثرة الضجيج والرطوبة ونوعية الهواء.. كما يمكن أن تكون للضغوطات النفسية علاقة بدور العامل في تسيير المؤسسة أو بسبب تضارب الأدوار كأن يكون للعامل أكثر من عرف.. وكل رئيس من رؤسائه في العمل يملي عليه تعليمات تكون أحيانا متضاربة أو يطالبه بتقديم عمل في نفس الوقت الذي يطالبه فيه الآخر بعمل آخر.. كما توجد ضغوطات أخرى يعيشها العامل حينما يشعر أن مصيره المهني غير واضح وأنه ليس في مأمن من الطرد.. أو حينما لا يحصل على الترقيات المهنية والمكافآت التي يستحقها أوعند تكليفه بأعمال شاقة ومرهقة جسديا ونفسيا أو عند حرمانه من العمل بوضعه في «الفريقو» أو عند التمييز بين العمال.. وتسبب العلاقات المهنية المتوترة بين الزملاء في الوسط المهني في عدم إحساسهم بالراحة النفسية وفي إصابتهم بالقلق والتوتر النفسي.. كما ينجم عنها سوء الاندماج في الحياة المهنية وإحساس العامل بعدم الرغبة في العمل. الحصيلة إجابة عن سؤال يتعلق بنتائج الضغوطات النفسية وتأثيراتها على الفرد وعلى المؤسسة وعلى الاقتصاد قال الدكتور كريم تبان إن الضغوطات النفسية يمكن أن تجعل العامل يتغيب عن عمله بصفة متواترة كما تتسبب له في مضاعفات نفسية جسدية فالضغط النفسي يمكن أن يكون عاملا في تطور الأمراض النفسية الجسدية.. أما على مستوى المؤسسة فنلاحظ أن تراجع مردودية العامل وكثرة غياباته يؤثران على إنتاجية المؤسسة وقدرتها التنافسية.. وفي ما يتعلق بالمستوى الاقتصادي بين الدكتور أن كل الدراسات الدولية بينت أن الضغوطات النفسية في مواقع العمل لها كلفة مرتفعة يمكن تبينها عند احتساب عدد أيام العمل الضائعة ونفقات العلاج.. ولكن ما هي الأوساط المهنية التي يعاني العمال فيها أكثر من غيرهم من مشكلة الضغوطات النفسية؟؟ عن هذا السؤال أجاب الطبيب النفساني أنه لا يمكن أن نقول إن هذا القطاع فيه معاناة نفسية كبيرة وذلك القطاع جيد.. فالأمور نسبية.. فرجال التعليم مثلا يعانون من الضغوطات النفسية ولكن ليس بنفس الحدة.. فمدرس الابتدائي الذي يحتوي فصله على 20 تلميذا أو أستاذ التعليم العالي لا يعاني من نفس الضغوطات التي يعاني منها أستاذ التعليم الثانوي الذي يتعامل مع فئة المراهقين.. وإلى جانب مهنة التعليم هناك مهنة رجال الصحة ولكن الوضع يختلف بين الاختصاصات فالتقني السامي العامل في مستشفى لعلاج الأمراض السرطانية أو في علاج مرضى السيدا عن وضع التقني السامي في الأشعة .. فالأول يحتك بالمرضى ويتعامل معهم يوميا ويعرف عن كثب معاناتهم ولكن الثاني يتعامل مع صور طبية.. أي أن المهن التي تستوجب من العامل أو الموظف الاتصال المباشر بالناس والتي تجعله يعيش همومهم ومشاغلهم هي المهن التي تكون فيها ضغوطات نفسية أكثر من غيرها. وخلص محدثنا إلى أن المهنة ليس هي التي تعد مصدرا للضغوطات النفسية بل ظروف العمل وطريقة ممارستها..