البعض يتهمه بالكسل وغياب المردودية فيما يقارنه آخرون بالياباني والصيني الأكثر جدوى وإنتاجية.. ويصفه شقّ آخر بالجدية والكفاءة وأنه «مظلوم».. يعمل ويكدّ دون أن يفي أجره بحقّه ولا أن يلبّي تطوّر الأسعار.. إنه العامل التونسي. «الشروق» فتحت تحقيقا حول ملامح العامل التونسي في يوم عيد الشغل وحاولت أن تعرف ميزاته وسيّئاته بالاستناد الى خبراء في علم النفس والاجتماع والى دراسات تقييمية وشغلية. بداية الحديث كانت مع الدكتور حبيب تريعة وهو دكتور في علم النفس ودكتور في علم الاجتماع الذي قال إنه ومن خلال القيام بنظرة عامة وشاملة للعامل وبالنظر الى العامل الصيني قد نجد عاملا يعمل طيلة النهار من أجل الحصول على وجبة أرز، واعتبر أن الآسياويين بصفة عامة يعملون كل ما في وسعهم من أجل الحصول على رمق العيش. وأضاف أنه ورغم ما حقّقته بعض البلدان من ديمقراطية مثل الولاياتالمتحدةالأمريكية فهناك مناطق بهذه البلدان يعملون يوما كاملا لتحقيق الحدّ الأدنى من المردود الاقتصادي والمعيشي. وأضاف أن العمل قيمة كبرى في البلدان المتقدمة. التونسي والعمل اعتبر الدكتور حبيب تريعة أن التونسي ينقسم الى عدة أقسام فهناك التونسي الجدي في عمله وهناك التونسي غير الجدي. ومن خلال تجربته وعمله بجميع المناطق التونسية لاحظ أن فترة الاستعمار قد أثرت في روح العمل بالشمال الغربي، فالمستعمر الذي استوى على أراضي أهالي الشمال الغربي جعلهم يشعرون بالهزيمة النفسية والاحباط، لذلك هو اليوم غير متمسّك كثيرا بالعمل في الأرض ويحاول البحث عن موارد رزق أخرى في الادارة وغيرها. في المقابل اعتبر أن أبناء الساحل يحبون الفلاحة ويتعلقون بالأرض والانتاج، وكذلك الشأن بالنسبة الى أبناء السباسب والوسط. وأضاف بأنه لا يمكن الحكم والتعميم فالأمور قد تختلف من شخص الى آخر، لكن التونسي عموما يحبّ العمل ويعتبره وسيلة لتحقيق الذات.. ويرتبط الأمر بالمستوى الثقافي حيث يبحث المثقف عن تحقيق ذاته ومن خلال عمل يضمن له مكانة اجتماعية مرموقة. أما في الأرياف حيث ترتفع نسبة الفقر والأمية فنجد أناسا يخرجون عن المنظومة الاجتماعية وكأنهم «هامشيون»، فنجد المحبط ومن لا يعلق آمالا كثيرة على العمل.. ومن يتسوّل أو يقوم بأعمال أخرى من أجل العيش لا أكثر. وبالنظر الى ملامح التونسي العامل بالخارج نجد أن التونسي معروف بعمله وجديته ومحاولته جمع الأموال وتكوين مكانة اقتصادية واجتماعية من خلال عمله. ثورة وانضباط أرجع الدكتور حبيب تريعة تراجع المردودية بالادارات والوسط العمالي عموما بعد الثورة الى المناخ الخارجي الذي غلبه التسيّب وغياب الانضباط. وقال إن مشكل التسيّب في الادارات يجب معالجته بصفة مستقلة نظرا الى وجود فائض في عدد الموظفين وعدم وجود تقسيم واضح للأدوار والمهام. كما أن غياب الانضباط والقانون وعدم احترام السلّم المهني قد خلف تراجعا في المردودية وعدم احترام لقدسية العمل. من جهة أخرى، قال الدكتور حبيب تريعة إن الظروف الخارجية والمناخ عوامل تؤثر على المردودية، فالعامل الذي يعمل في طقس معتدل يعمل بطريقة أفضل وأحسن من نظيره الذي يعمل في طقس حارّ. ويشعر العامل بأنه محبط في العمل جرّاء الطقس وهو ما يؤدي الى تراجع المردودية، أما الطقس المعتدل فيشجع على العمل وتقديم أكثر ما يمكن من مجهودات. ومقارنة بين عقلية العامل التونسي ونظيره في الخليج يعتبر الدكتور حبيب تريعة أن التونسي يقدس قيمة العمل ويحاول الاجتهاد في حين أن للخليجي عقلية متواكلة لا يعمل ويقوم بالتعويل على الأجنبي من أجل أن يعمل مكانه وكأنه له الفضل والفخر بذلك. عموما يرى محدثنا بأن التونسي من أيام قرطاج هو مجتهد فقد برع في التجارة في العهد القرطاجني وفي الفلاحة مع روما، لكن ما عكّر جديته وانضباطه بعد الثورة عوامل مثل غياب القانون والانضباط وعدم احترام السلّم المهني. أرباب عمل حسب بعض أرباب العمل وأصحاب المؤسسات من الاتحاد التونسي للصناعة والتجارة فإن مردودية التونسي قد تراجعت مقارنة بفترة التسعينات فهي لا تتجاوز 55٪. ويقول أحد أرباب المؤسسات: «نحن أحيانا ندفع الأجور من أجل حضور العمال لا من أجل ما يقدمونه وما يعطونه من مردودية». كما يعيب بعض أصحاب المؤسسات على العامل التونسي غياب التخصّص وعدم ملاءمة اليد العاملة الموجودة مع حاجيات المؤسسة من يد عاملة مختصة. ويمثل الغياب احدى الاشكاليات الأخرى التي يواجهها أرباب العمل والمؤسسات. ويحدّد القانون عدد ساعات العمل بين 40 ساعة و36 و30 ساعة أو 20 ساعة حسب القطاعات. غيابات وأنشطة حسب دراسة أعدتها وزارة الشؤون الاجتماعية في 2004 وشملت 70 مؤسسة تصل نسبة الغيابات المرضية حوالي 3.1٪. وتبلغ نسبة الغيابات العرضية مستويات مرتفعة في الأنشطة الاقتصادية المشغلة كثيرا لليد العاملة والتي توجه انتاجها للتصدير مثل صناعة الأحذية (8.7٪) ثم صناعة الخياطة وتفوق الغيابات بالمؤسسات الأجنبية نظيرتها التونسية. كما ترتفع هذه النسبة في المؤسسات المصدرة وفي المدن الكبرى مثل تونس الكبرى وصفاقس ونابل. ويشكل التغيّب أبرز عائق حسب المشغلين أمام المردودية ويتسبب في تراجع بحوالي 10٪ من الانتاجية. وتكثر غيابات التونسي خاصة في العودة المدرسية وفي رمضان وفترات الصيف. ثورة وفوضى حسب وزير الإصلاح الإداري وصلت نسبة الغيابات الادارية ببعض الادارات إلى 65٪ وقد قام فريق من الاصلاح الاداري بعد الثورة بمراقبة عدد من الادارات التونسية بمقرات العمل ولاحظوا أن نسبة الغيابات قد بلغت 37٪ ببعض الادارات التونسية بتونس الكبرى وأن 33٪ فقط من الموظفين يعملون. واتضح أن بعض الادارات لا يوجد بها موظف واحد بعد الثورة وهو ما عطل مصالح المواطنين وتسجل سنويا حوالي مليون و86 ألف يوم غياب ويمثل هذا الاشكال أبرز عوائق النهوض بالانتاج. ضغوطات نفسية يتأثر العامل التونسي بشكل كبير بالعوامل النفسية فحسب دراسة علمية يعاني 75٪ من العاملين في تونس من متاعب جسدية فيما يشعر 61٪ من العاملين بالحزن خلال العمل. وقد تحصل سنة 1995 0.5٪ من العاملين عن إجازة طويلة الأمد وهو ما يكبد المؤسسة المشغلة خسائر مادية. ولكن هذه الظاهرة ليست ظاهرة تونسية فهي ظاهرة عالمية حسب المختصين. وحسب المختصين النفسيين يمكن للضغوطات النفسية أن تنجم عن الضجيج والرطوبة ونوعية الهواء، كما لهذه الضغوطات علاقة بتداخل الأدوار وكثرة الأعراف وطلباتهم. وترتفع حدة الضغط النفسي عند الشعور بتهديد بالطرد أو حينما يشعر العامل بأنه لا يتحصل على الترقيات والمكافآت المهنية التي يستحقها أو حينما يوضع في الفريقو. عموما تؤكد الأوساط النقابية أن التونسي عامل محترم يتميز بالجدية.. لكن المردودية الاقتصادية وما يجنيه مقابل ساعات عمله لا ترضي حاجياته. ويبقى الجدل قائما بين النقابات واتحاد أصحاب الأعمال حول كيفية احتساب الأجر مقارنة بالمردودية أو بارتفاع الأسعار والمعيشة. وتبقى الأسئلة حائرة حول مسألة: هل أن التونسي «عامل» مظلوم محروم.. أم أن التسيب وغياب الجدية قد أصبحا سمة لعمله لا سيما بعد الثورة؟ ولعلّ إصلاح التوقيت الاداري قد يكون أحد حلول عودة الجدية والمردودية في عهد يتطلب فيه العمل مقابلا وتلبية للضروريات حسب بعض العقليات.