كم يكفي من الوقت لتتمكن الآلة العسكرية الحربية الإسرائيلية من الإجهاز على كل ما له صلة بالحياة في قطاع غزةالفلسطيني الذي يعد أكثر من مليون وخمسمائة ألف ساكن ويعتبر من أكثر المناطق كثافة في العالم فالكيلومتر المربع يضم 50000 ألف ساكن ولكم أن تتخيلوا حجم المشكل في هذه المنطقة التي نزح إليها أكثر من 80 بالمائة من سكان فلسطين منذ سنة 1948. وكم من شهيد ينبغي أن يسقط لتسكت إسرائيل فوهات مدافعها وتوقف صواريخها وتنهي إطلاق النار من البوارج التي تحيط بهذا الإقليم الذي يرزح تحت الاحتلال والحصار متعدد الجوانب مما أدى إلى اعتبار قطاع غزة حاليا منطقة إنسانية منكوبة تتطلب التدخل العاجل وعلى جميع المستويات حتى يتمكن الرضع والأطفال والشيوخ والنساء والمرضى من مواصلة الحياة. إن كانت هناك حياة، باعتبار أن الحياة والموت أصبحا سيان وبالإمكان القول إن الموت أهون من الحياة في قطاع غزة، فالبعض من قادة إسرائيل يرون أنه من الضروري إطلاق قنبلة نووية للانتهاء من غزة وسكانها مثلما وقع ذلك مع هيروشيما اليابانية، بل أن غزة أصبحت تتسبب في صداع في رأس الإسرائيليين ينبغي إنهاؤه مهما كانت السبل لذلك. إن رئيس الوزراء الأسبق إسحاق رابين صرح أيام كان حيا "أنه كان يتمنى أن يستيقظ ويجد غزة وقد رميت في البحر" شأنه في ذلك شأن ما قاله إيلي إشباي زعيم حزب ساش: "إنه لا حل إلا بتدمير غزة التدمير الكامل وبدون رحمة حتى لا يواصل الفلسطينيون مرة أخرى إزعاج إسرائيل بعمليات المقاومة" والأخطر من كل ذلك نعت وزير الأمن الإسرائيلي المقاومين الفلسطينيين بأنهم مجموعة من "الفئران المختبئة في جحور تطلق منها الصواريخ". إن مثل هذه التصريحات الصادرة عن المسؤولين الإسرائيليين يفترض أن لا تصدر باعتبار خطورة مضامينها والإفصاح عن وجود حقد دفين تجاه الفلسطينيين ورغبة في القضاء عليهم وطرحا أخلاقيا خاطئا من شأنه أن يديم العداء القائم بين شعبين متجاورين هما في صراع دائم بسبب رفض إسرائيل تطبيق القرارات الصادرة عن الأممالمتحدة منذ تأسيسها واستخفافها بالاتفاقات الأممية الملزمة بحماية المدنيين زمن الحروب والسماح لهيئات الإغاثة بإجلاء الجرحى ودفن القتلى وتوفير المواد الأساسية للمواطنين من أكل وشرب ودواء. كل هذا لم يحصل الآن مع إسرائيل التي استخفت بالقانون الدولي الإنساني ولم تعره أي اهتمام على الرغم من أن هذا القانون يرمي بشكل صريح إلى الحد من آثار النزاعات المسلحة لدوافع إنسانية ويحمي الأشخاص الذين لا يشاركون في القتال وكفوا عن المشاركة في أي عمل عسكري. 1. قيم المجتمع الحر والدفاع عنها؟ تدعي إسرائيل من خلال تصريحات مسؤوليها ومقاربات مفكريها أنها تدافع عن قيم الحرية والحضارة والديمقراطية داخل منطقة عربية متخلفة ينبغي إخراجها من هذا الوضع وللأسف فإن هذا الطرح يلقى تجاوبا من قبل بعض الجهات الغربية التي تسعى دائما إلى الإبقاء على هذا الوضع لأنه يخدم مصالحها ويحافظ على هيمنتها العسكرية والعلمية والاقتصادية وبالتالي نزع إرادة السعي نحو إثبات الذات وتبوؤ موقع عالمي مؤثر للدول العربية التي تمتلك من الإمكانيات الهائلة التي ترشحها لأن تكون فاعلة في صنع القرار الدولي. إن ما يحصل في غزة وما تلقاه إسرائيل من دعم مطلق من قبل الدول الفاعلة لدليل على السعي المتكرر لمواصلة الهيمنة والتدخل في الشؤون السيادية عبر مسوغات وحجج أصبحت مكشوفة مثل التعلل بانتهاك حقوق الإنسان وانعدام الديمقراطية. والسؤال الذي يطرح في هذا الظرف بالذات: عن أية ديمقراطية يتحدثون؟ وهل من مدلول حقيقي لحقوق الإنسان الذي فقد معناه من خلال ما نشاهده عبر الفضائيات التي تنقل العدوان على غزة مباشرة من جثث متفحمة لأطفال يرنون إلى مستقبل ونساء يبحثن عن الملاجئ ومرضى أستهدفوا داخل المستشفيات ولم ترحمهم الصواريخ التي قطعت أجسامهم المنهكة؟ كل هذا يجري أمام الجميع دون أدنى حراك. إنه الاستخفاف الحقيقي بعقولنا وبمداركنا باعتبار أن ما يحصل داخل غزة من مجازر يندى لها جبين الإنسانية والضمير العالمي إن وجد ففي الوقت الذي يقوم فيه أعلى مسؤول أممي ونعني هنا الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بندوة صحفية داخل إسرائيل رفقة وزيرة الخارجية تسيبي ليفني تولت الطائرات الإسرائيلية قصف مخازن وكالة غوث اللاجئين والتي تحوي آلاف الأطنان من المواد الغذائية والدوائية ووسائل الإنارة والتدفئة وقد تم تبرير ذلك بالخطإ وما أكثره من قبل إسرائيل. ثم ما هي دلالات رفض إسرائيل القرار الأممي الصادر عن مجلس الأمن بخصوص وقف إطلاق النار وكذلك دعوة الجمعية العامة للأمم المتحدة إسرائيل احترام المجموعة الدولية وكذلك النداءات الصادرة عن العديد من الجهات بقصد وقف العدوان ضد غزة ثم وهذا الأخطر أن يسوغ حامل جائزة نوبل للسلام الرئيس الحالي لإسرائيل شمعون بيريز هذا العدوان والذي كان من المفترض أن يدافع عن السلام ويدعمه باعتبار أن فلسفة إسناد هذه الجائزة تقوم على نشر السلام لا دعم الحروب. ومن يتتبع مسيرة بيريز يلاحظ دون مواربة ولعه بقتل الفلسطينيين ومشاركاته المباشرة قي العديد من المعارك وإسهاماته في تقديم المسوغات المناسبة للمؤسسة العسكرية قصد شن الاعتداءات ضد أطفال فلسطين العزل وأمثلة تورطه عديدة من ذلك مجزرة قانا في لبنان وأخيرا وليس آخرا عدوان غزة. إنه من العار على مؤسسة نوبل أن تسند هذه الجائزة لأخطر رجل في إسرائيل تميز بولغه في دم الفلسطينيين وكرهه المبطن للسلام ويجب عليها تقدم على تصحيح خطئها بالإسراع بسحبها منه. وانطلاقا مما يحصل في غزة يبدو واضحا أن إسرائيل لا تعير اهتماما للمنتظم لأممي وأن لها أجندة واضحة من أجل فرض الأمر الواقع مدعومة من قبل الدول الكبرى وبالخصوص بريطانيا والولايات المتحدةالأمريكية. 2. الغاز أغلى من الدم : لقد حصل تغير رهيب في المواقف الدولية تجاه العديد من القضايا العادلة وموضوع الحال القضية الفلسطينية والتي تتطلب حقيقة تدخلا فاعلا لوقف نزيف الدماء والحد من الدمار والعيش في محيط آمن ضمن حدود واضحة ومعترف بها دوليا تأخذ بعين الاعتبار تطبيق القرارات الأممية التي تنص على تمكين الشعب الفلسطيني من حقوقه المشروعة من عودة اللاجئين واسترداد الأرض ووقف الانتهاكات المتواصلة. وفي الوقت الذي يتعرض فيه الشعب الفلسطيني إلى عملية إبادة ممنهجة استهدفت الجميع من أطفال وشيوخ ونساء ومرضى ومقدسات ومدارس ومراكز إيواء ومستشفيات ومقابر وحتى الحيوانات تتفرغ بعض الدول إلى مسائل ذاتية مصلحيه مثل روسيا التي كانت تعد نصيرا للقضية الفلسطينية وداعمة لها من خلال مفاوضاتها مع جورجيا بشأن الغاز. نفس الشيء ينطبق على بقية الدول الغربية التي انكفأت على نفسها إما خوفا من إسرائيل أو تشفيا في الفلسطينيين فالرأي العام الغربي يرى أن مسؤولية ما جرى تعود للفلسطينيين. 3. غزة وبعد : إن تمكنت إسرائيل من قتل أعداد هامة من الفلسطينيين وجرح الآلاف ودمرت المباني وهجرت السكان فإنها لن تتمكن من القضاء على الإرادة الفلسطينية والعزيمة من أجل استرداد الحقوق المغتصبة بل أن ثقافة جديدة أصبحت متبلورة لدى مجموع الفلسطينيين ألا وهي ثقافة المقاومة والتضحية وتحمل الدمار من أجل فلسطين وتحقيق الكرامة والعيش السوي مثلهم مثل بقية شعوب العالم. لقد اكد سكان غزة انه بسياسة الحصار والتجويع والتشريد والقتل لا يمكن تحقيق السلام بل ينبغي أن يتحرك الضمير العالمي من أجل إنهاء هذا الصراع الذي دام طويلا... إنهاؤه لا بواسطة الصواريخ والقتل والتشريد بل بقوة القانون وحكمة الضمير وهو ما ترفضه إسرائيل الآن، فهل يكون الغد أفضل؟