ان تقرر شبكة "البي بي سي" رفض بث مناشدة انسانية اطلقتها اربع عشرة منظمة انسانية بريطانية لفائدة المنكوبين في غزة فذلك خيار من حق هيئة المؤسسة المعنية ومن حق بقية القنوات التي انضمت اليها في قرارها ان تتمسك به وتدافع عنه حتى وان كان من تقاليد هذه القنوات ان تبث مجانا مثل تلك النداءات في مواجهة الكوارث الانسانية في اكثر من موقع في العالم ولكن وعندما تتخذ الشبكات المعنية من "الالتزام بالموضوعية والحياد والنزاهة" شعارات لها وشماعة تعلق عليها قرارها الذي لا يخلو من ابعاد سياسية فتلك مسالة اخرى وهي لا تكاد تختلف في شيء عن قرار اغلب الفضائيات الغربية التي تعمدت اهمال مشاهد الموت والقتل والدمار والخراب التي استهدفت غزة بدعوى احترام مشاعر المشاهد وتجنب نشر الضغينة والاحقاد بما يفتح المجال لتحميل هكذا قرار اكثر من سبب واكثرمن هدف لا يمكن ان يرتبط باي حال من الاحوال باخلاقيات الرسالة الاعلامية ولا باهدافها الانسانية لاسيما وان اسلوب تغطية الشبكة للاجتياح الاسرائيلي على غزة لم يخل من الانحياز المفضوح والتاييد المكشوف للجانب الاسرائيلي الامر الذي ادى الى خروج الاف المتظاهرين في بريطانيا للتعبير عن احتجاجاتهم امام مقر ال"بي بي سي"... واذا كان لا احد بامكانه ان ينكر ان شبكة ال"بي بي سي" كان لها اكثر من موقف مشرف في عديد الملفات والقضايا الانسانية والدولية فانه لا احد ايضا بامكانه ان يقلل من التداعيات الانسانية والاخلاقية والسياسية المسؤولة لقرارها هذه المرة الذي من شانه ان يؤكد خضوع الهيئة للمساومات والابتزازت من جانب اللوبيات اليهودية اليمينية التي تمنع على اهالي غزة ابسط المساعدات والاحتياجات الانسانية المطلوبة لمواصلة العيش بين الانقاض التي خلفتها الحرب... ولعل في الانتقادات الرسمية لمسؤولين في الحكومة البريطانية ونواب ورجال دين بريطانيين استهدفت الشبكة واتهمتها بالخضوع للضغوط الاسرائيلية ما يزيح القناع عن الاسباب الحقيقية للتخلي عن بث نداء غزة لجمع التبرعات لفائدة المتضررين من الحرب وهي اسباب لا يختلف اثنان في انها تمثل الوجه الثاني للحرب على غزة وهي الحرب الاعلامية التي تحرص اسرائيل من خلال اللوبيات وعناصر الضغط اليهودية على خوضها على اكثر من جبهة في محاولة لانقاذ ما يمكن انقاذه من صورتها المتردية لدى الراي العام الدولي الذي اكشف خلال الحرب المعلنة على غزة الوجه الحقيقي لديموقراطية اسرائيل التي تتغذى من دماء النساء والاطفال والمدنيين وتتوسع على حساب حقهم في الحياة والبقاء والكرامة... ثلاث دقائق هي مدة استمرار الشريط الذي يحمل عنوان" نداء غزة" الذي اثار ولا يزال يثير جدلا عميقا وتباينا صارخا في مختلف الاوساط السياسية والاعلامية وحتى الدينية على الساحة البريطانية بعد ان قررت هيئة" البي بي سي" التراجع عن موقفها السابق ومصادرة نداء الاستغاثة لجمع المساعدات الانسانية لاهالي غزة والذي يستعرض عددا من الصورو لمشاهد التي تناقلتها مختلف الفضائيات خلال عدوان الاسابيع الثلاثة على قطاع غزة تبدا بمشاهد اطفال واجمين من هول الفزع وتنتهي بسباق الاطباء ورجال الاسعاف في ممرات المستشفيات لانقاذ قوافل المصابين المتوافدين عليهم مرورا طبعا بمشاهد الخراب والدمار التي استيقظت عليها غزة بعد الاجتياح الاسرائيلي وهو النداء الذي اطلقته اكبر المؤسسات الخيرية في بريطانيا التي تشكل معا لجنة الطوارئ لمواجهة الكوارث في مسعى لتخفيف جراح اطفال غزة ومساعدتهم على العودة الى حياتهم الطبيعية ومواجهة حالة الضياع والياس بين حملة التجويع والحصار القاتل والعقاب الجماعي وبين حملة الابادة الجماعية على وقع القنابل الفوسفورية.. لقد اعاد قرار ال"بي بي سي" الى الذاكرة موقفا سابقا ارتبط بتورط الشبكة في التكتم على التقارير المتعلقة بزيف اسلحة الدمار الشامل في العراق بما وفر غطاء اضافيا لحرب غير مشروعة على العراق قبل ان تعود الشبكة في خطوة لتبرئة الذمة ليس الا وتكشف حقيقة الامور لاحقا ولكن بعد فوات الآوان.