تونس الصباح: يتجه الاهتمام في تونس والمنطقة المغاربية، إلى قطاع النسيج الذي يمر بفترة عصيبة على خلفية تدفق الملابس الصينية بشكل غير مسبوق من ناحية، وقرب نهاية العمل بنظام الحصص الرامي إلى حماية الانتاج في المنطقة الاورو متوسطية من توريد المنتجات الصينية، إلى جانب تداعيات الازمة المالية العالمية التي زادت الطين بلّة كما يقال.. وتعوّل مؤسسات النسيج في دول جنوب المتوسط بشكل عام، ودول المغرب العربي بصورة خاصة، على ورقة القرب من السوق الفرنسية، وذلك على حساب الشركات المنافسة في أوروبا الشرقية التي تعاني من كلفة الانتاج.. وأفادت بيانات إحصائية، أن الواردات الفرنسية من الملابس من الصين، تضاعفت منذ نهاية نظام الحصص الاوروبي في العام 2004، لتبلغ قيمتها 4.029 مليارات أورو في العام 2008.. غير أن نصيب تونس والمغرب على سبيل المثال من هذه الواردات، استقر عند 14% بعد خمس سنوات من التراجع، لتبلغ قيمتها 1.920 مليار أورو.. ويرى خبراء في هذا المجال، أن عصر خطوط الانتاج التي ليس بوسعها منافسة الصين، انتهى بالنسبة لدولتين مثل تونس والمغرب، ليحل محل ذلك الابداع وخطوط الانتاج المحدودة الصغيرة وما يمكن تسميته ب"ردة الفعل العالية" من قبل الصناعيين في هذا القطاع.. ويعزى الاداء الجيد لدول المغرب العربي بالاساس إلى العامل الجغرافي، باعتبارها أقرب بكثير للمستهلكين الاوروبيين من الصين، إلى جانب كونها تعرض أسعار تكلفة وآجال تسليم تنافسية إلى حدّ كبير.. وكان البنك العالمي اقترح في وقت سابق على تونس والمغرب ومصر والاردن، مزيد إدخال الاصلاحات على القطاع اللوجستي (أي خدمات الموانئ والجمارك والنقل البحري)، إلى جانب مزيد الاندماج الجغرافي عبر التكثيف في إقامة اتفاقيات مناطق التبادل التجاري الحر مع الدول المجاورة، وخاصة تلك التي لديها اتفاقية شراكة مع الاتحاد الاوروبي، لغاية الاستغلال الامثل لعامل القرب الجغرافي.. وسجل الاعضاء الجدد في الاتحاد الاوروبي (من دول أوروبا الشرقية)، خسائر جسيمة خلال الفترة المنقضية، حيث تراجعت الواردات من بلغاريا ورومانيا بأكثر من 23 بالمائة، خصوصا بعدما فقدت هذه الدول دورها ووظيفتها "كدول مناولة"، لتتحوّل إلى "دول استهلاك"، وهو الامر الذي ينسحب على دول مثل أوكرانيا وبيلاروسيا وملدوفيا.. وعلى الرغم من قربها من أسواق الاستهلاك، فإن هذه الدول تدفع ثمن ارتفاع الكلفة، فيما عمدت دول المغرب العربي إلى احتواء الاجور، وهو الشرط، بل الثمن الاساسي والباهظ الذي كان لا بد من دفعه لكي تحافظ هذه الدول المغاربية على موقعها في السوق.. اتحاد متوسطي للنسيج ويجمع المهنيون، على أن تضافر جهودهم في المنطقة سيؤثر على اختيارات الاتحاد الاوروبي.. وكان المهنيون طالبوا في أعقاب ندوة التأمت بتونس قبل فترة غير بعيدة بإنشاء فضاء أورو متوسطي لانتاج النسيج، باعتباره السبيل الوحيد الذى يمكّن ضفتي المتوسط من مجابهة التحديات المستقبلية ومنافسة التجمعات الاقليمية الاخرى.. ويعتبر عديد المراقبين، أن بوسع المنطقة الاورو متوسطية الاستفادة أكثر من عامل الاندماج الاقليمي، شريطة أن يتوفر عامل التضامن بين هذه الدول، وخاصة اتفاقها على ضرورة التمديد في نظام الحصص، من أجل حماية الانتاج في المنطقة الاورومتوسطية من المنتجات الآسيوية التي تستقبلها المنطقة بصورة وفيرة.. ومن شأن هذا التمديد في رأي الخبراء والعاملين في قطاع النسيج تجنيب أسواق المنطقة الاورومتوسطية، مخاطر الهزات ومساعدة المؤسسات على ملاءمة أنظمة انتاجها مع مواصفات ومعايير السوق الاوروبية والعالمية ومتطلباتها.. وتجري حاليا مفاوضات حثيثة بين المؤسسات العاملة في مستوى المنطقة الاورو متوسطية، من أجل إقامة هذا الاتحاد الاقليمي للنسيج.. دراسة دولية وكان البنك العالمي أصدر دراسة في الآونة الاخيرة، انكب من خلالها على تقسيم نقاط قوة وضعف قطاع النسيج في بلدان تونس والمغرب ومصر والاردن، أمام المنافسة الاسيوية في السوق الاوروبية، وهي الدراسة التي سمحت بمتابعة تطور أداء صادرات نسيج هذه البلدان الاربعة نحو السوق الاوروبية.. وأوضحت هذه الدراسة الميدانية، الاولى من نوعها في المنطقة، أن نقاط قوّة المنتجات الاسيوية للنسيج، تكمن في تنافسيتها على مستوى الاسعار أمام منتجات تونس والمغرب، حيث أنّ كلفة اليد العاملة في هاتين الاخيرتين تصل إلى أربعة أضعاف تكلفة اليد العاملة في الصين أو الهند، إلى جانب ارتفاع أسعار القماش الناتج عن حماية متشدّدة للصناعة المحلية، وعدم اندماج السوق التونسية والمغربية مع تلك الاوروبية، بما يعني إزالة الحواجز الجمركية أمام سلع كلا الطرفين.. في مقابل ذلك، سجّلت الدراسة وجود تقارب في معدّل كلفة اليد العاملة بقطاع النسيج في تونس والمغرب مع دول أوروبا الشرقية الخارجة عن الاتحاد الاوروبي مثل تركيا ورومانيا وبلغاريا، إلاّ أنّ هذه الاخيرة لاقت نجاحا في تنمية صادراتها من منتجات النسيج في سوق الاتحاد الاوروبي، وذلك بفضل الاصلاحات الاقتصادية المنجزة في هذه البلدان، والتي تهدف إلى تعميق الاندماج الاقتصادي مع الاتحاد الاوروبي مقابل تطوّر بطيء للاصلاحات الاقتصادية لكل من تونس والمغرب وفقا لوجهة نظر البنك العالمي.. إشكالية قاعدة المنشإ وعلى عكس تونس والمغرب، تتقارب كلفة اليد العاملة في قطاع النسيج في الاردن ومصر مع اليد العاملة الآسيوية، غير أن العامل المشترك بين تونس والمغرب ومصر والاردن والذي يعيق تنافسية منتجاتها من النسيج، يتمثّل في الكلفة المتأتية من "الجوانب اللوجستية"، المتمثّلة بالاساس في ارتفاع أسعار النّقل عند التصدير وتوريد المواد الاوّلية، إلى جانب النسق الطويل للاجراءات الادارية المتعلقة بالخدمات الجمركية والموانئ حسب البنك العالمي.. ويساهم تشدّد الاتحاد الاوروبي في تحديد منشإ المنتجات الصناعية في الرّفع من كلفة إنتاج النسيج والانتاج الصناعي عموما بالنسبة للمنتجات المروّجة بالسوق الاوروبية القادمة من تونس والاردن والمغرب ومصر.. ذلك أن قاعدة المنشإ المعمول بها بموجب اتفاقيّة الشّراكة الاورومتوسطيّة، تحدّ من عملية البحث عن مواد أوّلية بأسعار تنافسيّة من بلدان غير تلك المنضمّة إلى اتفاقية الشراكة الاورومتوسطية للتبادل الحر.. وتجري مساع حثيثة منذ فترة من قبل الدول العربية، للتفاوض بشأن التخفيف من شروط قاعدة المنشإ هذه، بغاية الرّفع من تنافسية المنتجات المحلية بالسوق الاوروبية، وهو ما أشارت إليه دراسة البنك العالمي..