12% من الجنود في العراق و17% في أفغانستان يتعاطون عقاقير مضادة للاكتئاب والهلوسة ضمن عملية سنوية تجريها وزارة الدفاع الأمريكية لتقييم الوضع النفسي لأفراد الجيش الأمريكي سواء داخل أمريكا أو خارجها تبيّن أن " مرض الانتحار" استفحل بصورة ملفتة في صفوف الجنود الأمريكيين الذين يرون أن إنهاء حياتهم بأيديهم هو الخلاص من حياة هي أشبه بالموت البطيء تزايد دراماتيكي في حالات الانتحار تقرير صادر عن الجيش الأمريكي كشف عمّا يمكن اعتباره أعلى مستوى من الانتحار في صفوف الجنود الأمريكيين منذ أن بدأ الجيش في رصد عمليات الانتحار قبل 28 عاما.. فقد تمّ تحديد 128 حالة انتحار خلال عام 2008 إلى جانب 15 حالة مازالت قيد التحقيق لعناصر القوات المسلحة ممن لا يزالون في الخدمة الفعلية أو العاملين في الحرس أو عناصر الاحتياط . ووفق إحصائيات الجيش الأمريكي فقد وصلت نسبة الانتحار المؤكدة إلى 20,2% عن كل 100 ألف حالة والنسبة قابلة للارتفاع إذا ما تم التأكد من الحالات التي مازالت رهن التحقيق علما أنه خلال سنة 2007 تم تسجيل 115 حالة مقابل 102 في 2006 و87 عام 2005 . وقد اعترف البنتاغون أن العدد الإجمالي للجنود الأمريكيين المنتحرين يعدّ أكبر من عدد الجنود الذين قتلوا منذ بدء العمليات في أفغانستان ( 2001) والعراق (2003). وحسب ذات الإحصائيات وصلت حالات الانتحار في شهر جانفي المنقضي إلى 24 حالة متعدّية - حسب البنتاغون- جميع الأرقام التاريخية ومتجاوزة ب6 مرات الفترة نفسها من عام 2007 الامر الذي دفع قيادة الجيش الأمريكي إلى عرض الأمر على الكونغرس وكبار المسؤولين خصوصا أن عدد الجنود المنتحرين في الخدمة آخذ في الارتفاع منذ 4 سنوات بما يعني أن الظاهرة أضحت مرعبة على حد قول مسؤولي الجيش. وتبعا لاحصائيات البنتاغون اتضح أن 30% من عمليات الانتحار نفذها جنود لدى إرسالهم في مهمات قتالية وأن ثلاثة أرباع هؤلاء كانوا يقومون بأولى عملياتهم فيما انتحر جندي من كل 3 (35%) لدى عودته من مهمة استغرقت أكثر من سنة. الأسباب يعترف خبراء علم النفس في أمريكا أن "مرض الانتحار "تفشى بصورة تدعو للتوقف عندها سيما بين الجنود العائدين من العراق وأفغانستان ويؤكدون أن اهتمام مجلس الشيوخ الأمريكي بهذه القضية الشائكة والحساسة يعكس حجم قلق المسؤولين من انتشار هذه الظاهرة على اعتبار أن البنتاغون لم يتوصل- رغم الدراسات والأبحاث التي دعا إلى إجرائها- من إيجاد العلاج الشافي لهذا الوباء الذي أعاد لذاكرة المجتمع الأمريكي "فيروس" انتحار أصاب الجنود الأمريكيين زمن الحربين الكورية (1950- 1953) والفيتنامية (1964-1975) . المفتش الطبي العام بالجيش الأمريكي اعترف بدوره أن 39% من الجنود خضعوا لفحص بعد 4 أشهر من عودتهم من العراق واتضح عقب المسح الذي أجري على زهاء 1000 جندي أنهم وقعوا فريسة لأمراض نفسية تتراوح بين القلق والاكتئاب والكوابيس ونوبات الغضب وفقدان القدرة على التركيز بينما تبيّن من ذات المسح أن 5,3% منهم يعانون من أمراض نفسية خطيرة بعد مغادرتهم ساحة الحرب مباشرة إما بسبب إصابتهم بجروح أو بسبب رؤية آخرين يقتلون . ويضيف المختصون أن بين 20 و30% من الجنود العائدين من المهام القتالية في العراق وأفغانستان يعانون من اضطرابات ضغط ما بعد الصدمة ومما يزيد في تعكّر الحالة النفسية لهؤلاء أن العديد من المستشفيات التابعة لوزارة شؤون المحاربين القدامى لا تتوفر لديها البرامج المؤهلة للتعامل مع حالات ضغط ما بعد الصدمة بل يتم السماح لهم بالانخراط في الحياة العادية دون مراقبة لا من البنتاغون ولا من وزارة شؤون المحاربين القدامى. ويعيد المختصون تفاقم ظاهرة الانتحار إلى مجموعة من العوامل من ضمنها العلاقات المضطربة بين الجنود المنتحرين وزوجاتهم أو رفيقاتهم و إلى المشاكل القانونية والمالية إلى جانب تعرّض العديد منهم "لمعاملة سيئة ومذلّة" من طرف رؤسائهم لفشلهم في تنفيذ المهمات الموكلة إليهم في العراق وأفغانستان بينما تعيد العقيد كاثي بلاتوني كبيرة أخصائيي علم النفس لدى قوات الاحتياط الأمريكية ووحدات الحرس بروز الظاهرة في فترة محددة من السنة وتحديدا في فصل الشتاء إلى أن أشهر الشتاء الطويلة الباردة والقاسية وما يتبعها من شعور بالوحدة إلى جانب تزايد المهام المرهقة والإكثار من تناول الأدوية المضادة للاكتئاب تعدّ من أكثر العوامل الدافعة للانتحار. وعن مضادات الاكتئاب أكدت بلاتوني أن الكثير منها تترك آثارا جانبية عديدة تغذي فكرة الانتحار لدى المرضى خصوصا في صفوف الجنود الذين تتراوح أعمارهم بين 18 إلى 24 سنة ووفق بعض الاحصائيات المدرجة في هذا الشأن اتضح أن 12% من الجنود في العراق و17% في أفغانستان يتناولون الحبوب المضادة للاكتئاب والهلوسة حتى يتسنى لهم التعاطي مع ضغوط المعركة على الرغم من التحذيرات المتواصلة من قبل الخبراء النفسيين من أن الإكثار من تناول مثل هذه العقاقير يعزز الرغبة لدى متعاطيها في الانتحار وقد أبرزت جهات عسكرية أنها تمكنت من وضع"نموذج نمطي" لتحديد صفات الجنود الذين يقدمون أكثر من غيرهم على الانتحار فتبيّن أن غالبيتهم يمثلون وحدات المشاة الذين توكل إليهم مهمات قتالية يستخدمون خلالها الأسلحة الرشاشة وهذه الوحدة هي الأكثر تعاطيا للعقاقير المهدئة. وختاما لا شك وأنه من هنا إلى أن ينسحب آخر جندي من أمريكي من العراق وأفغانستان ستطول قائمة المنتحرين ما لم تسارع الإدارة الأمريكيةالجديدة بالتنسيق مع الكونغرس والبنتاغون إلى حل هذه المعضلة التي يعتبرها الخبراء وصمة عار على جبين القوة الأعظم في العالم.. والحل لا بد أن ينطلق - حسب رأيهم - من معالجة الأسباب الجذرية التي جرّت الجنود إلى المصائب والأمراض والهزائم النفسية والمعنوية.. ولا شك أن مطالبة البرلمانيين بتقديم إجابات حول حوادث الانتحار المريبة بين صفوف المجندين وحول التستر على مشاكل خطيرة منها "مناخ سام في القيادة وضعف الروح المعنوية للجنود" على حد تعبير سيناتور ولاية تكساس جون كورنين دون اعتبار الشكاوى التي تتهاطل على البنتاغون والمتأتية من آباء وأمهات وزوجات وأبناء جنود دفعت بهم حكومتهم إلى جبهات قتال غير مأمونة العواقب... كل ذلك يحتّم على الإدارة الجديدة فتح ملف وباء الانتحار المرعب والمخجل.. ويبدو أن ضغوطات البرلمانيين وتململ المواطنين الأمريكيين بدأت في تحريك المسؤولين حيال هذه المسألة حيث أعلن متحدث باسم الجيش الأمريكي عن نية إدارة التجنيد عقد تدريب للجنود يوم 13 فيفري الجاري لمنعهم من الانتحار ولتقييم مناخ القيادة بين كافة المجندين الأمريكيين.