خلافات زوجية بسبب حوالات بريديّة أدّت إلى وقوع الجريمة المزدوجة الأسبوعي القسم القضائي: شيّع أهالي منطقة ريفية تابعة لولاية القيروان بعد ظهر أمس جثماني ضحيتي الجريمة البشعة التي جدّت يوم الجمعة الفارط بحي الرياض الخامس الواقع بين سوسة ومساكن الى مثواهما الأخير في جنازة حاشدة. وقد شارك المئات من أقارب المأسوف عليهما والمتعاطفين مع عائلتهما في هذه الجنازة وكان الألم يسيطر على قلوب الجميع.. لا تسمع هناك سوى الصراخ والآهات ولا ترى على الوجوه سوى ملامح الحزن والصدمة والحيرة.. وارتدت المنطقة رداء أسود وخيّم عليها الألم.. الجميع بكوا.. الجميع رثوا المأسوف عليهما.. الجميع ودعوهما بالعبرات.. فكلّ شيء يوحي في مسقط رأس الضحيتين بالمأساة.. بالوجع.. بالموت.. وما أعظم من مصيبة الموت.. الموت بوحشية.. الموت غدرا.. ولكن ماذا حصل؟ لماذا حصلت هذه الجريمة المزدوجة؟ ما هي أسبابها ودوافعها وأطوارها؟ ألم يكن بالإمكان تفادي وقوعها؟ كل هذه الأسئلة خامرتنا ونحن نتحدث الى السيد سالم شقيق الضحية علجية وخال الضحية سامية قبل تشييع الجنازة.. ورغم الصدمة ورغم الألم فقد تحدّث.. عن الفاجعة التي حلّت بعائلته وراحت ضحيتها شقيقته وابنتها الكبرى.. روى تفاصيلها بمرارة.. بوجع كبير.. طلاق وزواج يقول سالم: «أختي تدعى علجية (من مواليد 1968) سبق لها الزواج من شخص آخر أنجبت منه بنية تدعى سامية (21 سنة) ولكنها انفصلت عنه بالطلاق وتزوجت بالمتهم الذي كان يشتغل حينها عون أمن والذي كان بدوره متزوجا فنانة شعبية مشهورة وانفصل عنها بالطلاق...» وأضافت: «تحولت شقيقتي وابنتها للعيش مع الزوج الثاني وكانت العائلة تعيش في سعادة وأنجبت علجية طفلين عمرهما اليوم 7 أعوام (البنت) و12 سنة (الابن) ولكن بعد فترة انقطع الزوج عن وظيفته وربّما أطرد منها فخامرته فكرة الهجرة الى أوروبا وهو ما حدث فعلا إذ سافر الى احدى البلدان الأوروبية وكان يرسل الى شقيقتي حوالات بريدية لصرفها في رعاية أطفالهما مثل ما يحدث بين كل زوجين يكون كل واحد منهما بعيدا عن الآخر.. ولكن حدث ما لم يكن في الحسبان في الآونة الأخيرة». عودة بعد غياب «لقد عاد الزوج قبل نحو أربعة أسابيع من أوروبا» يتابع محدثنا الذي كان في حالة نفسية متدهورة للغاية تترجم حجم المأساة التي حلت بالعائلة «وعوض أن يسعد عائلته ويحتضنها ويرعاها بعد طول غياب فقد راح يستفسر شقيقتي عن مآل الحوالات البريدية التي كان يرسلها إليها فأعلمته بأنّها صرفتها في رعاية أطفالها واقتناء مستلزماتهم» ولكنه لم يصدّقها وانطلقت من هناك الشرارة الأولى لخلاف عائلي لم يهدأ رغم محاولات الزوجة تهدئة الوضع إذ رأى الزوج أن المبلغ المالي الذي أرسله لشريكة حياته كبير وبالتالي من المستبعد أن تكون قد صرفته كلّه وظن أنها أخفت جزءا هاما منه ودبّت الشكوك في الحياة بين الزوجين وتتالت الأيّام حتى أصبح الوضع جدّ مكهرب وتوترت العلاقة بين علجية وبعلها الى أن حصلت الجريمة. حيرة «ففي ذلك اليوم اتصلنا بشقيقتي ولكننا فوجئنا بهاتفها المحمول مغلق فاتصلنا بزوجها ولكنه في كل مرة كان يغلق الخط فأدركنا أن سوءا حصل لعلجية» يتابع سالم حديثه : «سارعت والدتي واحدى شقيقاتي بالتوجه الى المنزل الذي تقطن فيه علجية الكائن بحي الرياض 5 بسوسة وبوصولهما بقيت والدتي داخل السيارة فيما صعدت أختي الى البيت.. ففوجئت ببابه الرئيسي مفتوح.. حينها انتابتها حالة من الحيرة واشتدّ بها الخوف فنادت علجية وسامية ولكنها لم تتلق أي ردّ.. تقدّمت بضع خطوات نحو عمق البيت..» مشهد فظيع يصمت هنا محدّثنا.. يطلق تنهيدة من الأعماق.. يطول صمته وكأني به يسترجع الوقائع الأليمة للمأساة ثم يعود قائلا: «لقد كان المشهد فظيعا.. عجزت عن الصمود أمامه.. شقيقتي علجية وابنتها من الزوج الأوّل طريحتا الأرض ودماؤهما تلطخ أرضية المنزل.. صاحت وغادرت ترتعش من هول ما رأت باتجاه السيارة حيث والدتي.. قبل ان يفزع الأجوار ويحل أعوان الأمن». حاول الانتحار وفي ذات السياق علمنا أن أعوان فرقة الشرطة العدلية بمنطقة الأمن الوطني بمساكن تعهدوا بالبحث في القضية بمقتضى إنابة عدلية صادرة عن قاضي التحقيق بابتدائية سوسة وأجروا تحرّيات حينية أدركوا إثرها أن القاتل ليس سوى زوج إحدى الضحيتين كما توفرت لديهم معطيات تفيد بتحوّله قبل ساعات الى مسقط رأسه بولاية القيروان فأجروا اتصالات مع نظرائهم بالجهة المذكورة الذين تمكنوا من إيقافه وهو يحاول وضع حدّ لحياته في محاولة للهروب من واقعه ومن مصيره ومن التتبعات العدلية التي تنتظره ثم تسليمه الى فرقة الشرطة العدلية بمساكن حيث اعترف بمسؤوليته عن الجريمة المزدوجة وأشار الى أن خلافات حادة نشبت بينه وبين زوجته صباح يوم الجمعة فتسلح بسكين من المطبخ وسدد لها بواسطتها سلسلة من الطعنات (9 طعنات) حينها حاولت «ربيبته» (ابنة الضحية من الزوج الأوّل) الدفاع عن والدتها ولكنه طرحها أرضا وأصابها بعدد يجهله من الطعنات (12 طعنة) وأكد أنه عندما أنهى جريمته احتضن ابنته «م» (7 سنوات) التي كانت شاهدة على الجريمة وغادر البيت باتجاه مسقط رأسه تاركا شريكة حياته وابنتها سامية جثتين وسط الدماء وقد رجانا أفراد عائلة المأسوف عليهما أن نبلّغ نداءهم للسلط القضائية القصاص من القاتل . صابر المكشر للتعليق على هذا الموضوع: